Palestinians flee Rafah after Israeli forces launched a ground and air operation in the eastern part of the city
فرّ 600 ألف فلسطيني من رفح بعد مرور عشرة أيام فقط من إطلاق الجيش الإسرائيلي لعملياته في المدينة- رويترز

فرّ 600 ألف فلسطيني من رفح بعد مرور عشرة أيام فقط من إطلاق الجيش الإسرائيلي لعملياته في المدينة، وفقا لتقديرات أممية، وذلك في أحدث حركة نزوح جماعي في حرب طبعتها جولات متكررة من عمليات التهجير القسري.

وعلى مدار الأيام الماضية، سار الآلاف سكان من غزة حاملين الأطفال والخيام وكل ما تبقى لديهم، على طول الطرق المتضررة من الحرب إلى مخيمات بائسة ومناطق مدمرة حيث لا يوجد سوى القليل من الطعام والماء أو المأوى.

ومن المتوقع أن يستمر عدّاد النزوح في الارتفاع مع فرار أكثر من 150 ألف شخص بين يومي الثلاثاء والخميس، تزامنا مع تحرك القوات الإسرائيلية نحو مناطق أعمق في رفح، التي اعتبرت حتى وقت قريب "منطقة آمنة"، واحتضنت حوالي نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. 

ومنذ 6 مايو، أصدرت إسرائيل أوامر بإخلاء شرق رفح، وطلبت من السكان التوجه شمالا إلى "مناطق إنسانية" محددة.

وفي اتصالات هاتفية على مدار الأسبوع الماضي، وصف سكان غزة لصحيفة "واشنطن بوست"، معاناتهم مع اتخاذ خيارات مؤلمة بشأن ما إذا كان عليهم المغادرة، وإلى أين يذهبون وكيف يعيشون. 

 

"مدينة أشباح"

شيرين أبو قمر، 36 عاما، تقول للصحيفة: "أصبحت غزة بالنسبة لي كمدينة أشباح لا تصلح للحياة البشرية".

وبينما وصفت القوات الإسرائيلية العملية بأنها "محدودة"، تقول الصحيفة إن تأثيرها على المدنيين "كان هائلا"، إذ وجد الكثير منهم في رفح استقرارا وأمانا هشا، خلال الأشهر الماضية.

وفرت أبو قمر مع عائلتها من مخيم بيت حانون للاجئين في شمال القطاع في الأيام الأولى من الحرب، بعد أن تعرض منزلهم للقصف.وفي سبعة أشهر تم تشريدهم ست مرات.

وقالت "لا تزال رحلة النزوح مستمرة".

وتحدثت الصحفية السابقة هذا الأسبوع من مخيم مؤقت تديره الأمم المتحدة في تل السلطان، خارج منطقة الإخلاء الإسرائيلية، حيث عاشت منذ فبراير في خيمة مصنوعة يدويا مع زوجها وأطفالها الثلاثة. 

وبحلول يوم الأربعاء، لم يبق سوى حوالي 30 شخصا في المخيم الذي كان يضم في السابق أكثر من 500، حيث سارعت العائلات لاستباق الهجوم الإسرائيلي.

وحاولت أبو قمر المغادرة أيضا. ومطلع الأسبوع الجاري، تمكنت مع زوجها من تأمين مقعد في رحلة مكلفة إلى خان يونس، إلا أنهم اتخذوا قرارا بالبقاء بعد أن نصحهم أقاربهم بتجنب المنطقة نظرا للأوضاع الصعبة هناك.

وقالت أبو قمر، وهي تقيّم المخاطر: "في خان يونس يوجد ازدحام سكاني شديد واكتظاظ لا يصدق. الماء غير متوفر، والنازحون يقطعون مسافات أطول لشراء الماء."

وفي رفح، كان لديها على الأقل مياه مجانية ومساحة لخيمتها. كان الطعام ينفد، لكن هذا كان هو الوضع في كل مكان.

وتابعت، الأربعاء: "منذ دخول الجيش إلى رفح وإغلاق المعبر، لم نتلق أي مساعدات [من الأمم المتحدة] ولا يوجد طعام"،  كانت شطيرة الجبن هي كل ما أكلته في ذلك اليوم.

 

الرحلة نحو المواصي 

من جهته، اضطر وسام، البالغ من العمر 40 عاما، إلى حمل أطفاله والفرار من رفح في الأسبوع الفائت. وفي حديثه لصحيفة "واشنطن بوست"، اشترط عدم ذكر سوى اسمه الأول خشية على أمنه وسلامته.

وعاش وسام في الجنينة، في وسط مدينة رفح. وعلى عكس معظم سكان غزة، استطاع التاجر البقاء في منزله طوال الحرب. ويقول: "كان لدي ألواح شمسية ومياه وإنترنت وأمان".

ولم يكن حي وسام جزءا من منطقة الإخلاء الأولية. عندما صدرت الأوامر الإسرائيلية في 6 مايو، وظن أنه لا يزال أمامه بعض الوقت. 

غير أنه في اليوم التالي، شنت القوات الإسرائيلية حملة قصف مكثفة في الجنينة، زاعمة استهدافها مسلحي حماس.

يقول وسام إن أطفاله الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و4 و6 سنوات، كانوا مرعوبين.

وفي 9 مايو، قرر أنه يجب عليهم أن يرحلوا، لينطلق مع عائلته نحو المواصي، حاملين كل ما يمكنهم - فراش وبطانيات وأطباق وأكواب وإبريق ماء والأطعمة المعلبة التي كانوا يدخرونها.

وقال "كانت الطرق مزدحمة والأطفال يصرخون".

ووصفت القوات الإسرائيلية المنطقة الساحلية في المواصي، وكذلك أجزاء من خان يونس المجاورة ووسط دير البلح، بأنها "منطقة إنسانية موسعة" حيث "سيتم تزويد المدنيين بالمياه والغذاء والإمدادات الطبية ومراكز الإيواء".

ولم يجد وسام أيا من ذلك عندما وصل إلى المنطقة. وبسبب عدم قدرته على تأمين خيمة - والتي هي باهظة الثمن ويصعب الحصول عليها - ابتكر مأوى مؤقتا من العصي والبطانيات. 

وقال "ليس لدي حمام، لا طعام، لا ماء، خدمة الإنترنت والهاتف ضعيفة.. لن يكون الموت أصعب".

 

تحذيرات

وحذرت الجماعات الصحية من أن ضيق المساحة وانعدام الصرف الصحي من المرجح أن يكونا مرتعا للأمراض المعدية، بينما يكشف وسام أن أقرب عيادة تبعد بعشرات الكيلومتبرات.

ولا يمكن العودة إلى رفح. ففي يوم السبت، وسعت قوات الدفاع الإسرائيلية منطقة الإخلاء لتشمل الجنينة. بعد ثلاثة أيام، دخلت الدبابات الإسرائيلية حيه.

وقالت وكالات الإغاثة لأشهر إن المواصي - وهي منطقة زراعية قبل الحرب - تفتقر إلى البنية التحتية لاستضافة أعداد كبيرة من الفلسطينيين النازحين. أدى الاندلاع المفاجئ للقتال واستيلاء إسرائيل على معبر رفح وإغلاقه إلى قطع وكالات الإغاثة عن مراكز التخزين، وتركها مع القليل من الطعام أو الوقود للتوزيع.

وقال مارتن غريفيث، رئيس المساعدات في الأمم المتحدة، يوم الخميس، إن عمليات الإغاثة الإنسانية في غزة "عالقة" و"لا يمكن التخطيط لها"، معتبرا أن المجاعة خطر "فوري".

وقال عامل إغاثة، تحدث للصحيفة طالبا عدم ذكر اسمه لمناقشة قضية حساسة: "لقد حاولنا لفترة نقل المساعدات من كرم أبو سالم، لكننا نحتاج إلى الظروف الأمنية والتنسيقات المناسبة من السلطات التي ستسمح لنا بالتسليم من الجانب الآخر من الحدود داخل غزة بأمان". 

وتابع أن "الطرق حول المعبر غير آمنة، غير صالحة للسفر، أو مزدحمة بالنازحين".

ولطالما عارضت الولايات المتحدة "هجوماً كبيرا" على رفح، مشددة على ضرورة أن تكون أي عملية هناك مصحوبة بخطة إسرائيلية موثوقة لإجلاء المدنيين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر في 6 مايو: "المشكلة الآن هي أن هناك أماكن محدودة للغاية بالنسبة لهم للذهاب داخل غزة ولا توجد طريقة فعالة لتوزيع المساعدات عليهم والتأكد من حصولهم على المأوى والصرف الصحي في الأماكن التي سيذهبون إليها". 

ومع إفراغ رفح وتوسع الكارثة الإنسانية في غزة، يصر المسؤولون الأميركيون على أن الحملة الإسرائيلية هناك لم تتجاوز بعد "الخط الأحمر" الذي وضعه بايدن.

وقالت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، الأربعاء: "ما نفهمه هو أن تلك العمليات م محدودة. هذا ما أُخبرنا به. سنواصل مراقبة الوضع".

 

"لا أشعر بشيء"

أما بالنسبة سكان غزة غير القادرين على الفرار من رفح سيراً على الأقدام لديهم خيارات نقل قليلة. ارتفعت أسعار الوقود بسبب نقصه. 

وبحسب شهادات الأهالي وسائقي المركبات الفلسطينيين، الذين يتم تبادل معلومات التواصل معهم عبر تطبيق "تلغرام"، فإن تكلفة الرحلة خارج المدينة قد تكلف ما يصل إلى 200 دولار، وفي كثير من الأحيان تتجاوز هذا المبلغ  بكثير".

ومن بين 14 رقما تم الاتصال بها، لم تتمكن واشنطن بوست من الوصول إلا إلى ثلاثة سائقين. قال اثنان إنهما لم يعودا قادرين على تقديم رحلات - سُرقت بطارية شاحنة أحدهما، والآخر لم يستطع تحمل تكاليف الوقود.

ودفع محمد خالد ووالداه وشقيقتاه وإخوته الأربعة 700 دولار مقابل رحلة من رفح إلى مخيم البريج للاجئين في وسط غزة، الاثنين.

وتمنى لو أنهم لم يضطروا للمغادرة. قال "كانت كل المساعدات في رفح. لا يوجد أمان في كل غزة، لكن رفح كانت أفضل بشكل نسبي".

الآن في نزوحهم التاسع، تتشارك عائلته منزلاً من غرفتين مع أخت أخرى وزوجها وطفليهما. قال إن المبنى تضرر في قصف الأسبوع الماضي، لكنه لا يزال صامداً.

وتابع: "لا أشعر بشيء. لقد اعتدنا على هذا".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".