"استفتاء على بقاء المهاجرين أو ترحليهم".. بهذه العبارة لخّص الصحفي التركي "يلماز أوزديل" المنافسة المحتدمة بين 36 حزباً في الانتخابات المحلية في تركيا، التي يختار فيها الناخبون رؤساء البلديات في 31 مارس الحالي.
وتحمل انتخابات الإدارة المحلية المنتظرة أهمية خاصة من عدة جوانب، فهي تأتي استكمالاً لمعركة الانتخابات الرئاسية التركية التي فاز فيها الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو من العام الماضي، حيث تقول أحزاب المعارضة الرئيسية- التي يتزعمها حزب الشعب الجمهوري- إنها ستُعيد انتزاع بلديتي أنقرة وإسطنبول من حزب العدالة والتنمية الحاكم، على غرار ما حدث في العام 2019.
وهذه أول انتخابات تجري برئاسة جديدة لحزب الشعب الجمهوري بعد رحيل زعيمه الخاسر في انتخابات مايو "كمال كليجدار أوغلو". أما بالنسبة للحزب الحاكم، فتحمل أهمية كبرى من جهة أنها آخر انتخابات تجري في عهد أردوغان الذي لا يتيح له الدستور ولاية رئاسية جديدة، بينما يطمح أن يكون مرشّحاه في أنقرة وإسطنبول خليفتيه المتوقّعين بعد نهاية فترته الدستورية.
خيبة أمل.. وترقّب
اللاجئون السوريون في تركيا ينظرون إلى الانتخابات من زواية مختلفة عن نظرة الأتراك، خاصة وأن وجودهم عاد إلى واجهة المناكفات بين الأحزاب المتنافسة، وبرز من جديد كورقة انتخابية تأتي على رأس جدول أعمال أحزاب المعارضة، ولا سيما تلك التي تحمل فكراً قومياً متطرفاً مثل "حزب النصر" بزعامة "أوميت أوزداغ".
وحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قطع الطريق على أحزاب المعارضة حين قال في فبراير المنصرم إنهم "يحاولون عبثاً" إثارة ملف اللاجئين، وتابع في تصريحات لصحفيين رافقوه في رحلة عودته من زيارته للقاهرة: "المعارضة تثير قضية اللاجئين، لن ينتج ذلك خبزاً لأي أحد من هؤلاء، سيكون يوم 31 مارس بالتأكيد هو اليوم الذي نرى فيه بعض الأشخاص يختفون تماماً من المشهد السياسي".
لكن اللاجئين لم يستقبلوا تصريحات أردوغان بكثير من التفاؤل في ظل حملات ترحيل يقول السوريون إنها "مُمنهجة" تماشيا وعوده بإعادة مليون لاجئ للشمال السوري، بينما تنفي السلطات التركية ذلك وتقول إنها تقوم فقط بترحيل "المخالفين" و"اللاجئين غير الشرعيين"، سواء أكانوا سوريين أم لا.
وبعيداً عن الخلاف في تفسير عمليات ترحيل السوريين التي ارتفعت وتيرتها بشكل ملحوظ خلال الشهرين الماضيين، يبقى لأحزاب المعارضة التركية التقليدية، -وعلى رأسها "الشعب الجمهوري" و"الجيد"- رأي آخر، مفاده أن اللاجئين لا مستقبل لهم في البلاد، مع تكرار وعود ما قبل انتخابات الرئاسة بطردهم في حال الوصول للسلطة.
ولا يملك رئيس البلدية وفق القانون التركي سلطة سياسية أو عسكرية تتيح له ترحيل اللاجئين، غير أن أهمية المنصب تكمن في قدرته على سنّ قوانين تضيّق نطاق وصول المساعدات للاجئين أو منحهم رخصاً تجارية، إضافة إلى التأثير الإعلامي الضخم الذي يمكن أن يحظى به خصوصاً رئيسا بلديتي العاصمتين السياسية والاقتصادية، أنقرة وإسطنبول.
هي عودة إلى الخوف والترقّب وانتظار النتيجة، وفقاً للاجئ السوري المقيم في إسطنبول، عمران علوش. يقول: "السوريين باتوا يخافون من مجرد كلمة "انتخابات" لأنها تثير في نفوسهم مشاعر الهلع وعدم الاستقرار".
يتابع علوش (38 عاماً) في حديثه لـ "ارفع صوتك"،: إن "السوريين استبشروا خيراً بفوز الرئيس أردوغان في مايو الماضي، لأن ذلك قطع الطريق أمام المعارضة التي توعّدت بطرد السوريين جميعاً بعد عام أو عامين من الوصول للسلطة" لكن هذا الاستبشار لم يدم طويلاً" يضيف علوش في إشارة إلى الحملة الأمنية المكثفة التي استهدفت اللاجئين في الصيف الفائت، والتي أدت إلى فرار عشرات الآلاف منهم نحو أوروبا خلال شهري يوليو وأغسطس فقط.
ذات الموقف تعبر عنه اللاجئة السورية، عفراء الزينو، التي سئمت استخدام اللاجئين السوريين كورقة انتخابية في كل مشهد سياسي في تركيا، وتقول: "كأن حل ملف اللاجئين سيحل كل مشاكل البلاد".
وتؤكد عفراء لموقع "ارفع صوتك" أنها تترقب وعائلتها ما ستفضي إليه انتخابات البلديات القادمة، وتضيف: "في حال خفّت وتيرة التضييق على السوريين فيمكننا البقاء فترة أخرى، أما إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه فلا بدّ أن نسلك الطريق الذي سلكه من قبلنا"، في إشارة إلى عزم عائلتها الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
ورقة مُستهلَكة
وتتباين وجهات نظر السوريين في تركيا بين فريقين، الأول يعتقد أن فوز حزب العدالة والتنمية بانتخابات البلدية، ولا سيما في إسطنبول وأنقرة، سيجعل الحكومة تخفّف الضغط الحاصل على اللاجئين من حيث ملفات الإقامة والسكن والتنقل والترحيل.
في المقابل، يذهب آخرون إلى منحى أكثر تشاؤماً ويقولون إن التضييق الحاصل لا يتعلق بالانتخابات، إنما هو "جزء من توجّه جديد تتبعه الحكومة التركية تماشياً مع التوازنات الشعبية والسياسية وليست بالضرورة مرتبطاً بالعملية الانتخابية"، وفقاً للصحفي عبد الرحمن أمين أوغلو.
ويقول أوغلو لموقع "ارفع صوتك" إن التوجّه العام في سياسة البلاد بات يمثّله نهجٌ أقلّ ترحيباً بالأجانب بشكل عام وليس السوريين حصراً، ويستدرك: "ربما نرى انخفاضاً في الإجراءات ضد السوريين بعد الانتخابات، لكن السبب ليس انتهاء الفترة الانتخابية بحد ذاته وإنما بسبب وصول الحكومة لدرجة معينة من التنظيم السكاني الذي تطمح إليه".