Palestinians flee north Gaza towards the south, amid the ongoing conflict between Israel and Palestinian Islamist group Hamas, in the central Gaza Strip
نازحون من شمال غزة إلى جنوبه- تعبيرية

فور اشتعال الحرب بين إسرائيل والفضائل الفلسطينية المسلحة في غزة، أبرزها "كتاب القسام" التابعة لحركة حماس، دعت إسرائيل مواطني قطاع غزة الذين يعيشون في شماله، حيث تتركز الحملة العسكرية البرية حالياً، إلى الهرب نحو الجنوب.

وفي منشوراتها التي ألقتها جواً على الغزيين، دعت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين إلى مغادرة شمال القطاع والابتعاد "عن مقاتلي حماس" وعدم العودة إلا "عندما يتم إصدار إعلان آخر يسمح بذلك".

تسبب ذلك في موجة نزوح واسعة في القطاع، إذ "استجاب مئات الآلاف من أهل غزة" كما قالت مصادر في الجيش الإسرائيلي.

مسؤولون فلسطينيون وصفوا ذلك بأنه "تهجير قسري" محذرين من "نكبة جديدة" لأهالي القطاع، ويشكل اللاجئون أساساً 60% من تعداده السكاني.

 

رحلة شاقة

بحسب روايات نُقلت من غزة، فإن بعض الفارين اضطروا لقطع تلك المسافة الطويلة سيراً على الأقدام حاملين ما تيسّر من أمتعتهم رافعين الرايات البيضاء، كي يراها الجنود الإسرائيليون. 

اعتمدت هذه الحشود على طريق شارع صلاح الدين الرئيس، الذي اعتبرته إسرائيل "ممراً آمناً" يُمكن لأهل غزة السفر عبره في أمان بين الساعة العاشرة صباحاً حتى الرابعة مساءً،  بحسب التوقيت المحلي للمنطقة، إلا أنه أغلق مبكراً مرات عدة، لـ"دواعٍ أمنية" بحسب تصريحات إسرائيلية.

في خضم تواجدها الكثيف على أرض القطاع ونجاحها عسكرياً في تقسيمه إلى جزئين، فإن المواطنين الفارين مرّوا على نقاط تماس مع الجيش الإسرائيلي الذي أخضع جنوده اللاجئين إلى التفتيش وأجبروا الرجال منهم على السير مسافة 500 متر وأيديهم مرفوعة.

تكتنف عمليات الإجلاء العديد من الصعوبات، فهناك آلاف الفلسطينيين يعيشون في أقصى الشمال وتفصلهم عن الجنوب مسافة طويلة تُقدّر بـ20 كيلومتراً على الأقل، ليس من السهل قطعها في ظِل القصف الإسرائيلي المستمر الذي دمّر عشرات الطرق، فضلاً عن نقص الوقود الذي يعاني منه القطاع منذ منعت إسرائيل دخوله فور وقوع هجمات 7 أكتوبر.

رحلة شاقة تعيّن على آلاف الأطفال والمرضى والعجائز قطعها في ظروفٍ صعبة للنجاة من القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع، وفي نفس الوقت رفض العديد من سكان الشمال النزوح، مفضلّين الموت في بيوتهم على الرحيل.

ورغم التطمينات الإسرائيلية فإن الأوضاع على الطُرق ليست آمنة تماماً بعدما كشفت شاهدة عيان، أنها خلال سفرها مع عائلتها عبر السيارة على الطريق نحو الجنوب تعرضوا لغارة عنيفة تسببت في تدمير سيارتين، فيما أضاف آخرون أنهم شاهدوا عشرات الجثث والعربات المدمرة على جانبيْ الطريق.

بحسب إحصائيات الأمم المتحدة ومؤسسات محلية ودولية، تم تهجير 40 ألف مواطن من منازلهم في شمال غزة، فيما تجاوز عدد النازحين في إجمالي مناطق القطاع قرابة مليون و600 ألف شخص، عاش قرابة 700 ألف فردٍ منهم داخل 149 منشأة تابعة للأونروا فيما لجأ ما يزيد عن 120 ألف فرد إلى المستشفيات والكنائس وغيرها من المباني العامة، أما البقية فهم في ضيافة عائلات غزيّة أخرى.

بعض البيوت في الجنوب التي استضافت أقاربها، وصل العدد الذي يأويه البيت لـ90 فرداً، يقومون عادة بوضع جدول دقيق ينظم ساعات النوم وحراسة المنزل واستخدام الحمام وتناول الطعام.

وحظي الجنوب بنصيب الأسد من استضافة نسبة النازحين، وبحسب الأونروا فإنها تملك 92 منشأة في الجنوب يقيم فيها قرابة 580 ألف نازح. 

 

مخاوف النازحين

بعد الانتهاء من رحلتهم الشاقة سيتعيّن على  الآلاف من هؤلاء النازحين تدبير مكانٍ يعيشون فيه، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظِل الفوضى التي اجتاحت القطاع بأسره ووسط انقطاع الوقود والكهرباء وضعف إمدادات الغذاء والماء واكتظاظ الجنوب بمئات الآلاف من السكان.

الوِجهة الرئيسية للنازحين عادةً ما تكون المؤسسات الإنسانية الدولية بخاصة مدارس الأونروا.

في إحدى المدارس التابعة للأمم المتحدة في مدينة دير البلح الجنوبية تكّدس فيها آلاف الأشخاص، لا تحتمل الطاقة الاستيعابية للمدرسة استضافة هذه الأعداد الكثيفة فاضطر عددٌ من النازحين إلى النوم على الأرض بدون مراتب أو فوق مقاعد المدرسة الخشبية التي صُنعت لجلوس التلاميذ خلال فترة الدراسة.

بحسب أرقام الأونروا، تعيّن على كل 160 فردًا استخدام نفس الحمّام، لهذا يضطر النازحون للوقوف بالساعات أمام الحمامات حتى يأتي دورهم لاستعماله، بعدها سيتعيّن عليهم الوقوف في طوابير مماثلة من أجل الحصول على الخبز أو بعضًا من الماء الصالح للشُرب.

في بعض الأحيان يسأم الواقفون من الانتظار الطويل فيدخلون في مشاجرات عنيفة مع بعضهم، وفق تقارير الأونروا.

ووفق وسائل إعلامية على الأرض، أصبحت هذه التجمّعات بيئة خصبة للإصابة الأمراض بعدما انتشرت فيها الإصابات بالجرب والإسهال والتهابات الجهاز التنفسي.

المواطنة الغزية هويدا الزعانين (63 عاماً)، نزحت من بلدة بيت حانون الشمالية، تقول "أنا وأطفالي ننام على الأرض دون مرتبة، أريد العودة إلى منزلي حتى لو كان مدمراً".

وتؤكد هبة رامي (32 عاماً) التي غادرت منزلها في مدينة بيت لاهيا الشمالية فور اشتعال القتال، وهربت إلى منزل عمتها في الجنوب، وبعدما تعرضت المنطقة لقصفٍ عنيف اضطرت عائلتها للهرب إلى مخيم الشاطئ للاجئين الذي قُصف هو الآخر، لتُكرّر هبة في ختام حديثها "لا مكان آمن في غزة".

فيما قالت نيفين أحمد، وهي أم لستة أطفال هربت بهم إلى مدينة خانيونس الجنوبية، إن منزلها تعرّض للقصف أيضاً في هذه المدينة رغم إعلان إسرائيل أن الجنوب منطقة آمنة، قال نيفين "أخشى أن إسرائيل تدفعنا إلى الجنوب حتى يقصفوننا لإجبارنا على اقتحام الحدود مع مصر".

وواجهت مؤسسات الأونروا أمواجاً هائلة من اللاجئين؛ قرابة 23 ألف مواطن في مدرسة داخل مخيم المغازي وأكثر من 21 ألفاً في مركز تدريب في خانيونس فيما لجأ قرابة 16 ألف نسمة إلى قاعدة لـ"الأنروا" في رفح وهو ما يزيد 9 أضعاف عن قدراتها الاستيعابية.

وعاش آخرون في مخيمات سريعة أقامتها الأمم المتحدة في أراضٍ فضاء، منها واحد أقيم في موقف سيارات بمدينة خانيونس وعاش سكانه على المؤن القليلة التي يتلقونها من من الأمم المتحدة.

في هذا المخيم كرّر النازحون مخاوفهم من تكرّر سيناريوهات 1948 و1967 معهم بعدما اضطر أجدادهم إلى الهرب من قراهم إلى أماكن قيل لهم إنها ستكون مؤقتة، فبُنيت لهم خيام من الخشب لاحقاً تحوّلت إلى مبانٍ من الطوب ومخميات كبيرة باتت سكناً نهايئاً لهم لم يغادروه حتى اليوم.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".