صورة أرشيفية من عمليات ترحيل السلطات اللبنانية، لاجئين سوريين، عام 2022
صورة أرشيفية من عمليات ترحيل السلطات اللبنانية، لاجئين سوريين، عام 2022- تعبيرية

تشهد بعض المناطق اللبنانية حاليا ارتفاعاً في مشاعر العداء تجاه اللاجئين السوريين، وتتعالى الأصوات المطالبة بترحيلهم وإعادتهم إلى بلادهم، أو بتنظيم أوضاعهم في لبنان، على إثر جرائم قتل ارتُكبت مؤخرا واتهم عدد من السوريين بالضلوع فيها.

وبعد جريمة الأشرفية التي نتج عنها مقتل المواطن اللبناني نزيه الترك على يد "عصابة سورية" اقتحمت منزله للسرقة بمساعدة عاملة منزلية، وما تلاها من مقتل باسكال سليمان المسؤول في القوات اللبنانية منذ أسبوع، وتوقيف معظم أعضاء العصابة  المشاركين في عملية خطفه وقتله ونقل جثته إلى سوريا، انتفضت العديد من المناطق المسيحية ضد "الوجود السوري"، وسط دعوات ومجتمعية لترحيل اللاجئيين السوريين.

وتم توزيع منشورات تدعو السوريين المقيمين في هذه المناطق إلى مغادرتها. وانتشرت مقاطع فيديو تظهر اعتداءات على سوريين من قبل مواطنين لبنانيين غاضبين.

على الصعيد الرسمي، قال وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، إن "معالجة موضوع النزوح السوري لا يكون بالعنصرية، ولا بالانتقام، ولا بالتشفِّي، بل بإعادة السوريين إلى بلادهم. فهذا الموضوع هو لمصلحة السوريين، لأنَّ سوريا بحاجة إلى أبنائها لبنائها، وكذلك هو لمصلحة لبنان العليا".

من جهته، قال وزير الإعلام زياد المكاري إن "بعض المناطق في سوريا تُعتبر آمنة، والحل يكون إما بعودتهم إلى سوريا أو أن يذهبوا إلى بلد ثان".

وبدوره، دعا رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل إلى "ترحيل كل سوري يدخل الحدود من المعابر غير الشرعية أو دخل من معابر شرعية ومعه بطاقة نزوح، و ترحيل كل عامل سوري مخالف لقانون العمل بقرار من وزير العمل، ونزع صفة نازح ووقف مساعدة كل سوري غير مطابق لشروط النزوح، وطرد البلديات من نطاقها لكل سوري مخالف للقوانين، بالإضافة إلى ترحيل النازحين السوريين من السجون اللبنانية".

وطالبت النائبة عن حزب "القوات اللبنانية"، ستريدا جعجع، بـ"تنفيذ تعاميم الداخلية حول الوجود السوري غير الشرعي حفاظاً على حقوق المواطن اللبناني في أن يعيش بأمن وأمان، ودرءاً للمشاكل والتوتّر بين اللبنانيين واللاجئين السوريين".

وأضافت: "يمكننا أن نتمكن في القريب العاجل من أن نخفف من عدد النازحين السوريين، بعودة مليون ونصف مليون نازح غير شرعي من أصل مليونين، كي يعودوا إلى المناطق الآمنة في بلدهم، إذ من المعلوم أن عدد الشرعيين منهم لا يتجاوز نصف مليون". 

 

لم أخرج من بيتي

يقول اللاجئ السوري في لبنان أحمد المحمد لـ"ارفع صوتك" إن عمليات انتقامية عدة حصلت على خلفية جريمة القتل الأخيرة، تحرّى بسببها ألّا يغادر مكان إقامته في منطقة أنطلياس في العاصمة بيروت منذ أسبوع.

ويوضح: "تم ضرب العديد من السوريين وتكسير دراجاتهم والاعتداء على ممتلكاتهم وتكسيرها، لهذا لم أخرج من البيت انتظارا كي تهدأ النفوس، فلا أريد أن أتعرض لعمل انتقامي لجريمة لا دخل لي بها. وهذا حال كثير من السوريين في المناطق المسيحية، أصبحنا مكروهين والعقوبة جماعية".

في المقابل، يبيّن السوري رياض شعبان، الذي يقيم في منطقة عرمون قضاء عاليه التي تبعد عن بيروت ب 15 كلم، أن "منطقته لم تشهد أي اعتداءات على السوريين، وكذلك الأمر في المناطق اللبنانية التي يسكنها السنة والدروز، أما المناطق المسيحية كأنطلياس وجبيل والدورة وبرج حمود وسد البوشرية والجديدة وبشري وجونية وذوق مصبح وذوق مكايل وطبرجا وسواها، فتم تسجيل العديد من الاعتداءات على السوريين".

في هذه المناطق، يقول رياض أن "البلديات تقوم بالتحريض على السوريين"، على حد تعبيره.

ويتابع: "اليوم علمنا أن جريمة قتل جديدة حصلت في منطقة عاليه، وبحسب الخبر، الجناة هم عصابة من الجنسية السورية، لذا نحن متخوفون أن يكون هذا الأمر مدبرا لتأليب الدروز على السوريين، لأننا نعيش دون أن يعتدي علينا أحد".

وحصلت الجريمة التي ذكرها رياض في منطقة  العزونية التابعة لقضاء عاليه، ضحيتها المواطن اللبناني الستيني ياسر الكوكاش، وهو أستاذ ثانوي متقاعد. وأفادت التحقيقات الأمنية أن الجناة هم ثلاثة عمال سوريين ارتكبوا جريمتهم بهدف السرقة، ما أشعل موجة غضب لدى أهالي العزونية والقرى المجاورة، وتجمع الناس في ساحات البلدة، وسط مخاوف من أعمال انتقامية ضد السوريين، واتخذ الجيش اللبناني سلسلة إجراءات أمنية منعاً لتفاقم الوضع.

في السياق ذاته، نشر النائب عن منطقة عاليه راجي السعد على صفحته على فيسبوك منشورا قال فيه: "التفلّت الأمني يزداد يوماً بعد يوم، والمطلوب تنظيم وضع السوريين بشكل شامل، لأن الموضوع بات يشكل خطرا على جميع اللبنانيين ولا يمكن الاستمرار بهذه الوضعية، وسنعمل كنواب ما بوسعنا للضغط لحل أزمة نزوح السوريين وانتشارهم".

العامل السوري المقيم في بلدة العزونية أحمد رابعة، يتحدث عن الواقعة لـ"ارفع صوتك". يقول: "صُدمنا كما صُدم سكان القرية من خبر مقتل ياسر فهو معروف بالطيبة ومحبوب، وعندما علمنا أن الجناة هم ثلاثة أشخاص من العمال السوريين، تملكنا الخوف  من أن يتم الاعتداء علينا كما حصل في مناطق لبنانية أخرى، لكن وسط غضب السكان، كانت هناك دعوات ووعي كبير من الأهالي، لمنع التصادم والاعتداء على السوريين ووأد الفتنة وهذا ما حصل".

"وحاليا تسود البلدة أجواء الهدوء، ولا توجد مداهمات لبيوت السوريين، أو اعتداء، ولم يتعرض لنا أحد، كما أن ما أشيع عن طردنا من منازلنا في قضاء عاليه هو أمر غير صحيح"، يؤكد أحمد.

ونفى مختار بلدة العزونية فوزي عماد ما تم الترويج له عن عمليات انتقامية بحق السوريين المقيمين في البلدة، محذراً من "ترويج معلومات غير دقيقة هدفها إثارة الفتنة". وقال إن الجهات الأمنية تحقق في الحادثة.

من جهته، يقول اللبناني جميل حرفوش (50 عاما)، إن المطلوب الآن وسط هذه الأحداث "الوعي، أولاً وأخيراً".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "الهدف من تأليب اللبنانيين ضد السوريين هو خلق فتنة وحالة لا استقرار في البلاد تصب في مصلحة الأحزاب الممانعة التي ستستغل الأمر للسيطرة على مفاصل الدولة، وأتمنى أن يتوقف أي اعتداء ضد السوريين، لأنه سيخلق حالة فوضى ويشغل اللبنانيين بعدوّ وهمي".

"الجرائم تحصل في كل مكان، وعلى الدولة والمجتمع الاكتفاء بالقبض على الجناة ومعاقبة الفاعلين والمحرضين وليس إيقاع العقوبات الجماعية"، يضيف جميل.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".