لم تعُد الحياة بالنسبة لسمير عيّاد (27 عاماً) بعد تاريخ 6 فبراير 2023 تشبه ما قبلها، حيث شهد هذا اليوم فراق والده وأخيه الصغير تحت أنقاض منزلهم، جرّاء زلزال "كهرمان مرعش" الذي ضرب جنوب شرقي تركيا وشمال غرب سوريا.
كان يعيش مع والده ووالدته وأخويه (14، 17 ) عاماً، في مدينة أنطاكيا بولاية هاتاي، التي سجلت الخسائر الأكبر بشرياً ومادياً.
يتذكّر بحسرة كبيرة ليلة الكارثة عندما كان في عمله بمرآب سيارات حيث يعمل بصفة حارس ليلي. حين وقع الزلزال، انهار المبنى الذي تسكن العائلة طابقه الأرضي.
العائلة التي لجأت منذ سنوات من مدينة حلب، فقدت الأب والابن الأصغر، ونجت الأم والأخ الثاني لسمير، بعد أن مكثا يومين تحت الأنقاض، وأصيبا بكسور شديدة، بقيا على إثرها في المستشفى حوالي شهرين.
حالياً، يقيم سمير ووالدته وأخوه في مدينة الريحانية التابعة للولاية ذاتها.
يقول لـ"ارفع صوتك": "لم تعد أنطاكيا تعني لي سوى بقعة فقدت فيها نصف عائلتي ودُفنت فيها ذكريات 5 سنوات، ولم يبق منها سوى الخوف والهلع في ذاكرتي".
وصلت إحصاءات ضحايا الزلزال في الولايات التركية المنكوبة إلى نحو 53 ألف شخص، بينهم بحسب الإحصاءات الحكومية نحو 6 آلاف أجنبي، الغالبية العظمى منهم لاجئون سوريون فرّوا من الموت في بلادهم ليكونوا على موعد قاسٍ معه في أرض المنفى القسريّ.
خسروا مساكنهم وأعمالهم
رقم الضحايا المعلن بالنسبة للعديد من السوريين في تركيا، إحصائية غير مكتملة، فعشرات الآلاف من الناجين فقدوا مساكنهم وأعمالهم وتغيّرت حياتهم كلياً، وما زالوا يواجهون الكثير من الصعوبات حتى اليوم، رغم مرور عام على الكارثة.
تروي الثلاثينية صبا إسكاف، لـ"ارفع صوتك" كيف أن الأقدار كتبت لها ولعائلتها الصغيرة (زوجها وطفل عمره 5 أعوام) النجاة من الموت رغم إقامتهم في مدينة كهرمان مرعش التي كانت مركز الزلزال.
"لكن الظروف التي عشناها منذ سنة دفعت زوجي إلى التمني لو كان تحت الأنقاض، كي لا يعيش تبعات الزلزال المأساوية التي لا نعرف متى تنتهي"، تضيف صبا.
وتشرح: "كان لدينا متجر بقالة صغير قريب على منزلنا، إلا أن الدمار أحاله مع محتوياته أثراً بعد عين، ورغم أن البناء الذي نقطنه لم يُدمّر كاملاً إلا أن السلطات أمرتنا بإخلائه لأنه لم يعُد صالحاً للسكن".
مكثوا قرابة شهر في مركز إيواء حكومي قرب ولاية غازي عنتاب، ثم انتقلوا إلى ولاية شانلي أورفا المجاورة.
احتاجت العائلة إلى الحصول على إذن سفر فرضته السلطات التركية على متضرري الزلزال السوريين الراغبين بالانتقال إلى غير الولاية المسجّلين فيها، مع إلزامية تجديد الإذن كل ستة أشهر.
مكث الزوج هناك بلا عمل طيلة شهور، مع قلّة فرص العمل في تلك الولاية. "اضطررنا لاستدانة مبالغ كبيرة من الأقارب والأصدقاء على أمل تسديدها حين تصبح الظروف مواتية"، تضيف صبا.
قُدّر عدد السوريين الذين تضرّروا بشكل مباشر من تبعات الزلزال في تركيا بأكثر من مليون شخص في 9 ولايات جنوبية، أبرزها: هاتاي وغازي عنتاب وكهرمان مرعش وشانلي أورفا وملاطيا وأضنة. وتراوح الضرر بين فقدان الأرواح أو الإصابات المختلفة والبقاء دون سكن أو عمل.
الهروب إلى بلد الحرب
الكثير من السوريين عجزوا عن مواجهة هذه الظروف، فقرروا مغادرة تركيا نحو مناطق الشمال السوري، حيث يُفترض أن تكون ظروف الحياة أقلّ وطأة من واقعهم الجديد، وهذا ما حدث مع عائلة رضوان سيد علي، الذي اضطر العودة إلى مسقط رأسه في ريف إدلب هرباً من جحيم الظروف.
يقول سيد علي (43 عاماً) لموقع "ارفع صوتك": "حاولت مع عائلتي في الشهور الثلاثة الأولى من الزلزال التكيّف مع الظروف ومقاومة التحدّيات بعد انعدام وسائل الحياة في أنطاكيا، ما دفعني وزوجتي وطفلي إلى الانتقال لولاية إسطنبول بسبب وجود عدد من أقاربي هناك، غير أن الأمر لم يطُل كثيراً".
يتابع: "لا يمكن للأقرباء أن يتحملوا وجود عائلة كاملة أكثر من يومين أو ثلاثة أيام في أقصى الحالات، لذا اضطررنا للتنقل بين عدة بيوت لمدة شهر، واستأجرنا منزلاً هناك للاستقرار ريثما تتضح الأمور، لكن كل مدخراتنا نفدت قبل أن أحصل على فرصة عمل تؤمن لنا مصدراً للدخل، وقبل الزلزال كنت أعمل مدرسّاً في مدرسة تابعة لمؤسسة الوقف التركي".
واليوم، يعيش رضوان وعائلته في بلدة سرمين شمال محافظة إدلب، بظروف أحسن نسبياً، فهو لا يعمل بشكل ثابت، ورغم ذلك، يقول "مهما كانت قسوة الحياة هنا، فإن الزلزال كتب بشكل أو بآخر نهاية وجودنا في تركيا".
وبابتسامة يخالطها الأسى، ينهي رضوان حديثه: "المفارقة أننا هربنا من الموت في إدلب، لنعود اليوم إليها هرباً من الظروف القاسية".