لا تزال تداعيات تسريب بيانات السوريين في تركيا في الرابع من تموز الجاري تلقي بظلالها الثقيلة على حياتهم، باعتبارها تهديدا لأمنهم الشخصي.
وزادت هذه الحادثة من حالة القلق والخوف التي يعيشها اللاجئون السوريون، كونها تزامنت مع الاعتداءات الأخيرة التي طالتهم في مدن قيصري وغازي عنتاب وأورفة ونيزيب، والتي ترافقت مع أعمال عنف وتخريب للممتلكات قامت بها مجموعات عنصرية استهدفت منازلهم وأماكن عملهم.
وفي التفاصيل، فوجئ ملايين السوريين في تركيا ليلة الخميس الماضي، بتسريب بياناتهم الرسمية عبر قناة على تطبيق تلغرام، من قبل مجموعة مناهضة للاجئين تحمل اسم انتفاضة تركيا.
ولم يقتصر هذا التسريب الذي يعتبر الأكبر من نوعه في البلاد، على بيانات اللاجئين فحسب، وإنما شمل أيضاً معلومات السوريين الذين يحملون إقاماتٍ سياحية في تركيا أيضا، بالإضافة لمن حصلوا على الجنسية التركية منهم.
تطمينات تركية
وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا قال إن مجموعة "انتفاضة تركيا" التي سربت المعلومات هي المجموعة ذاتها التي دعت لأعمال الشغب بعد أحداث قيصري الأسبوع الماضي.
وأوضح كايا أن البيانات المنتشرة تعود لما قبل شهر أيلول من العام 2022، لافتاً إلى أن البيانات الحالية التي أعدتها مديرية إدارة الهجرة بعد سبتمبر 2022، ليست مدرجة في الملف المسرب.
بدورها قالت رئاسة الهجرة في بيان صحفي حول تسريب معلومات هوية السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة، أن البيانات المسربة لا تتطابق مع البيانات والمعطيات الحالية في معرفات رئاسة و مديريات الهجرة، وأن رئاسة الهجرة قامت بإجراء تحقيق واسع النطاق لتحديد السنوات التي تنتمي إليها هذه البيانات، ومن أي مصدر وفي أي تاريخ جرى الحصول عليها.
وأوضحت وزارة الداخلية أن مدير مجموعة انتفاضة تركيا التي نشرت البيانات على التلغرام، هو فتى يبلغ من العمر 14 عاماً، وأن مديرية الأطفال في إسطنبول "تدخلت للتعامل معه بالشكل اللازم".
صدمة وتوتر
لم تكن البيانات الرسمية التي أصدرتها الحكومة التركية كافية لتخفيف حال الصدمة والتوتر لدى السوريين، من المخاطر التي سيسفر عنها تسريب المعلومات إلى العلن، حيث عبر العديد من السوريين الذين التقيناهم عن مخاوفهم الشديدة من هذا الأمر. بينهم يوسف، 28 عاما، اللاجئ السوري من حلب والمقيم في غازي عنتاب.
يقول يوسف لموقع ارفع صوتك، "بعد هذا التسريب، أصبح الخوف جزءًا من حياتنا اليومية، لا نعرف من قد يحصل على معلوماتنا وكيف يمكنه استخدامها ضدنا، فما حصل بوثائقنا الرسمية أشبه بانتهاك حرماتنا حرفياً، وكأنك تجد نفسك عارياً تماماً، تحت أعين أعدائك وكارهيك".
خوف يوسف يضاهيه خوف مواطنته بشرى، 30 عاما، اللاجئة السورية من مدينة حماة، والتي تقول لارفع صوتك: "المرعب في الأمر هو كيفية استفادة النظام من تسريب بياناتنا ومعلوماتنا، خاصة الجوازات والكمالك التركية، حيث أصبح لدى النظام قائمة مفصّلة عن كل سوري في تركيا، ووضعه ونوع إقامته، وإن تم تجنيسه أم لا، خاصة مع تضمن التسريبات بيانات حاملي الإقامة السياحية الذين يذهب قسم منها دوريا إلى سوريا أو يقيم فيها حاليا".
بدوره يشير سالم، اللاجئ السوري المقيم في مدينة غازي عنتاب، رافضا ذكر اسمه الكامل، أن جميع تصريحات المسؤولين الأتراك لم تطمئن السوريين. "كل البيانات موجودة بالكامل في الملف المسرب، وتتضمن الاسم الكامل مع اسم الأب والأم والعنوان، بالإضافة للرقم الوطني التركي".
ويضيف سالم: "الملف يحوي كل شيء عنا، وهذا الأمر خطير كونه يمكّن أي شخص من استخدام رقم القيد والاسم في عمليات تزوير، بينها إمكانية فتح خطوط الهاتف أو عدادات المياه والكهرباء دون علم صاحب الشأن، وستحصل العديد من المشاكل القانونية بسبب التسريب، إذ بات من السهل استخدام أي من هذه الوثائق وزجنا في قضايا لا نعلم عنها شيئاً. ففي السنوات الماضية، واجه الكثير من السوريين قضايا جنائية، تعلّق القسم الأكبر منها بخطوط هاتف فتحت بأسمائهم دون أن يدركوا ذلك".
وضمن منشور عبر حسابه في فيسبوك، اعتبر الحقوقي السوري، مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، أن خلفية نشر بيانات السوريين هي عنصرية تهدف لترهيب اللاجئين، واصفا بيان وزارة الداخلية بأنه مثير للسخرية.
وأضاف العبد الله أن إلصاق إدارة المجموعة بقاصر يحول دون الحصول على أية تفاصيل جديدة حول ما حصل، حيث يُمنع على الصحافة نشر تفاصيل جرائم القاصرين، وفي حال تمت محاكمة القاصر فإن المحاكمات ستكون مغلقة وليست علنية، وهذا يعني إغلاق باب معرفة مصدر البيانات المسربة بشكل محكم.
مذكرة مساءلة ودعوة لتشكيل لوبي
طه الغازي الناشط الحقوقي في تركيا اعتبر أن عملية تسريب بيانات ومعطيات اللاجئين السوريين المقيدين في نظام الحماية المؤقتة يحمل مخاطر كبيرة عليهم.
وبين الغازي أن بيان رئاسة الهجرة في هذا السياق غير واقعي وغير منطقي.
وأشار الغازي إلى قيامه بالتنسيق والتواصل مع النائب في البرلمان عن حزب ديفا مصطفى ينير اوغلو، وإيضاح مخاطر تسريب بيانات اللاجئين وانتشارها بين أفراد المجتمع التركي، حيث تقدم النائب ينير أوغلو بمذكرة مساءلة موجهة لوزيري الداخلية والعدل التركيين.
تتضمن المذكرة تساؤلات متعلقة بعملية تسريب بيانات اللاجئين السوريين، والجهات التي سربت البيانات، والتدابير المستخدمة لحماية البيانات المسربة، بالإضافة إلى الإجراءات التي سيتم اعتمادها لمنع تسريبات مماثلة لاحقا، والتدابير التي ستتخذ لحماية اللاجئين السوريين، بعد تسريب بياناتهم، والإجراءات التي سيتم تنفيذها لتحديد الجناة ونتائج التحقيق.
وانتقد الغازي نأي معظم مؤسسات المعارضة السورية بنفسها عن التنديد بما جرى من اعتداءات وأعمال تخريب على أماكن عمل ومساكن اللاجئين السوريين في قيصري وعنتاب والمدن الأخرى، داعيا إلى ضرورة تواصل مؤسسات المعارضة السورية والمنظمات والهيئات الملحقة بها، مع كل أطياف وتيارات المجتمع التركي، والعمل على فكرة صناعة مجموعات ضغط يكون لها تأثير على مراكز القرار في مختلف التيارات والأحزاب السياسية.