يعيش في مخيم الركبان قرابة 8 آلاف سوري.

تظاهرة في مخيم الركبان احتجاجاً على سوء الأوضاع، مناشدة لفك الحصار والسماح لقاطنيه بالانتقال إلى الشمال السوري، دعوات لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الأردن أو العراق، أطفال يموتون نتيجة نقص الطعام، وغياب كامل للرعاية الصحية.

هذا جانب من الأخبار التي تصدر بشكل متكرر عن المجلس المحلي في مخيم الركبان للاجئين السوريين، لترسم صورة تقريبية لـ"المأساة" التي يعيشها نحو 8 آلاف إنسان يعيشون في "أكثر بقاع الأرض قسوة"، كما تصف تقارير حقوقية دولية.

كيف بدأت قصّة تأسيس المخيم؟ وكيف تضخمت أعداد قاطنيه وتناقصت؟ وهل شكل خطراً إرهابيا على دول الجوار؟ وما هو واقع من يواصلون البقاء في المخيم؟

 

على طريق للجوء

بعد 15 مارس 2011، طبق الأردن سياسة الحدود المفتوحة في التعامل مع موجات اللاجئين السوريين التي بدأت تتدفق على الحدود الشمالية الغربية للمملكة من المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان، حيث أقامت القوات المسلحة الأردنية -الجيش العربي- عدة نقاط على الحدود لاستقبال اللاجئين ونقلهم إلى تجمعات سكنية داخل المملكة قبل البدء بإقامة مخيمات خاصة بالسوريين اعتباراً من عام 2012.

لكن عام 2013 شهد فرض قيود على دخول اللاجئين السوريين من المناطق الشمالية الغربية للحدود الأردنية، كما وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش، ما أجبر السوريين على السفر مئات الكيلومترات إلى الجزء الشمالي الشرقي من الحدود الأردنية -منطقة صحراوية قاحلة-  على أمل حصولهم على حق اللجوء في الأردن.

خلال أشهر قليلة تجمع عشرات آلاف السوريين في نقطتين حدوديتين على الساتر الترابي منزوع السلاح بين الأردن وسوريا، هما الركبان (الرقبان) و الحدالات، وراح عدد اللاجئين يتضخم نتيجة الفجوة الكبيرة بين الواصلين ومن يسمح لهم بالدخول إلى الأردن.

ويقع الركبان والحدلات ضمن ريف حمص الشرقي، الواقع ضمن ما يُعرف بمنطقة الـ "55"، عند مثلث الحدود بين الأردن والعراق وسوريا، وهي منطقة صحراوية قاحلة، تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة، وتمتاز بدرجات حرارة مرتفعة خلال الصيف، وبرد قارس خلال الشتاء.

وينحدر معظم الساكنين فيه من أرياف الرقة ودير الزور وحمص وحماة.

واصل الأردن التكتم على وجود نقطتي تجمع اللاجئين حتى نهاية 2014، حيث أعلن عن وجودهما رسمياً بعد أن نشرت منظمات أممية صوراً جوية تبين الأعداد الكبيرة للسوريين هناك.

 ومع الإعلان رسمياً عن وجود المخيمين بدأت السلطات الأردنية تنظيم جولات صحفية للوقوف على دخول اللاجئين. كذلك عززت المنظمات الدولية من وجودها على الحدود حيث أنشأت مراكز استقبال للاجئين وعيادة طبية، علاوة على دفع المساعدات بشكل الغذائية بشكل منتظم إلى داخل المخيمين عبر الحدود الأردنية.

ورغم تضارب أعداد السوريين في المخيمين بين السلطات الأردنية والمنظمات الإغاثية، إلا أن التقديرات تشير أن الأعداد بلغت في 2015 أكثر من 80 ألفاً، نحو 90% منهم في مخيم الركبان، و10% في مخيم الحدلات الذي أعلن عن تفكيكه عام 2017 بعد عودة جزء من قاطنيه إلى الداخل السوري وانتقال الجزء الأخر إلى مخيم الركبان، الذي لا يتجاوز عدد قاطنيه اليوم 8 آلاف شخص، حسب ما أبلغ رئيس المجلس المحلي في المخيم، محمد الدرباس موقع "ارفع صوتك".

ويصف الدرباس حياة المقيمين في الركبان بـ "حكم الموت"، مبيناً: "الناس محاصرون، لا يستطيعون الدخول إلى الأردن ولا يقدرون على الانتقال إلى الشمال السوري نتيجة حواجز النظام والمليشيا التابعة له (..) لا يوجد طعام أو مياه نظيفة، والأمراض تنتشر في المخيم، الموت سيكون مصير الجميع إذا لم يتدخل العالم لمساعدتنا".

ويؤكد أن مطالب المجلس تنحصر بالسماح لسكان المخيم بالانتقال إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، أو العودة إلى إدخال المساعدات عبر الحدود الأردنية.

 

الخلايا النائمة

منذ الكشف عن وجوده، جذب مخيم الركبان اهتمام المنظمات الدولية والحقوقية التي طالبت السلطات الأردنية مراراً بتسهيل عبور اللاجئين إلى أراضيها كما أصبح رمزاً لمعاناة السوريين الهاربين سواء من نظام بلادهم أو التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على مساحات واسعة من الأراضي السورية.

في المقابل، تعامل الأردن مع قاطني المخيم بحس أمني عالٍ وفرض إجراءات تدقيق معقدة قبل السماح بدخولهم، معلناً بشكل علني تخوفه من تسلل عناصر إرهابية بين صفوف اللاجئين، خاصة أن غالبية قاطني المخيم قدموا من مناطق وقعت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية لا سيما داعش.

عزز تلك المخاوف الحوادث الأمنية التي بدأ المخيم يشهدها منتصف عام 2015، عندما نفذت خلايا إرهابية عمليات تفجير ضد مراكز سيطرة تتبع لـ "جيش مغاوير الثورة" وهو فصيل مسلح كان يتحمل مسؤولية توفير الحماية للمخيم.

لكن الحدث الذي غير طبيعة تعاطي الأردن مع المخيم وقاطنيه هو التفجير الذي وقع في 21 يونيو 2016، عندما عبرت سيارة مفخخة منطقة الركبان مستهدفة نقطة للجيش الأردني كانت مخصصة لتوزيع المساعدات الإنسانية على اللاجئين، ما أسفر عن مقتل 6 جنود وإصابة 14 آخرين، وإغلاق الأردن حدوده أمام اللاجئين ودخول المساعدات الإنسانية، باستثناء عمليات توزيع متقطعة باستخدام الرافعات والطائرات من دون طيار.

تكررت عمليات الاستهداف داخل المخيم، فشهد في الربع الأخير من عام 2016 عمليات تفجير باستخدام السيارات المفخخة، راح ضحيتها عشرات السوريين، فيما بدأ الآلاف رحلة العودة إلى الداخل السوري بعد أن فقدوا الأمل بالدخول إلى الأردن الذي راح يتعامل مع المخيم على اعتباره بؤرة لانتشار خلايا إرهابية.

يقول رئيس المجلس المحلي في المخيم، محمد الدرباس: " غالبية السكان غادروا، بعضهم عادوا إلى قراهم، والبعض تمكن من الوصول إلى مناطق سيطرة المعارضة"، مؤكداً مقتل العديد من المغادرين على يد عناصر المليشيات التابعة للنظام السوري، التي تفرض حصاراً على المخيم منذ نهاية 2018.

ويشير الدرابس إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المخيم بعد إغلاق الأردن حدوده مع سوريا، وما ترتب عليها من وقف دخول اللاجئين، ومحدودية إدخال المساعدات، قائلاً "العالم نسي قضية اللاجئين في الركبان".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".