تُشكل الملاجئ جزءاً أساسياً من ثقافة البناء في إسرائيل، التي لم تكتفِ بالتوسع في بناء الملاجئ العامة في الشوارع، لكنها أيضاً تبنّت سياسة تدشين ملجأ داخل كل بيت وكل شقة.
ومنذ سنة 1948، بزغت في إسرائيل فكرة إنشاء ملاجئ عامة يلجأ إليها الإسرائيليون حال وقوع حربٍ في أيٍّ من الجبهات التي تجمعه بأربع دول عربية، فكرة بلغت أوجها عام 1991 حينما ضرب نظام صدام حسين إسرائيل بـ39 صاروخ "سكود" قتلت 74 إسرائيليًا، فأصبح بناء الملاجئ ضرورة دائمة.
في 2012 افتتحت الحكومة الإسرائيلية موقف سيارات عملاق من 4 طوابق يُمكن تحويله إلى ملجأ في حال وقوع أي طارئ. وطوال السنوات الماضية سعت الحكومة الإسرائيلية لتحسين الحياة داخل ملاجئها العامة، عبر تقديم عدة خدمات ترفيهية مثل قاعات الرقص وحانات الخمور وصالات رياضية.
وفقاً لقواعد الأمان العامة في إسرائيل، فإنه فور وقوع هجومٍ بالصواريخ على أي مدينة، تدوّي صافرات الإنذار في جميع الأنحاء معلنة للمواطنين أن أمامهم 40-60 ثانية فقط حتى يلجأوا إلى مأوى حصين.
وباعتبار أن الملاجئ العامة هي الحل الأمثل لوقاية المواطنين، توسّعت إسرائيل في بناء الملاجئ في المناطق المجاورة مباشرة لحدود غزة، لكن نجاح الفصائل الفلسطينية في زيادة مدى صواريخها أدخل المزيد من المدن ضمن مدى أهدافها، فباتت الحكومة الإسرائيلية بحاجة لبناء المزيد من الملاجئ فيها، للتماشي مع النمو السكاني المطرد، ما خلق تحدياً كبيراً ومتزايداً أمام تل أبيب.
بحسب تقديرات صحيفة "الغارديان" البريطانية عام 2017، يوجد في إسرائيل قرابة مليون مخبأ، ووفقًا لإحصائية رسمية صدرت 2020، فإن إسرائيل نجحت في تأمين ملاجئ لما يقرب من 6 ملايين فرد من سكانها.
وكانت تقارير حكومية كشفت في 2019، أن 20% من إجمالي الملاجئ التي تملكها إسرائيل باتت غير صالحة للاستخدام بسبب قِلة صيانتها.
الفترة الزمنية القليلة المتاحة أمام المواطنين للّجوء إلى أحد الملاجئ العامة قد لا تكون كافية في بعض الحالات، وهي مشكلة سعى الجيش الإسرائيلي لحلها جزئياً في 1992 حين أصدر قواعد جديدة لتنظيم جهود الدفاع المدني، تضمّنت إقامة "غرفة حماية" في كل مبنى جديد يجري تشييده، بهذا تعيّن على الإسرائيليين توفير ملاجئ صغيرة داخل بيوتهم للجوء إليها بأسرع ما يُمكن.
تُصنّع "الغرف الآمنة" المنزلية من جدران خرسانية وأبواب من الفولاذ وأحياناً تزوّد بزجاجٍ مقاومٍ للكسر.
واستمرار وجودها داخل المنزل جعل الإسرائيليين يعتبرونها بمثابة غرفة زائدة أُضيفت للمنزل وعادةً ما تزوّد بأثاثٍ بسيط وثلاجة لحفظ الطعام والشراب.
استعانة الإسرائيليين بمثل هذه الغرف في منازلهم الخاصة أو داخل شققهم السكنية، واجهت عدة عقبات، منها تكلفتها المالية العالية والإجراءات البيروقراطية الكثيرة التي طلبتها الجهات الحكومية قبل السماح للسكان باقتنائها، مثل الحصول على موافقة أغلبية السكان وإضفاء تعديلات على رخصة البناء، لذا فإن كثيراً من أصحاب الشقق أحجموا عن الاستعانة بها.
ووفقاً لإحصائية نُشرت في مايو هذا العام، من بين مليوني شقة هناك حوالي 800 فقط لديها غرفة آمنة.
في أعقاب هجمات أكتوبر، قرّر الكنيست تخفيف الشروط من أجل تيسير إجراءات بناء الغرفة المحصنة في المباني السكنية.
وحتى الذين حصلوا على هذه الغرف فإنها لم تعزّز شعورهم بالأمان، فهي لا تمنحهم إلا وقاية مؤقتة من الصواريخ والقنابل، لكنها ليست ملجأ يُمكن قضاء الأيام الطويلة داخله. إذ لا يوجد بها حمامات أو وسائل تهوية دائمة، وبسبب حجمها الصغير لا يُمكن تخزين الكثير من الطعام والشراب داخلها.
بسبب عجزها عن توفير أمانٍ كامل للسكان اضطرت تل أبيب لإخلاء المدن المتاخمة للحدود الساخنة حال وقوع أي صراع مثلما جرى هذا العام مع مدينة سديروت التي أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء جميع سكانها.
عاصمة الملاجئ
تتمتّع سديروت بوضعٍ خاص بسبب قُربها الشديد من قطاع غزة، ما يجعلها هدفاً أول لتلقي صواريخ مقاتلي حماس التي تصلها بسرعة تعجز عن إيقافها القبة الحديدية. لذا وضعت الحكومة الإسرائيلية خططاً حوّلت بموجبها محطات الحافلات وأقبية المتاجر وأجزاءٍ من الملاعب إلى ملاجئ، علاوة على إلزام المباني الجديدة بأن تضمَّ غرفة محصنة بجانب تحديث المساكن القديمة وإضافة هذه الغرف إليها.
بعض المنظمات المجتمعية اليهودية سعت لإضفاء مسحة جمالية على بوابات الملاجئ المنتشرة في الشارع، فنظّمت حملة لتزيينها برسوم لمشاهد طبيعية وحيواناتٍ أليفة.
في 2014 زار المدينة الأكاديمي البريطاني آلان كريج، واطّلع على كمِّ الملاجئ المنتشر في ربوعها فوصفها بأنها "عاصمة الملاجئ في العالم".
انتشار الملاجئ في المدينة لم يكن كافياً لحماية أهلها خلال الحرب المشتعلة فأمرتهم إسرائيل بمغادرتها لحين انتهاء المعارك.
عرب إسرائيل: أين ملاجئنا؟
مع اشتعال القتال لم يحظَ عشرات الآلاف من عرب إسرائيل بملاجئ كافية تحميهم من الحرب المستعرة حولهم، التي أسفرت عن وقوع عشرات الضحايا في صفوفهم.
وحسبما صرّح وليد الهواشلة، رئيس هيئة الطوارئ العربية في النقب، فإن نصف السكان لم يتوفّر لهم مأوى، لذا فإن الناس لجأوا إلى الاختباء في المدارس وتحت الجسور وفي الوديان الصحراوية.
وبحسب نشطاء عرب، فإن مدينة مثل رهط التي يبلغ عدد سكانها 75 ألف نسمة، لا يوجد بها إلا 10 ملاجئ فقط، أما في مدينة "حيفا" التي تبعد 42 كيلومتراً فقط عن الحدود اللبنانية وتعيش أجواء ساخنة فلم تقم بها أي ملاجئ.
هذا الوضع ينطبق على أغلب جنبات المجتمعات العربية، ففي الوقت الذي توفّر تل أبيب ملاجئ داخل كل منزل إسرائيلي، فإنها لا تنشئ ما يكفي من الملاجئ العامة في المناطق العربية، وهو الأمر الذي اعترفت به لجنة تابعة للكنيسة في 2018، لكن شيئاً من هذه الأوضاع لم يتغير حتى اليوم.