حملت انتخابات البلديات الأخيرة في تركيا مفاجأة كبيرة حين لم تستخدم أحزاب المعارضة الرئيسية والكبرى خطاباً تحريضياً ضد اللاجئين في البلاد، على خلاف ما جرى في انتخابات الرئاسة التي أُجريت العام الماضي.
وخلال انتخابات 2023 رفع الزعيم السابق لحزب "الشعب الجمهوري" المُعارض كمال كليجدار أوغلو عبارة "سيرحل اللاجئون" كشعار أساسي في حملته الانتخابية ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، غير أن النتيجة لم تكن بصالحه، وهو أشرس معارضي أردوغان وأحد أكثر الداعين إلى تفريغ تركيا من اللاجئين.
في فبراير الماضي، قال أردوغان في تصريحات صحافية إن مَن يثير ملف اللاجئين السوريين بالانتخابات المحلية "لن يحصل خبزاً من ذلك"، في إشارة إلى أن هذه الورقة باتت محروقة في البرامج السياسية للمعارضة، التي يبدو أنها تلقّت الرسالة فعلاً، وحرصت على التركيز على الجانب الاقتصادي قبل خوض غمار انتخابات 31 مارس.
دبلوماسية أم سياسة جديدة؟
الفوز الكاسح لحزب "الشعب الجمهوري" في انتخابات البلدية، الذي يُعد الأكبر من 25 عاماً، ألقى بظلال الخوف والقلق على ملايين اللاجئين في تركيا، خصوصاً السوريون، إذ يحمل توقعات بزيادة التضييق عليهم، وهو ما حصل فعلاً في الأسابيع الأولى بعد الانتخابات.
وسط هذا القلق والجدل حول سياسة المعارضة التركية تجاه اللاجئين، أدلى رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بتصريحات تخالف المبدأ العام للحزب في معاداة اللاجئين والوعيد بطردهم من البلاد، حيث قال في أبريل الماضي، إنهم "سيعملون ليعيش اللاجئون السوريون في تركيا في أمن وأمان".
كما قدم الشكر للمفوضية العُليا للاجئين، ما اعتُبر حينها تطوراً نوعياً ولافتاً في أول تصريح من السياسي الواعد، الذي خاض انتخابات الرئاسة الماضية كنائب للرئيس، وتعوّل عليه المعارضة بأن يكون الرئيس القادم للبلاد عام 2028.
رغم إثارتها للجدل في الأوساط التركية، إلا أن أحداً لم يحسم إن كانت تصريحات إمام أوغلو مجرّد حديث دبلوماسي وجّهه لمفوضية اللاجئين، أم سياسة جديدة لحزب "الشعب الجمهوري" أفرزتها نتائج انتخابات البلديات والتحضير لانتخابات الرئاسة القادمة من الآن.
وبعد نحو أسبوعين جاءت تصريحات جديدة بهذا الخصوص لرئيس الحزب أوزغور أوزيل، أوضح فيها خطّتهم للتعامل مع السوريين الموجودين في تركيا.
وقال أوزيل في مقابلة مع قناة "Habertürk" التركية: "لدينا امتيازات إيجابية من أجل مليون ونصف مليون طفل سوري وُلدوا في تركيا، كتمكينهم من الدخول إلى تركيا عبر جواز السفر فقط دون تأشيرة دخول، وتفضيلهم ومنحهم الأولوية في حال رغبتهم باستكمال تعليمهم الجامعي في تركيا مقارنة بباقي الطلاب الأجانب".
وأكد أنه أبلغ البلديات الواقعة تحت إدارة حزبه أن السياسة المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين ليست من صلاحيات الإدارات المحلية، كما انتقد تصريحات لرئيسة بلدية أفيون قره حصار، بورجو كوكسال، توعدت فيها بفرض رسوم فلكية ضد اللاجئين، مشدداً على أن تلك التصريحات "لا تنسجم مع الخط والمسار العام للحزب".
ورغم أن أوزيل تحدّث في المقابلة نفسها عن سعي الحزب لإجراء مفاوضات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد ومشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في ذلك، وتوفير فرص العمل والغذاء والسكن -وليس مجرد منازل من الطوب- في الأماكن التي سيعود إليها السوريون في بلدهم، إلا أنه عاد وصرّح في 13 مايو الجاري "أقولها وأكرّر، نحن لسنا أعداء للاجئين ولن يكون رؤساء بلدياتنا طرفاً في الممارسات الشعبوية المُعادية للأجانب".
ولا تتمتع البلديات وفق القانون التركي بأي سلطات تتعلق بترحيل اللاجئين أو إقامتهم بالبلاد، لكن رئيس البلدية لديه من الصلاحيات الشيء الكثير في ما يتعلق بمنحهم تراخيص للأعمال التجارية أو معاملات الزواج، إضافة للخدمات العامة كالمياه والمواصلات.
وفي تركيا، يُعدّ الأمر أوسع من هذا المنظور، لأن النجاح في إدارة البلديات الكبرى -مثل إسطنبول وأنقرة- يُعتبر طريقاً ممهّداً لجماهيرية واسعة في المضمار السياسي.
بحسب د. سمير العبد الله، مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة، يرغب أوزيل من تصريحاته تحقيق أهداف عديدة، منها "السعي للظهور بمظهر قائد الحزب ورجل الدولة الذي يمكنه التعامل مع كل المشاكل التي تعانيها تركيا، من ضمنها قضية اللاجئين".
ويوضح لموقع "ارفع صوتك" أن زعيم حزب الشعب الجمهوري "يشعر برضا" عن نتائج حزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة، ولأنهم باتوا يترأّسون كبريات البلديات في تركيا حالياً "فلا بد له من الظهور بمظهر رجل الدولة البعيد عن التجاذبات والبروبوغاندا الانتخابية" وفق تعبيره.
من ناحية ثانية، يضيف العبد الله، أن أوزيل "يرغب بطمأنة الغرب أنه حتى في حال وصول حزبه للسلطة فإن تركيا ستحافظ على التزاماتها بملف اللاجئين، خاصة أن هناك تياراً قومياً متطرفاً تجاه هذه القضية يتزعمه أوميت أوزداغ، ويريد حزب الشعب الجمهوري استمرار الدعم الأوروبي الذي تحصل عليه البلديات التي يرأسها الحزب لتمويل المشاريع الداعمة للاجئين وسط الأزمة الاقتصادية في البلاد".
ويستبعد أن تشهد سياسات الحكومة التركية تجاه الأجانب واللاجئين أي تغيير كبير في الفترة المقبلة "لأن الحكومة ترى أنها أنجزت جزءاً كبيراً من إستراتيجيتها التي تهدف لتخفيف أعداد الأجانب بتركيا، وإعادة تنظيم هذا الملف، ولن تتراجع عن السياسة في منتصفها، على الرغم من تأثير تلك السياسة على الاقتصاد التركي وعلى الأجانب المقيمين بها".
ولم يعُد حزب "الشعب الجمهوري" بصورته السابقة قبل انتخابات البلديات الأخيرة، حيث بات شريكاً في إدارة البلاد مع الائتلاف الحاكم، كما يقول المحلّل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو.
ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن الحزب "بات مسؤولاً عن إدارة الخدمات والتخطيط في أكثر من 40 ولاية تركية تشمل ولايات كبرى ورئيسة مثل إسطنبول وأنقرة، وهي ولايات تحوي أعداداً كبيرة من اللاجئين والمهاجرين".
"وهم (حزب الشعب) يعرفون أن الاكتفاء بالتصريحات القديمة سيخلق مشكلة كبيرة في تلك الولايات"، يضيف أوغلو.
ويعتقد بأن المعارضة التركية اليوم "حريصة على التقارب مع سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه ملف اللجوء ومكافحة العنصرية ومعاداة الأجانب ومنع عمليات الترحيل القسري، وهذا من ناحية ثانية مقدّمة واضحة لسياسات جديدة للحزب تجاه هذا الملفّ".