إذا كنت سوريا فمعنى أن ينتهي عقد إيجار منزلك في تركيا أنك أمام معضلة فعلية، فإما أن ترضى بدفع زيادة بين 100% و150% أو أن تغير منزلك أو مكان إقامتك إلى بلد آخر.
ويجد السوريون في تركيا أنفسهم عالقين بين أزمة رفع الإيجارات بشكل مبالغ به وبين صعوبة الانتقال وإيجاد منزل جديد، بسبب القوانين الحكومية التي تنص على تحديد نسب الأجانب في أحياء ومناطق معينة، بالإضافة لصعوبة تغيير المنطقة ونقل النفوس إليها، ورفض العديد من الأتراك تأجيرهم.
ويعتبر العديد من السوريين أن هناك استغلالا واضحاً لوضع الأجانب، إذ يعمد المؤجرون لرفع قيمة الإيجار بنسب تصل أحيانا إلى 200%.
ما الحل؟
"الحل أن ترضى برفع الإيجار مهما ارتفع فلا فائدة من الاعتراض"، يقول ياسين جمول (50 عاماً) والمقيم في إسطنبول، إنه "اضطر مكرهاً للموافقة على رفع إيجار منزله كونه بحث كثيرا عن منزل ولم يؤجره أحد".
ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن أصحاب المنازل "يستغلون السوريين بشكل كبير، خاصة بعد قرارات إدارة الهجرة العام الماضي حظر السكن على الأجانب في كثير من الأحياء السكنية في تركيا".
ويبين ياسين أن صاحب المنزل أبلغه قبل شهر واحد من انتهاء عقده أنه قرر رفع الإيجار من 10 آلاف ليرة تركية إلى 24 ألف ليرة (نحو 750 دولاراً)، وحين حاول الاعتراض أو التفاوض كان الرد من صاحب العقار "إن لم يعجبك الأمر غادر وابحث عن منزل آخر".
وكان قد وقّع قبيل استئجار المنزل على ورقة تعهد بالإخلاء تقضي بأن "المستأجر موافق على إخلاء الشقة لهذا لم يكن أمامه أي خيار سوى الموافقة والبقاء".
"لا نؤجر أجانب"
قصة ياسين تشبه قصة أحمد رضوان (28 عاما)، الذي بحث العام الماضي ولخمسة أشهر عن منزل ولم يرضَ أي شخص بتأجيره كونه سورياً، وحين وجد شقة في حي مفتوح للأجانب ورغم ارتفاع إيجارها قبل بتوقيع ورقة الإخلاء فورا، والآن يطالبه المالك بزيادة بقيمة 150%.
بدأ أحمد البحث عن شقة وتواصل مع أكثر من ثلاثين إعلانا لشقق للإيجار، ولكن لم يقبل أحد بتأجيره، ويقولون له صراحة "لا نؤجر أجانب بناء على طلب صاحب المنزل" بحسب تأكيده.
محمد عوامة (33 عاما) المقيم في غازي عنتاب منذ أكثر من عشر سنوات، يصف وضعه بالسيء، خاصة مع قيام صاحب الشقة التي يقطن بها برفع الإيجار سنويا، يقول لـ"ارفع صوتك": "العام الماضي قام برفع الإيجار بنسبة 100% ويطالب هذا العام بزيادة تصل إلى 150% حيث رفع الإيجار من9000 ليرة إلى 24 ألفا أي ما قيمته 750 دولار، ولا قدرة لدي على الدفع".
ويبين أن صاحب المنزل قام بالضغط عليه لتوقيع ورقة إخلاء وسندات لسنة كاملة عند تأجيره، وعليه أن يدفع قيمة السندات أو إخلاء المنزل في حال رفضه للزيادة، وعلى الرغم من أنه يحمل الجنسية التركية إلا أنه يخاف دخول المحاكم ورفع دعوى على المالك، وهو يبحث الآن عن منزل آخر.
ضوابط قانونية "لا تحمي"
رغم وجود ضوابط قانونية إلا أنها لا تحمي المستأجرين، وهو ما يؤكده محمد الرفاعي المقيم في تركيا منذ خمسة أعوام، مضيفاً "يرفض المالك تصديق العقد لدى كاتب العدل كي لا يخضع للقانون الذي يحدد رفع الإيجار بـ 20% أو 25% مع كل نهاية عقد.
ويوضح الرفاعي لـ"ارفع صوتك": "إذا خرجت من المنزل ووجدت منزلا آخر يجب دفع التأمين والكومسيون والأجرة لشهر أو ستة أشهر أو سنة، كذلك لا أستطيع تثبيت العنوان في نفس الحي، وإذا لم يثبت العنوان لن أستطيع تجديد الإقامة وحينها سأدفع مخالفة أو يتم ترحيلي، لهذا أفكر بالخروج من تركيا والبحث عن وطن بديل".
من جهته، تمنى محمد عوامة أن يتم ضبط الموضوع من قبل الحكومة "لا نريد دخول المحاكم ورفع دعاوى ضد صاحب البيت، لأن هناك العديد من الحالات التي قام المالك بالتهجم على المستأجرين وخلع قفل البيت وضرب المستأجر، ووصل الأمر في حالات أخرى إلى الاعتداء على المستأجر أو حتى الاعتداء من قبل المستأجر على صاحب العقار بسبب التوتر الكبير الذي يحدث".
بالنسبة للستيني داود الغزي المقيم في غازي عنتاب، يقول إن صاحب العقار طلب نهاية العام الماضي رفع الإيجار بنسبة مئة بالمئة، فوافق ووقع العقد الجديد وجرى تصديقه، ثم تم بيع الشقة لمالك جديد، الذي اعتبر بدوره أن الإيجار غير مناسب ويريد رفعه 150%، على الرقم المتفق عليه سابقا، أي ما نسبته 250% عن إيجار العام الماضي.
اعترض داود لكنه لم يلق تجاوبا حتى الآن، ولم يبلغه المالك الجديد بعنوانه أو برقم التحويل البنكي، كي يحول له المبلغ المتفق عليه سابقا، وهو يعيش حاليا في قلق وحيرة شديدة لصعوبة الانتقال وصعوبة دفع المبلغ المطلوب.
يقول إن القوانين "يمكن أن تنصف المستأجر إذا رفع شكوى، فالقانون التركي حدد أن على صاحب المنزل إبلاغ المستأجر قبل انتهاء العقد بشكل رسمي برغبته برفع الإيجار بنسبة تتراوح بين 25% أو 30%".
وكان تصديق داود لعقده عند كاتب العدل هو الوثيقة التي تحميه ولم تجعل صاحب المنزل الجديد يجبره على رفع الأجرة بشكل مباشر، إنما عرض عليه أنه يريد رفع أجرة المنزل كونه اشتراه حديثاً.
ويمكن للسوري الاعتراض على أي زيادة غير قانونية، ويقوم برفع دعوى عن طريق المحاكم بشرط أن يكون ملتزما بالسداد، ومصدقا لعقد الإيجار عند كاتب العدل، ويمكن للمحكمة أن تقف بجانب المستأجر، وتحدد الزيادة المنصفة، ولكن يستطيع المؤجر إخراجه بحجج مختلفة، كأن يقول أن لا بيت آخر له، أو أنه يريد أن تزويج ابنه مثلا، وهو ما حدث مع أعداد كبيرة من المستأجرين.
يتابع داود: "إذا تركتُ المنزل وأردت البحث عن منزل آخر وتغيير المنطقة ووجدت منزلاً بإيجار أفضل، لا يمكنني نقل النفوس للعنوان الجديد، لهذا سنبقى محكومين ورهن قرارات أصحاب الملك، وسنرضخ لطلباتهم في النهاية، وهي مشكلة كبيرة يقع فيها أغلب المستأجرين".
المحامية والقانونية السورية سميرة العلي المقيمة في تركيا، تبين لـ"ارفع صوتك" أنه "لا يحق لصاحب العقار رفع نسبة الإيجار أكثر من النسبة التي تحددها الدولة كل عام تقريباً، وهي تعادل 25% هذا العام، ويحق للمستأجر الذهاب للمحكمة التي ستقف بجانبه في حال حدوث ذلك".
وتحمّل المسؤولية "بعض المستأجرين الذين يقبلون بتوقيع سندات وعدم تصديق عقد الإيجار عند كاتب العدل" في حالات كثيرة، مستدركةً أنهم "مجبرون على ذلك في أحياناً إذ لا بديل لديهم غير القبول بالموجود".