على الرغم من النداءات الدولية المستمرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بما في ذلك من حلفائه، بعدم شن عملية عسكرية برية في رفح، إلا أنه يبدو مصمماً على المُضيً في اجتياح رفح، باعتبارها معقلا رئيسيا لحركة حماس، كما تقول إسرائيل.
ويتجمّع في رفح حالياً قرابة 1.4 مليون فردٍ من سكان القطاع فرّوا إليها هرباً من الاجتياح وقصف مناطقهم من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، الذي طال شمال ووسط قطاع غزة وخلّف أكثر من 30 ألف قتيل بين الفلسطينيين، بحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة التابعة لحماس.
نيّة إسرائيل المعلنة بالاجتياح البريّ لرفح، خلقت حالة من الرعب بين صفوف النازحين، الذين ظنّوا لفترة قصيرة أنهم "نجوا" من الحرب المستمرة منذ أربعة أشهر.
في هذا التقرير، مقابلات مع نازحين فلسطينيين يقيمون في رفح الآن، يشاركون "ارفع صوتك" مخاوفهم وظروف حياتهم اليومية التي تفتقر لخيارات النجاة من الموت شبه المحتّم، كما يقولون.
خالد أحمد: سنعود للموت في مناطقنا
"هناك حالة كبيرة من الخوف يعيشها النازحون"، بهذه العبارة بدأ الكاتب الفلسطيني خالد أحمد القاطن في مخيم الشابورة بمدينة رفح حديثه مع "ارفع صوتك".
يتابع أحمد الحاصل على رسالة دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة السويس المصرية، أن السكان الفارّين يعيشون حالة من "الرعب والارتباك" بسبب محاولتهم توفير مكانٍ أكثر أماناً يلجأون إليه حال وقوع الغزو المرتقب.
يقول: "الجميع يتساءلون عن العملية الإسرائيلية، متى ستقع؟ وكيف ستُنفذ؟" لذلك هناك إقبال على تخزين المواد الغذائية المتوفرة، الأمر الذي رفع أسعارها بشكلٍ خيالي".
ويشير أحمد إلى أن بعض النازحين تحدّثوا صراحة أنهم "لن ينتظروا حتى يخرجوا من بيوتهم عراة"، في إشارة للقطات التي أذاعها الجيش الإسرائيلي عقب اعتقاله مجموعات من الرجال في مناطق متعددة داخل القطاع، أجبرهم على خلع ملابسهم.
لذلك، يضيف أحمد، قرر البعض "العودة مُجدداً إلى المناطق التي فرّ منها مثل خان يونس والمواصي والبريج والمغازي".
هذه المناطق أكثر خطورة من رفح، في الوقت الحالي، إذ تشهد اشتباكات مسلحة بين الجنود الإسرائيليين ومقاتلين فلسطينيين من عدة فصائل، أبرزها "كتائب القسام" التابعة لحركة حماس.
رغم هذه الخطورة الحتمية، يقرّ بعض النازحين أنهم يفضّلون الموت في منطاقهم، طالما أنه سيحدث على أية حال!
في الوقت نفسه، لا يزال هناك من يأمل بأن تفضي مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية في القاهرة حالياً، إلى منع اجتياح رفح، وفق ما يقول أحمد.
زكريا بكر: "نكبة جديدة"
قبل أن ينزح إلى مدينة رفح، كان الفلسطيني زكريا بكر يعمل صياداً في مخيم الشاطئ. يصف لـ"ارفع صوتك" الأوضاع التي يمر بها أهالي القطاع اليوم بأنها "نكبة جديدة" في تشبيه لما حصل للفلسطينيين خلال حرب 1948.
"البحر من أمامنا والموت يلاحقنا من كل الاتجاهات فأين نذهب؟ تعبنا ولم يعد هناك سوى الخوف والقلق والترقب"، يقول بكر.
ويضيف أن "مقدمات العملية العسكرية في رفح بدأت بالفعل، متمثلةً في القصف العنيف جداً الذي طال أغلب مناطق رفح وأوقع مئات الضحايا" وفق تعبيره.
يتابع بكر: "الكل يشعر بأن صاروخاً سيستهدفه وأنه سيموت في إحدى عمليات القصف، لا نعرف متى، لكن الطائرات الإسرائيلية ستقتلنا جميعاً، لو لم يكن بصاروخ فسيكون برصاص رشاشاتها الثقيلة التي تخترق حتى جدران البيوت الإسمنتية".
وكان بكر نزح مع عائلته بناء على تعليمات القوات الإسرائيلية لسكان شمال قطاع غزة، على اعتبار أن رفح "أكثر أماناً".
لكن، يؤكد بكر "لم يعد هناك منطقة آمنة نذهب إليها".
هذا اليأس دفع عدداً من المواطنين الفلسطينيين إلى الفرار صوب الحدود المصرية ونصب خيامهم قرب الأسلاك الشائكة "أملاً أن يحافظوا على حياتهم في هذا المكان"، يقول بكر، مردفاً "لا أستبعد أن يقتحم النازحون الحدود حال اشتداد الضغط عليهم".
وفي 2008، حطّم آلاف الفلسطينيين الجدار الحدودي مع مصر ونزحوا إلى سيناء هرباً من الحصار الشديد الذي فرضته إسرائيل على القطاع في أعقاب انفراد حماس بحُكم القطاع.
حينها، سمحت السُلطات المصرية للفلسطينيين الفارين بالبقاء لبعض الوقت لحين شراء بعض السلع الغذائية، ثم أعادتهم من حيث أتوا وأعادت بناء الجدار الحدودي بشكلٍ أكثر تماسكاً، ولم تتكرر تلك الواقعة من يومها رغم وقوع 6 عمليات عسكرية إسرائيلية ضد القطاع خلال فترة ما قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.
ونشرت مصر تعزيزات عسكرية ضخمة شمال شرقي سيناء خلال الفترة الماضية تمثلت في عشرات الدبابات وناقلات الجنود.
رغم كل ما يشعر به بكر، إلا أن الأمل ما زال حاضراً في أن تنجح مفاوضات القاهرة بثني إسرائيل عن اجتياح رفح، الذي لو تم، سيكون "بمثابة حُكم جماعي على النازحين بالموت" على حد قوله.