"بعد وصولي إلى تركيا هرباً من الحرب في سوريا، عانيت لثلاث سنوات قسوة اللجوء والإقامة والعمل الشاق، لإعالة نفسي ووالدتي، حتى تعرفت على شاب تركي، تقدم لخطبتي وتم الزواج الذي غير حياتي للأفضل، وساعدني في تخطي الكثير من العقبات"، تقول الشابة السورية ليلى العبود (34 عاما) من حلب، التي تزوجت منذ ست سنوات من الشاب التركي مصطفى، المقيم في مدينة هاتاي.
وتضيف لـ"ارفع صوتك": "كلانا يولي اهتمامًا كبيرًا للعائلة، ونتشابه في الكثير من العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والدينية، لهذا أعتبر زواجي تجربة ناجحة".
وتضيف ليلى أنها تمكنت "بفضل زواجها من مصطفى، من توسيع علاقاتها الاجتماعية، والتواصل مع أقارب زوجها وأصدقائه".
وتتابع: "درست اللغة التركية بتشجيع من زوجي، واعتمدنا على اللغة التركية في حياتنا اليومية، وحواراتنا، وهذا ما ساعدني على تعلم اللغة بشكل أفضل، والتكيف مع المجتمع التركي المحلي بسهولة. كذلك سهّل زواجي الكثير من الإجراءات الإدارية المتعلقة بالإقامة، وتسهيل الحصول على الجنسية التي ضاعفت لدي الشعور بالأمان النفسي والانتماء إلى مجتمع جديد، وتوفير بيئة آمنة لأطفالي".
وتبيّن ليلى أنّ زواج الأتراك المتزايد من السوريات يعود لأسباب كثيرة، "أهمها أنّ شروط الزواج من السوريات غير معقدة وغير مكلفة، كما أن السورية لا تتعامل مع الزوج بنديّة، وتعتبر أن له حق القوامة بعكس العادات التركية، بالإضافة إلى وجود العديد من النقاط المشتركة بينها التشابه في العادات والتقاليد والطقوس الدينية".
في دراسة سابقة أعدّها المكتب المركزي للإحصاءوالدراسات السكانية في تركيا، تصدّرت السوريات قائمة النساء الأجنبيات اللواتي تزوّجنَ من رجال أتراك، في حين حلّت الأوزباكستانيات في المرتبة الثانية والأذربيجانيات في الثالثة.
بحسب الدراسة، بلغ عدد العرائس الأجنبيات 28 ألفاً و571، وجاء عدد العرائس السوريات في المرتبة الأولى في عدد الزيجات من أتراك بنسبة 13.2%، تليهن الأوزباكستانيات 11.1%، والأذربيجانيات 8.9%.
كما بلغ عدد العرسان الأجانب 6 آلاف و161، واحتل العرسان من الجنسية الألمانية المرتبة الأولى بنسبة 24.9%، يليها السوريون 20.5%، والنمساويون 5.7%.
لم تكن تجارب السوريات جميعاً مشابهة وسهلة كتجربة ليلى، فحنان مندو (26 عاماً) التي تزوجت من رجل تركي منذ خمسة أعوام، تقول إنها "عانت ولا تزال، من الفجوة الثقافية بين مجتمعها والمجتمع الجديد. وهذا الفارق أحيانًا يؤدي إلى سوء الفهم والتوتر في العلاقة".
في البداية لم تكن حنان تجيد اللغة التركية بشكل جيد، ما أدى إلى صعوبات في التواصل اليومي وفهم الاحتياجات المتبادلة، ما جعلها تعيش ضغوطاً كبيرة للتكيف مع البيئة الجديدة والتحول الثقافي.
لا تنكر حنان أن زواجها من تركي عاد عليها بالكثير من الإيجابيات، كما تؤكد لـ"ارفع صوتك"، لكنّ "الظروف الصعبة والتحديات الثقافية أثرت سلبًا على تجربتها، وتعتبر أن ظروف اللجوء شجعتها على اتخاذ هذه الخطوة".
في الوقت نفسه، ترى حنان أن استمرار زواجها "لمصلحة الأبناء ويحتاج للكثير من الصبر والتضحيات".
من جهتها، تقول اللاجئة السورية المقيمة في غازي عنتاب هيام يونس (51 عاماً)، إن نسية زواج الأتراك من سوريات في الواقع "أعلى مما تذكره الإحصائيات الرسمية"، مشيرة إلى وجودة "الكثير من حالات الزواج غير المسجلة رسمياً".
وتضيف لـ"ارفع صوتك": "رغم أن الشرع يعترف بحق الرجل بالزواج مثنى وثلاث ورباع، ولكن القانون التركي لا يعترف إلا بالزوجة الأولى، فيما تعتبر الزوجة الثانية خليلة، وهناك العديد من معارفي تزوجن من أتراك زواجاً دينياً ولم يتم تسجيله في البلدية".
"بعضهن طلقن ولم يحصلن على حقوقهن، ومن كان لديها أطفال كانت معاناتها مضاعفة، حيث لا حقوق قانونية لها وستعاني من مشاكل عدة، بما في ذلك حرمانها من الميراث في حال وفاة الزوج، ومن النفقات إن انفصلت عنه، وحتى من تسجيل أولادها إن أنجبت من هذا الزواج"، تتابع هيام.
في السياق، توضح الناشطة النسوية والسياسية نجاة مرشد، لـ"ارفع صوتك"، إن الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها الأسر السورية "جعلت عددًا ليس بقليل من الأتراك يعمدون إلى الزواج من فتيات سوريات زواجا دينياً (عن طريق الشيخ)، وتكون هؤلاء الفتيات الزوجة الثانية".
وتقول: "كما نعلم، في تركيا يمنع القانون تعدد الزوجات، بالتالي تضيع حقوق الفتاة القانونية وحقوق الأطفال وتسجيلهم".
وتلفت مرشد إلى أن منظمات المجتمع المدني "تساعد المرأة السورية بدورات توعية ودعم نفسي وتمكين"، لكن وسط غياب القانون لحمايتها وقلة فرص العمل وصعوبة الإجراءات القانونية وقلة دعم المشاريع الصغيرة، تبقى الاستفادة "قليلة جداً"، على حد وصفها.
وتشرح: "تقوم بعض البلديات والمنظمات التركية بدورات لغة واندماج مجانية، وتطلب منا هذه الجهات التعاون فيما بيننا لحث النساء وتوجيههن للاستفادة من هذه الدورات، لكن المسافات وقلة الإمكانيات تقف عائقاً في وجه بعضهن".
وتدعو مرشد النساء ومنظمات المجتمع المدني إلى تمكين النساء من ناحية اللغة وفهم القوانين التركية خاصة حول الزواج والطلاق، وإنشاء مكاتب مرخصة ومعتمدة للاستشارات والتوعية القانونية والاقتصادية.