Samir Ayoub, uncle of three children who were killed by an Israeli airstrike, puts flowers on their car in the town of Ainata,…
آلاف اللبنانيين نزحوا من جنوب لبنان بعد أن طاول القصف المدنيين في المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل

بموازاة الحرب الدائرة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية مسلحة في قطاع غزة، أبرزها "كتائب عز الدين القسام" التابعة لحركة حماس، وتعقيداتها الجيوسياسية، يسود توتر أمني يومي في لبنان وتحديداً في الجنوب على طول الخط الحدودي، كما ينسحب هذا التوتر قلقاً في ضاحية بيروت الجنوبية حيث التواجد الكثيف لـ"حزب الله" وأنصاره.

وفي ظل هذان الترقب والتوتر، حزم مواطنون لبنانيون على تماس مع الأحداث حقائبهم وانتقلوا إلى مناطق تعتبر أكثر أمانا في هذه المرحلة.

موجة التهجير القسرية هذه ليست الأولى التي يشهدها أهل الجنوب اللبناني أو الضاحية الجنوبية لبيروت، إذ حدث ذلك مرات عديدة، كان آخرها في حرب تموز 2006 حين شنّت إسرائيل حرباً على لبنان رداً على أسر اثنين من جنودها من قبل "حزب الله".

مؤسسات دولية قدرت عدد النازحين من جنوب لبنان بنحو 30 ألفاً، أواخر أكتوبر الماضي. وفي 8 نوفمبر الجاري، قال مركز الدولية للمعلومات، إن عدد النازحين المسجلين في مراكز الإيواء والمدارس وصل 45 ألفاً.

تستذكر فاطمة عبد الله (كان عمرها في 2006، 20 عاماً) التي تشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الزمن يعيد نفسه: "بدأنا نسمع أصوات القصف والانفجارات وهي تقترب. كنا نظنها هزات أرضية، ثم مع اشتداد الاعتداءات والغارات، قرر أهلنا أن الوقت حان للرحيل".

"أذكر أننا التجأنا إلى إحدى قرى جبل لبنان وتحديدا في إقليم الخروب. هناك، استقبلتنا عائلة كريمة وسمحت لنا بالإقامة في إحدى الشقق قيد الإنشاء. قدموا لنا كل شيء من أساسيات ونشأت بيننا علاقات أسرية. اليوم ومع تكرار العدوان، أشعر بالأمان لأني على يقين بأنهم سيستقبلوني وأولادي وقد أصبحت أماً"، تضيف فاطمة لـ"ارفع صوتك".

وعلى الرغم من أن بعض اللبنانيين الجنوبيين انتقل إلى جبل لبنان وبيروت، خصوصا الميسورين منهم حالاً، إذ يمكنهم دفع إيجارات السكن، أو الذين يمتلكون بيوتاً يستخدمونها في الصيف، فضّل البعض الآخر البقاء في الجنوب وانتقلوا إلى مناطق السكسكية والصرفند والزهراني وصور التي فتحت بيوتها مجاناً أو بإيجارات رمزية.

ولكن الانتقال ليس سهلاً دائماً مع ارتفاع أعداد النازحين وانخفاض المساكن المتوفرة. تروي إحدى السيدات من عائلة مرجي والآتية من ضيعة بليدا الحدودية (فضلت عدم ذكر اسمها): "من الطبيعي أن تفرغ القرية لأن ضيعتنا تتعرض للقصف منذ بداية الأحداث. لم نجد بيتاً بسهولة، والبيوت التي وجدناها غير مفروشة وليست مزودة لا بالماء ولا بالكهرباء، يبدو أننا تأخرنا".

وتقول لـ"ارفع صوتك": "سألت عن بيت في منطقة عدلون وكانت قد سبقتنا 200 عائلة فلم نوفق لأن المنازل تعطى مجانا وهناك مساعدات لتأمين النواقص. لكن يمكن القول إن الأمور تيسّرت وأننا نتمكن في النهاية من تدبر حالنا".

Smoke rise from Israeli artillery explosions in al-Bustan, a Lebanese border village with Israel, south Lebanon, Wednesday, Oct…
لبنان في وضع "فريد".. لا حرب ولا سلم!
منذ السابع من أكتوبر الماضي يشهد لبنان حالاً مما يسميه بعض المراقبين "اللاحرب واللاسلم"، المتمثلة باشتباكات يومية بين عناصر من "حزب الله" اللبناني وفصائل فلسطينية أخرى مع جنود الجيش الإسرائيلي على الجانب الآخر من الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل.

 

قرى الجنوب "شبه فارغة"

درجة الجهوزية استعداداً لموجات النزوح باتت أكبر بحسب ما أعلن حسين حمود، نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور في حديث لـ"ارفع صوتك".

ويوضح أن "القرى الحدودية لطالما عاشت تجربة مريرة مع العدو الإسرائيلي منذ عام 1948 كما أن هذه القرى تعاني من تداعيات الاحتلال الإسرائيلي. وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذه القرى تحررت عام 2000 بعد أن عاشت ظروفاً صعبة وتجربة الناس القاسية تدفعهم للنزوح نحو مناطق أكثر أمناً".

"ويبدو أن القصف على بعض المناطق الحدودية بالإضافة إلى القصف المدفعي والقنابل الفوسفورية، اشتد وطال البيوت بشكل متعمد لإفراغ القرى من أهلها"، يتابع حمود، مؤكداً "وهذا ما تعكسه حدة الأضرار التي ما عادت تقتصر على حرق الأشجار المثمرة والزيتون، بل تطال أيضاً البيوت وطبعاً بعض الأهالي".

ويصف الوضع في الجنوب قائلاً: "بعض القرى خالية اليوم من السكان. وكانت حركة النزوح قد بدأت أولا في قرى مثل الضهيرة وعيتا الشعب وعلما الشعب ومروحين ويارين ثم توسعت لتشمل بتليف وبليدا ورامية وصولا إلى بنت جبيل، ما يعني تمدد حركة النزوح من القطاع الغربي أو القطاع الأوسط إلى القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني، حيث غادر الأهالي بشكل كثيف".

وبلغ عدد النازحين حتى صباح الخميس الماضي (كتابة هذا التقرير)، بحسب حمّود، 11852 نازح مسجل في قضاء صور مع توخي الإشارة الى أمرين، كما يشرح رئيس اتحاد البلديات: "أولا، هذه التفاصيل تعني النازحين المسجلين لأن هذه القرى قد تحررت عام 2000 كما قلنا سابقاً، وكثير من السكان يقصدونها حصرا في فصل الصيف وخلال العطل. بالتالي، هم لا يسكنوها بشكل دائم ولديهم منازل خارج هذه الضيع. وهؤلاء الأشخاص لم يتم تسجيلهم. وثانياً، نحن نسجل الأشخاص فقط من هم نازحون وهذا لا يشمل من قاموا باستئجار بيوت".

 

إدارة الكوارث

انطلاقا من التجارب السابقة في منطقة الجنوب، سجلت مبادرات تهدف لتسهيل تنقل النازحين حتى داخل الجنوب نفسه وضمان سلامتهم، من بينها مبادرة لاتحاد بلديات قضاء صور، وتحديدا لوحدة إدارة الكوارث التي أنشئت عام 2010 لمواجهة كافة الأزمات، واستثمرت بفعالية لمواجهة أزمة كورونا وتداعياتها والحرائق وسواها.

تعكف الوحدة اليوم، بحسب حمود، "على مساعدة أهلنا وأولادنا وأخواتنا من قرى الشريط الحدودي"، مبيناً: "يجري تسجيل عدد النازحين بشكل مباشر لأن للوحدة في كل بلدية و في كل قرية ما يعرف بالمستجيب الأول، تقتضي مهمته الأساسية مع البلديات باستقبال النازحين وتوفير المساكن لهم. ويتم تسجيل كامل التفاصيل عن كل النازحين والقرى التى يأتون منها وعن منازلهم وعن المسكن الذي يستضيفهم ورقم الهاتف وعدد الأفراد مع عمر كل فرد".

"كما تسجل تفاصيل أخرى بهدف تقديم كل المساعدة الممكنة تحيط بالملف الصحي وفي حال وجود أمراض مزمنة أو حالات إعاقة، وتسجل كل البيانات على المنصة وعلى الأجهزة الخاصة بالبلديات وعلى وحدات إدارة الكوارث في الاتحاد الذي يرتبها بدوره وتصبح المعلومات واضحة"، يتابع حمود.

ويشير إلى الاستفادة من التجارب المؤلمة في الماضي، بالقول: "في عام 2006، تحركنا بشكل عشوائي وغير مدروس، إذ اعتمدنا فقط على ردة فعل. ولكن الأمر الجيد هو أن أهل الجنوب اعتادوا للأسف على أن الدولة غائبة ويعلمون أن الاعتماد لا يكون إلا على الأهل في لبنان وعلى الخيريين في هذه المناطق".

لكن اليوم، يقول حمود: "أصبحنا أكثر تنظيماً كوحدة إدارة الكوارث وكل شيء أكثر وضوحاً ويمكننا تحديد حاجاتنا بالكامل وإحصائياتنا بالأرقام الدقيقة. بالإضافة إلى ذلك، بدأت الحكومة عبر المحافظين بتفعيل وحدات الكوارث في المحافظات كالنبطية وصيدا والزهراني وجزين".

 

الأزمة الاقتصادية

يقول نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور، حسين حمود، إن أكثر النازحين من عمال اليوميين الذين يعملون في أراضيهم كمزارعين، وتركوا الأرض ونزحوا ولم يستطيعوا حتى قطاف موسم الزيتون.

هؤلاء الأشخاص "بحاجة إلى كثير من المساعدة والتقديمات والدولة اللبنانية عاجزة تقريباً ونحن نأمل بأن تحل الأمور سريعا قبل فصل الشتاء الذي تزداد معه الاحتياجات"، على حد تعبير حمود.

ويكمل، أن أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه لبنان يزيد من وطأة أعباء النزوح، خصوصاً أن معظم النازحين من الطبقات الفقيرة.

"الاستعدادات جيدة لكن لا يوجد إمكانيات لدى البلديات والجهات الداعمة لأن أكثر مساعداتها خصصت للاجئيين السوريين، والمنظمات الإنسانية تعاني بدورها من إمكانات ضعيفة، لذلك نحاول العمل بالمتوفر وطلب المساعدات من المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية آملين ألا تطول هذه الأزمة"،  يضيف حمود.

Lebanese border villagers say Israeli shells won't push them off their land
"خطة طوارئ".. لبنان يستعد تحسبا لتمدد الحرب
أسفر التصعيد عبر الحدود بين لبنان وإسرائيل، عن مقتل أكثر من 62 شخصاً، بينهم 47 مقاتلاً من حزب الله، إضافة الى مقاتلين من فصائل فلسطينية وأربعة مدنيين، بينهم مصور في وكالة رويترز للأنباء، وقُتل أربعة أشخاص على الأقل في الجانب الإسرائيلي.

مواضيع ذات صلة:

أم وأطفالها بعد قصف جوي لقوات النظام السوري على حلب - أرشيفية
أم وأطفالها بعد قصف جوي لقوات النظام السوري على حلب - أرشيفية

لا تزال منى الحميدان تحتفظ بقميص صغير تعدّه "الذكرى الوحيدة" التي بقيت لها من أثر طفلها سعيد (7 سنوات)، الذي قضى في قصف للنظام السوري على غوطة دمشق الشرقية في مارس 2018. 

تقيم الحميدان (46 عاماً) في تركيا حالياً، حيث لجأت إليها عام 2019، أي بعد نحو عام من الخروج القسري لسكان غوطة دمشق الشرقية في مايو 2018، عندما سيطرت قوات النظام السوري عليها.

تطمح كغيرها من ذوي الضحايا السوريين، لا سيما ذوي الأطفال، أن يتحقق الإنصاف القانوني بمثول مجرمي الحرب في بلادها أمام المحاكم الدولية المختصة.

تقول الحميدان لـ"ارفع صوتك" بنبرة يأس: "يبدو أن دماء ابني ومئات آلاف الضحايا السوريين ستبقى دون إنصاف، في ظل غياب المحاسبة والإفلات من العقاب حتى الآن. لا نعلم، ربما في يوم ما يتغيّر هذا".

وتؤكد أن الكثير من معارفها قُتلوا خلال المعارك مع قوات النظام السوري في بلدة حمورية بالغوطة الشرقية، مستذكرة بفخر بعض أقاربها الذي قضوا وهم "يدافعون عن أهلهم أمام آلة البطش" حسب تعبيرها.

"لكن ابني سعيد ومثله آلاف الأطفال قُتلوا دون أي ذنب، وكان ذنبهم الوحيد أن أهالي منطقتهم خرجوا يطالبون بحقوقهم المشروعة التي قابلها النظام بالحديد والنار"، تتابع الحميدان.

يتفق معها أحمد موصلي (43 عاماً)، باعتقاده أن "دماء جميع ضحايا الحرب في سوريا ذهبت هدراً"، مستبعداً لـ"مجرمي الحرب في سوريا أن يُحاسبوا أو يمثلوا أمام المحاكم".

فقد موصلي طفليه الاثنين في غارات جوية للنظام على الأحياء الشرقية لمدينة حلب أواخر سنة 2016. 

يقول لـ"ارفع صوتك"، إنه "ينظر بسخرية لجميع الدعاوى القضائية المرفوعة ضد النظام، لأن المجتمع الدولي هو الذي شجع الأسد وحلفاءه وجميع مرتكبي الانتهاكات في سوريا على ارتكاب المزيد من الجرائم، منذ سقوط أول قتيل والاكتفاء بالتنديد دون اتخاذ أي خطوات رادعة".

سوريا
"دفن الأطفال بملابس العيد".. تقرير: جرائم النظام السوري "تزداد في المناسبات"
كان الطفل السوري، حسين صايغ (13 عاما)، من بين 27 طفلا قضوا في الهجمات التي شنتها القوات الحكومية السورية في شمال غرب البلاد خلال الشهرين الماضيين وحدهما.

ويحكي تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية قصة الفنان الصغير الذي هاجرت أسرته لشمال غرب

أكثر من 30 ألف طفل قتيل

بمناسبة "يوم الطفل العالمي" الذي وافق 20 نوفمبر ٢٠٢٣، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرها السنوي الثاني عشر، حول الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا.

وأكدت مقتل حوالي 30127 طفلاً في سوريا منذ مارس 2011، بينهم 198 بسبب التعذيب، إضافةً إلى 5229 طفلاً ما زالوا معتقلين أو مخفيين قسراً.

وأشار التقرير إلى أن "سوريا صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1993، كما صادقت على البروتوكولين الاختياريين الملحقين بها". أوضح التقرير أن "جميع أطراف النزاع انتهكت حقوق الطفل، إلا أن النظام السوري تفوّق على جميعها من حيث كمّ الجرائم التي مارسها على نحو نمطي ومنهجي".

وحمّل التقرير اللجنة المعنية بحقوق الطفل والمنبثقة عن اتفاقية حقوق الطفل، المسؤوليات القانونية والأخلاقية في متابعة أوضاع حقوق الطفل في سوريا، ووضع حدٍّ للانتهاكات التي يمارسها النظام السوري.

وفي تفصيل أرقام الأطفال، قتل 23022 طفلاً على يد قوات النظام السوري، و2049 على يد القوات الروسية، و958 على يد تنظيم داعش، و74 على يد هيئة تحرير الشام، فيما قتلت قوات سوريا الديمقراطية 260 طفلاً، وجميع فصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني)، قتلت 1009 طفلاً، وقتلت قوات التحالف الدولي 926 آخرين، بينما قُتل 1829 طفلاً على يد جهات أخرى. 

وعلى الرغم من أن التقرير شمل العديد من الانتهاكات التي ارتكبت ضد الأطفال في سوريا، إلا أن ثمة انتهاكات أخرى لم يشملها، وفقاً للمدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، لافتاً إلى أن "التقرير تناول الانتهاكات "الأكثر فظاعة".

ويبين لـ"ارفع صوتك"، أن "تقرير الشبكة حول الانتهاكات ضد الأطفال في سوريا، يغطّي ما نسبته 85% منها، فيما تبقى انتهاكات أخرى لم يصل إليها فريق الشبكة بسبب عدم التبليغ عنها أو عدم التحقق من دقّتها".

يضيف عبد الغني: "سنركز في التقارير المقبلة على عمالة الأطفال وتسرّبهم من المدارس، وتشريدهم القسري".

من جهتها، تقول ربا الأحمد، وهي عضو مجلس إدارة واستشارية قانونية في مجال توثيق الانتهاكات في "شبكة حراس الطفولة"، إن "الانتهاكات الي يتعرّض لها الأطفال في سوريا تشمل حرمانهم من الوصول إلى أساسيات الحياة الكريمة أو ابتعادهم عن مقاعد الدراسة، إضافة إلى الآثار النفسية على الأطفال جرّاء فقدان الوالدين أو أحدهما بسبب الحرب، بالإضافة إلى العنف الأسري أو المجتمعي". 

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفاً من بين الفئات التي تتعرض للانتهاكات بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص".

"لذا، بقي باب محاسبة المتسبّبين بهذه الانتهاكات مغلقاً حتى الآن، لعدم توفر الشرط اللازم لمحاكمة المتورطين بالانتهاكات في الدول الأوروبية مثلاً، التي تستلزم رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم بوجود أصحابها، وهو ما لم يتوفّر حتى الآن في ملفات الانتهاكات ضد الأطفال"، تتابع الأحمد.