النظام السوري طرد المعارضة من مناطق سكنهم. أرشيفية
النظام السوري طرد المعارضة من مناطق سكنهم. أرشيفية

يبحث شباب سوريا الذين بدأوا يجدون صعوبات في الوصول إلى أوربا أو الإقامة في تركيا، عن وجهة جديدة يشدون الرحال إليها للبحث عن حياة بعيدة عن تلك التي يعيشونها.

باتت دول الخليج العربي مقصداً لكثير من هؤلاء الشباب، تحديداً دولة الإمارات التي يعتبرونها "مدينة أحلام" قد تساعدهم على العيش وفق ما يتمنون.

هؤلاء الذين ينوون التوجه إلى الإمارات، وضعوا تصورات مُسبقة، شجّعتهم على التوجه نحوها، أهمّها، اتاحة الحصول على التأشيرة السياحية خلال الأشهر الماضية، بعد أن كانت سابقاً محصورة بالإناث، والذكور فوق الـ40 عاماً.

من المحفزات الموجودة في الإمارات أيضاً بالنسبة للشباب السوريين، عدم وجود قوانين تحصر التوظيف بالمواطنين، وتُعد في الوقت الحالي قبلة للباحثين عن الأعمال والاستثمارات وإنشاء الشركات في مختلف المجالات.

ونتيجة لهذا الإقبال، سجّلت تأشيرات السفر إلى الإمارات إقبالاً واسعاً خلال عام 2022 والربع الأول من العام الحالي، وفقاً لعمران زاهي صاحب مكتب سفريات وتأمين تأشيرات سفر في دمشق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن "معظم المقبلين للحصول على تأشيرة سفر للإمارات من فئة الشباب بين 20 و30 عاماً، بقصد الخلاص من شبح التجنيد الإجباري، أو الحصول على عمل مناسب يؤمن لهم دخلاً جيداً، ويستطيعون من خلاله إرسال حوالات إلى عوائلهم وذويهم في سوريا".

ويبدأ سعر التأشيرة السياحية إلى الإمارات من 550 درهماً إماراتياً بمدة شهر (نحو مليونين و600 ألف بحسب سعر الصرف الحالي)، و1,100 درهماً للتأشيرة بمدة 3 أشهر (نحو 4 ملايين و900 ألف)، أما كلفة استخراج الإقامة فتصل إلى نحو 5,000 درهماً (نحو 19 مليون ليرة سورية)، بحسب زاهي.

ويضيف أن "كلفة إصدار تأشيرة الإقامة، باهظة الثمن بالنسبة لأغلب السوريين، لذا يلجأون إلى التأشيرة السياحية، وهذه بدورها ليست سهلة مادياً بالنسبة لكثيرين، لكنها ليست مستحيلة".

سليمان عبد المحسن (26 عاماً)، درس الهندسة الكهربائية في جامعة دمشق، وله "تجارب مرّة في السفر إلى الإمارات" عندما دفع أمولاً طائلة، لكن من دون فائدة، على حد تعبيره.

يقول لـ"ارفع صوتك": "في نهاية عام 2022 لم أستطع تجديد الإعفاء من التجنيد الإجباري، فنصحني أصدقائي بتدارك الوقت وتحصيل تأشيرة سفر نحو الإمارات، الأمر الذي اضطرّني إلى استدانة المبلغ اللازم من أقربائي".

ويضيف: "ليس من السهل أن يمتلك أحداً مبلغ 15 مليون ليرة، وهو مبلغ التأشيرة السياحية لـ 3 أشهر، بالإضافة إلى تكلفة السفر ومصاريف الوصول والسكن الأولية، لذا اضطرّرت إلى جمعه من عدة أشخاص، على أمل إعادته فور حصولي على عمل".

الأحلام التي بناها عبد المحسن قبل السفر، اصطدمت بواقع مختلف تماماً، ومضت نحو 4 أشهر من تاريخ وصوله إلى الإمارات دون أن يحقّق شيئاً مما خطّط له سابقاً، على حد قوله.

خلال رحلته إلى الإمارات، ذهب إلى أصدقائه في أبو ظبي، واستبعد دبي ذات التكاليف المعيشية الباهظة، غير أن الأمر بالنسبة له لم يختلف كثيراً، حيث تقل فرص العمل في العاصمة الإماراتية، لذا بقي يذهب إلى دبي بشكل يومي للبحث عن فرصة عمل، وهذا ما لم يكن يسيراً.

بسبب وجود طلبات على العمل من عدد كبير من الأيادي العاملة، وقلة الفرص، اضطر إلى ترك العمل  بشهادته وذهب باتجاه الأشغال الحرّة، ريثما يجد الفرصة المناسبة.

عمل في المطاعم والفنادق وفي قطاعات أخرى، واصطدم بوجود شباب من جنسيات أخرى يغطّون العمل في هذه المرافق بأجور متدنّية جداً، لا تصل أحياناً إلى 1000 درهم، وهو ما لا يغطّي حتى أجور السكن والمصاريف الشخصي.

انتهت الشهور الثلاثة وفق التأشيرة السياحية التي حصل عليها عبد المحسن، الأمر الذي اضطرّه إلى تجديدها لشهر واحد بتكلفة تقارب 600 درهم، بعد استدانة المبلغ من صديق له هناك.

يُتيح القانون الإماراتي تجديد التأشيرة السياحية لمرتين فقط بواقع شهر واحد عن كل مرة، بينما يحظر العمل بناءً على عليها، ويُلزم صاحب العمل الحصول على تصريح عمل للزائر.

لا يزال "سليمان" ينتظر بقية المدة المتاحة له وفق تاريخ التأشيرة المحدد، ويقول إنه يفكّر بالعودة إلى سوريا، ثم يتراجع قائلاً: "شعبة التجنيد ستكون بانتظاري، ولا أعرف من أين سأسدّد الديون التي تراكمت عليّ جراء هذه التجربة الفاشلة"، وفق تعبيره.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".