أثار فوز أحزاب اليمين المتطرف في انتخابات دول أوروبية عديدة، زوبعة من المخاوف المحلية والخارجية، إزاء وصول أحزاب ذات نهج متشدّد، قد تطيح بالوجه السياسي والاقتصادي الحالي للقارة العجوز.
وتبدو مخاوف اللاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء هي الأكبر، في ظل توعّد قادة اليمين بنسف سياسة اللجوء الحالية، إما تحت ذرائع قومية أو تحت مبرّرات اقتصادية.
وتعليقا على نتائج الانتخابات، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك عن قلقه إزاء صعود اليمين المتطرف.
وقال في مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي، في مقر المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بمدينة جنيف: "عندما نسمع روايات تشوه سمعة الآخرين وتجردهم من إنسانيتهم، فإن ذلك يحول المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من الأقليات إلى كبش فداء.. نعم، هذا (صعود اليمين المتطرف) هو جرس إنذار يجب أن نقرعه".
واحتلت أحزاب اليمين المتطرف المركز الأول في دول مثل فرنسا والنمسا وإيطاليا، خلال انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت في يونيو الماضي.
وتسود أجواء القلق والتوتر في أوساط اللاجئين بالقارّة الأوروبية، خشية وصول أحزاب اليمين المتطرف للحكم، في دول تستقبل مئات آلاف اللاجئين مثل فرنسا وألمانيا.
يقول اللاجئ السوري فيصل زهران (46 عاماً) إن "أحزاب اليمين المتطرف لا تدرك لغة الإنسانية البحتة، هي تعرف لغة المصالح المتشددة فقط"، معرباً عن مخاوفه من المستقبل بعد فوزها في فرنسا، حيث يُقيم منذ أربع سنوات.
ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن عائلته "باتت تناقش الخيارات البديلة بشكل جديّ في الفترة الأخيرة"، إذ يخشى من إمكانية اتفاق أحزاب اليمين -في حال فوزها بالحكم- مع السلطات السورية لإعادة اللاجئين باعتبار أن سوريا "بلد آمن" حالياً.
وتصدّر اليمين الفرنسي المتطرف بقيادة جوردان بارديلا نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا بفارق كبير، في ظلّ تقديرات مراكز الاستطلاع بوصوله إلى الحكم للمرة الأولى في ظل الجمهورية الخامسة.
تضييق وترحيل
تسود توقّعات بأن اليمين المتطرف إذا وصل إلى السلطة فإنه سيقوم بمعالجة طلبات اللجوء بسرعة مع عدم قبول الغالبية العظمى منها، وفقاً للباحث في العلاقات الدولية طارق وهبي.
يقول لـ"ارفع صوتك": "كما سيتم ترحيل حتى من تقدم بطلب استرحام أو تمييز في المحاكم المحلية".
ويرى وهبي أن "أحزاب اليمين المتطرف تعتبر الهجرة واللجوء السبب في تراجع الاقتصاد الأوروبي والأمن الاجتماعي، في ظل السياسة الأوروبية الحالية حول حماية الديمقراطيات والعمل على وضع الإمكانيات اللازمة لحماية الهاربين من الظلم والدكتاتورية".
وحول السياسات والقوانين الخاصة باللاجئين التي تسعى أحزاب اليمين المتطرف لتغييرها، يختصرها وهبي بالنقاط الآتية:
1- تخفيض مدة دراسة طلبات اللجوء.
2-وضع لائحة للدول التي لا يمكن قبول طالبات اللجوء من رعاياها.
3-عدم السماح بأي طلب استرحام أو تمييز.
4- تخفيض البدل المالي للمعيشة اليومية، وتضييق القواعد للبحث عن عمل.
5-عدم إمكانية التقدّم بطلب "لمّ شمل عائلي".
6- في حال إقدام أي لاجئ شرعي بعمل مُدان قضائياً، سيتمّ ترحيله.
وقريباً من ذلك يرى الدكتور رامي الخليفة العلي، الباحث في الفلسفة السياسية في جامعة باريس، قائلاً إن "تأثير وصول اليمين المتطرّف لدوائر الحكم في فرنسا مثلاً، سيؤدي للتضييق على اللاجئين في ثلاث زوايا رئيسية، تتمثل بالتعقيدات الإدارية في الحصول على إجراءات الإقامة أو لم شمل العائلة، وممارسة التمييز في عدة أعمال وحصرها بيد المواطنين الفرنسيين ومنع الأجانب من مزاولتها".
"بالإضافة لارتفاع حدة الخطاب العنصري، بما يضع عقبات أمام اندماج اللاجئين داخل المجتمعات المحلّية"، يتابع العلي.
ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن هناك نقطة واحدة مهمة يمكن أن تمنع حدوث هذه التضييقات، وهي خضوع المجتمع الأوروبي لمنطق سوق العمل وحاجته لوجود اللاجئين سواء الشرعيين أو غير الشرعيين في عدة قطاعات حيوية.
لذلك يستبعد العلي تطبيق ما أسماه "الخطاب الشعبوي المتطرف" في أرض الواقع.
ويوضح أن "وعود اليمين المتطرف الفرنسي مثلاً في ما يخص اللاجئين، تتمثل بتعقيد منح التأشيرات لدخول فرنسا، ومنع مزدوجي الجنسية من أصول مهاجرة من تبوؤ مناصب سياسية معيّنة، وإبطال ما يسمّى (حق الأرض) وهو حق حصول المولود في فرنسا لأبوين أجنبيين من الحصول على الجنسية، إضافة إلى تطبيق مبدأ الأولوية الوطنية في حصول المواطنين الفرنسيين على المساعدات الاجتماعية دون اللاجئين والأجانب".
في المقابل، يُقلّل الصحافي الفرنسي علاء الدين بو نجار من أهمّية تطبيق اليمين المتطرف وعوده الانتخابية بخصوص ملف اللجوء، مؤكداً أن هذا الملف "يخضع في النهاية لسياسة أوروبية مشتركة قائمة منذ سنوات، وتحتاج أحزاب اليمين بالتالي لفترة طويلة لتغيير بعض هذه القوانين من أجل إرضاء قاعدتها الشعبية".
من هذا المنطلق، يقول بو نجار لـ"ارفع صوتك" إن كل دولة أوروبية "ستكون لها سياسة خاصة في ميدان اللجوء، بحيث تسعى الأحزاب اليمينية في كل منها لصياغة قوانين داخلية خاصة تكون بديلاً عن القوانين الأوروبية المشتركة".
ويتوقّع أن يكون المُستهدَف الأول في تشديد قوانين اللجوء الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى الدول التي لا تشهد حروباً وصراعات.