لاجئة فلسطينية تقف أمام شاحنة للأونروا للحصول على المساعدات الإنسانية، في مخيم برج البراجنة، في بيروت، 28 مايو 2007. (صورة تعبيرية)
لاجئة فلسطينية تقف أمام شاحنة للأونروا للحصول على المساعدات الإنسانية، في مخيم برج البراجنة، في بيروت، 28 مايو 2007. (صورة تعبيرية)

خلال الأيام الفائتة باتت قضية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الشغل الشاغل للكثير من للاجئين الفلسطينيين في لبنان، حتى أكثر من العملية العسكرية الإسرائيلية المرتقبة على رفح التي يخشى العالم من أن تؤدي إلى مجزرة في صفوف عشرات آلاف النازحين فيها.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية أعلنت وقف دعمها للمنظمة الأممية المسؤولة عن تقديم المساعدات لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات، وذلك بعد توجيه إسرائيل اتهامات لبعض العاملين فيها بالاشتراك في هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي.

هذا الإجراء لم تتخذه دول غربية أخرى، مثل النرويج التي أعلنت مواصلة تمويل الوكالة محذرةً من عواقب قطع التمويل لأنه يعني "معاقبة الملايين جماعياً"، والموقف نفسه اتخذته إسبانيا.

 

إحصائيات "مخيفة"

 

تشكّل "الأونروا" ركيزة أساسية في العناية بأكثر من 250 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان؛ يعتمد 38 ألفاً من أطفالهم على الوكالة الأممية في التعليم داخل مدارسها، وأكثر من 200 ألف في العلاج داخل المخيمات وخارجها، فضلاً عن تقديم مساعدات نقدية لقرابة 65% منهم، من بينهم 600 مريض بالسرطان يتلقون معونات للحصول على أدويتهم اليومية.

بحسب دراسة "تأثير قرار أميركا بقطع تمويل الأونروا على اللاجئين الفلسطينيين" لغازي العمري، فإن "الأونروا" تملك 27 مركزاً طبياً يقدّم الخدمات المجانية للاجئين الفلسطينيين داخل مخيمات لبنان وخارجها.

وتتولّى "الأونروا" مهام تنظيف وجمع القمامة من داخل المخيمات الفلسطينية الـ12 الكائنة في لبنان، فضلاً عن توظيف آلاف الفلسطينيين بين صفوفها. جميعهم مهددون بفقدان مصدر رزقهم.

بعد وقوع الحرب الأهلية في سوريا وهروب آلاف اللاجئين إلى لبنان مدّت "الأونروا" يد العون لهم. وحال توقف الدعم الدولي للمنظمة، ستتوقف كافة هذه الخدمات، خصوصاً أن لبنان يعاني أزمة اقتصادية متصاعدة منذ سنوات ولا يستطيع سدّ الفراغ المحتمل.

وأعلنت دوروثي كلاوس مديرة "الأونروا" في لبنان، أن الوكالة لا تملك "خطة بديلة" لحلِّ الأزمة الوشيكة.

أتت هذه القرارات لتزيد من الوضع المتداعي الذي عاشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان طيلة السنوات الفائتة. فقبل الحرب، بلغت نسبة الفقر قرابة 80%، ما دعا عشرات اللاجئين الفلسطينيين للتظاهر أمام مقر "الأونروا" احتجاجاً على تردّي أحوالهم المعيشية في منتصف 2022.

في بداية العام الماضي، أكد فيليف لازاريني المفوض العام لـ"الأونروا" أن معاناة اللاجئين الفلسطينيين "باتت لا توصف"، شارحاً حجم الضغوط الهائلة الملقاة على عاتق الوكالة بقوله "نعمل كوزيرٍ للتعليم والصحة والبلديات والخدمات الاجتماعية لهذه الفئة الضعيفة من الفلسطينيين".

وفي ختام حديثه، دعا لزيادة تمويل "الأونروا" بنحو 1.6 مليار دولار.

رغم الجهود الكبيرة التي تمارسها الأونروا لتخفيف هذه المعاناة فإنها تعاني من أزمة مالية عميقة ومزمنة تشكو منها منذ عام 1950 أي بعد عامين فقط من تأسيسها، بدعوى أن الموازنة المخصصة لها لا تكفي لتلبية الاحتياجات المطلوبة منها.

هذه الميزانية غير الكافية تعرضت للتقليص طيلة السنوات الفائتة، كما حدث في 2018 حين قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إجراء تخفيض كبير في حصة بلاده من تمويل الوكالة وتُقدر بثلث ميزانيتها، بعدما اعتبر ترامب أن "الأونروا" تلعب دورًا في تأجيج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ومنذ بداية هذا العام، اضطرت الوكالة لتقليصكبير في المساعدات النقدية التي تقدّمها إلى آلاف الأسر الفلسطينية بسبب الانخفاض المستمر في التمويل.

رغم هذه التخفيضات، تمكّنت "الأونروا" من الاستمرار في تقديم خدماتها الأساسية عبر تقليص برامجها الإنسانية والتخلي عن بعض بنودها، كما أسهمت في تخفيف المعاناة على النازحين في المخيمات.

 

 

التأثير المحتمل على لبنان

 

عادةً ما تؤدي أي اضطرابات في المخيمات الفلسطينية إلى تأثيرات جمّة على الدولة اللبنانية كلها، مثلما جرى حين اندلعت اشتباكات مخيم عين الحلوة في سبتمبر 2023، حيث تسببت في نزوح قرابة أربعة آلاف لاجئ إلى خارج المخيمات والعيش في المدن اللبنانية المتاخمة لها.

بحسب الباحث غازي العمري، فإن ارتفاع معدلات الفقر في المخيمات مثّل "تربة خصبة لنمو الجماعات المتطرفة التي سرعان ما شكّلت خطرا على الدولة اللبنانية، كما جرى في مخيم نهر البارد، الذي شهد نشأة منظمة (فتح الإسلام) المتشددة التي نفذت تفجيرات ضد المدنيين في طرابلس ثم دخلت في معارك عنيفة مع الجيش اللبناني تسبّبت في مقتل 166 عسكريا لبنانيا".

هذه الأحداث دفعت رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لاستثناء لبنان من قرار تعليق تمويل "الأونروا" بسبب "خصوصية الوضع في لبنان التي يجب أخذها بعين الاعتبار"، مؤكداً بشكلٍ واضح أن هذا القرار ستكون له "تأثيراته المباشرة على الواقع اللبناني".

يقول المحلل السياسي اللبناني وجدي العريضي، لـ"ارفع صوتك"، إن ما حصل يُعدّ "حدثاً فارقاً في تاريخ الأونروا التي لم يُعطّل تمويلها في ظِل الحروب التي شهدها لبنان حتى في ظل اجتياح لبنان عام 1982، وفي ظِل هذه الظروف القاسية لم تتوقف الوكالة الدولية عن عدم المخيمات".

وبموجب القيود المفروضة على حياة اللاجئين الفلسطينيين لا يحقُّ لهم امتهان عددٍ كبيرٍ من الوظائف خارج نطاق المخيم، الأمر الذي يجعل حياتهم مرهونة ببقاء المخيمات نشطة وفعّالة وإلا لتحول ساكنوها إلى قنبلة موقوتة قد تهدد الدولة اللبنانية التي تعاني بالفعل من مشاكل اقتصادية صعبة أجبرتها على إبقاء الموظفين الحكوميين في منازلهم بسبب عجزها عن دفع رواتبهم.

لذلك، يعتبر العريضي أنه في حال عدم التراجع عن إيقاف تمويل "الأونروا" سيكون ذلك بمثابة "كارثة كبرى على لبنان".

ويبين أن مساعي إيقاف "الأونروا" هي "جزء من حملة عقاب جماعية للفلسطينيين في أعقاب هجمات أكتوبر، ولبنان  سيتحمّل العبء الأكبر من تبعات هذا القرار لأنه مفلس اقتصادياً ومالياً وعاجز تماماً عن المساهمة بأي شكل في إعانة اللاجئين".

وقد يكون الأمل الأخير للنجاة من هذا المشهد هو أن يتكرر سيناريو 2018 حينما سارعت عدة دول إسلامية لزيادة تمويل الأونروا بعد قطع المساعدة الأميركية، فضاعفت تركيا مساهمتها 4 مرات كما تلقت الوكالة مزيداً من المساعدات من إندونيسيا وماليزيا والكويت والإمارات وهو مالم يتم الإعلان عنه حتى الآن.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".