Parliamentary election in Britain
السير كير سترامر، الرئيس الجديد للحكومة البريطانية خلال تسلمّه المنصب- تعبيرية

"خطة رواندا ماتت ودُفنت"، بهذا الإعلان ابتدأ السير كير سترامر، الرئيس الجديد للحكومة البريطانية، عهده الوزاري الجديد عقب فوز حزبه "العمال" بالانتخابات الأخيرة.

وأنهى "حزب العمال" 14 عامًا من سيطرة منافسه "حزب المحافظين" على السُلطة بعدما حصد 412 مقعدا من أصل 650 مقعداً تمثل إجمالي أعضاء مجلس العموم البريطاني.

في هذا المقال، تلخيص لأبرز محاور قضية المهاجرين، التي تعهّد "حزب العمال" بحلّها على طريقته، بعد أن رفض الحل الذي أتى به خصمه، فهل ينجح؟

 

خطة رواندا

بحسب أرقام وزارة الداخلية البريطانية فإن 9 آلاف شخص عبروا القنال الإنجليزي هذا العام بزيادة عن العام الماضي الذي وصل فيه 6691 مهاجرا إلى بريطانيا، أما في 2022 فلقد بلغ عدد النازحين فيه 7750 شخصا.

لكن وفق أرقام مجلس اللاجئين فإن المشكلة أكبر حجما من ذلك إذ تجاوز عدد المهاجرين 28 ألفا خلال الفترة من مايو 2023 وحتى أبريل 2024 متوقعة أن يُضاف إليهم 27 ألف مهاجر على الأقل سيركبون القوارب ويعبرون القناة الإنجليزية خلال هذا العام.

أغلب هؤلاء الوافدين من دول مضطربة الأوضاع لم تُبرم اتفاقية مع بريطانيا لترتيب إعادة الفارين منها مثل أفغانستان وإيران وسوريا والعراق والسودان، الأمر الذي ألقى بالأعباء القانونية والمالية للتعامل معهم على كاهل بريطانيا وحدها.

بعدما تجاوزت أعدادهم الآلاف قرر "حزب المحافظين" التدخل. وفي أبريل 2022 أعلنت الحكومة البريطانية خططها الخاصة بهذا الأمر عبر عقد اتفاقٍ مع رواندا نصَّ على إرسال المهاجرين إليها لحين فحص أوراقهم وطلبات لجوئهم وحال الموافقة عليها فإنهم سيُمنحون حق اللجوء إلى الدولة الأفريقية وليس بريطانيا التي تعهّدت بدعم الحكومة الرواندية بمبالغ سخية مقابل تحمّل هذا العبء.

في سبيل إنجاح هذه الخطة، تعهدت لندن بإنفاق 290 مليون جنيه إسترليني دُفع منها بالفعل قرابة 240 مليونا لا يوجد أي إلزام قانوني على رواندا على إعادتها بعد الإعلان عن نية التخلي عن تنفيذها.

تعشّمت الحكومة البريطانية بأن تخلق هذه الاتفاقية سياسة ردع ضد مَن يُخططون للسفر إلى بريطانيا بشكلٍ غير شرعي بأنهم لن ينالوا إقامة كاملة في الأراضي الإنجليزية كما حلموا وإنما سيكون مصيرهم الترحيل إلى رواندا في نهاية المطاف.

 

أثارت خطة رواندا الكثير من الجدل في إنجلترا بسبب المواقف المعارضة لها؛ أبرزها "حزب العمال" الذي اعتبرها سياسة مخادعة وغير قابلة للتنفيذ وتعهّد بالتخلص منها فور وصوله إلى السُلطة.

في ختام العام الماضي تلقت هذه المخططات ضربة كبرى بعدما قضت المحكمة العليا بأنها خطة غير قانونية، بسبب تصنيف رواندا على أنها دولة غير آمنة لطالبي اللجوء بسبب سجلها السيء في حقوق الإنسان وتعقيد نظامها الخاص بفحص وتقييم طلبات اللجوء وسلوكيات أجهزتها الأمنية القمعية بحقِّ المهاجرين، خصوصاً بعدما استشهدت المحكمة بإطلاق الشرطة الرواندية النار على لاجئين احتجوا على تخفيض حصصهم الغذائية عام 2018.

استجابةً للمحكمة، أبرمت لندن معاهدة جديدة مع رواندا نصّت على المزيد من الضمانات بحق طالبي اللجوء، فتعهّدت الأخيرة بعدم تعريضهم لأي خطر وأن تُدير معسكراتهم لجنة مشتركة من البلدين.

أقر البرلمان قانونا جديدا شرّع تنفيذ الخطة، وبحسب الخطة المعلنة فإن أولى رحلات نقل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا كان مقررًا أن تنطلق هذا الشهر، وهو ما تعطّل بسبب الانتخابات الأخيرة.

هذه الفكرة ليست بالجديدة، إذسبق أن نفّذتها أستراليا في 2001 حينما أبرمت اتفاقا مع غينيا الجديدة لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين، إلا أنها من 2013 تخلّت عن هذه السياسة ولجأت إلى فرض رقابة صارمة على حدودها ومنع القوارب من اختراق مياهها الإقليمية وإعادتها من حيث أتت، وتسببت في خفض معدلات اللاجئين من 26 ألفًا في 2013 إلى 500 فقط في العام التالي مباشرة، وهو النهج الجديد الذي يسعى "حزب العمال" إلى تطبيقه.

طفل يركض قرب أحد المراكز المخصصة لإقامة طالبي اللجوء في بريطانيا
"معاملة غير إنسانية".. مناشدات لبريطانيا بوقف ترحيل اللاجئين لرواندا
حث المفوض الجديد لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، الحكومة البريطانية على إعادة النظر في خططها لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، محذرا من أن مخططات "النقل إلى الخارج" المماثلة في الماضي أدت إلى معاملة "غير إنسانية للغاية" بحق اللاجئين.

 

رقابة صارمة على الحدود

حتى الآن لم تعلن الحكومة الجديدة خطتها الرسمية لحل هذه الأزمة عدا التصريحات التي أطلقها قادة "حزب العمال" طيلة الانتخابات.

تشمل خطة "حزب العمال" تشديد محاربة عصابات التهريب وإخضاع الوافدين لفحوص قانونية دقيقة للتأكد من أحقيتهم في نيل اللجوء، على أن تخوض مفاوضات شاقة مع عدة دول أوروبية على أمل إقناعهم باستقبال عددٍ مِمَّن لا تتسع لهم الأراضي البريطانية.

التوقف عن خطة رواندا قد يفتح الباب لمشكلات أكبر كون أغلب المهاجرين قادمين من بلاد مضطربة الأوضاع، ما يجعلهم أكثر الحالات استحقاقا لحقِّ اللجوء. فهل ستمنحهم لندن جميعا هذا الامتياز؟

وفق تقديرات مجلس اللاجئين البريطاني فإن 70% من اللاجئين تنطبق عليهم شروط الحصول على اللجوء السياسي، وبحسب معارضي "حزب العمال" فإن هذه الطريقة ستشجع المزيد من المهاجرين على عبور القناة والوفود إلى الأراضي الإنجليزية أملا في الحصول على الجنسية.

من جانبها، انتقدت سويلا برافيرمان عضوة "حزب االمحافظين" سعي "حزب العمال" للتخلص من خطط أنفقت بريطانيا ملايين الجنيهات عليها وسنوات من العمل من الجاد لإقرارها، معتبرة أن هذه الخطط تحتاج إلى تحسين وإصلاح للعيوب وليس إلغاءها بالكامل.

لكن زعيم "حزب العمال" يعوّل على الخيار الأمني ليكون البديل الناجح لعلاج تلك المشكلة، بعدما تعهّد بتفعيل مواد قانون الإرهاب الذي يمنح الشرطة مزيدا من الصلاحيات لتعقّب عصابات التهريب ومنعها من أداء عملها، أملاً في تجفيف المشكلة من منابعها وتقليل عدد قوارب المهاجرين التي تنجح في الوصول إلى الشاطئ.

وفق حسابات سترامر، فإن إلغاء خطة رواندا سيوفّر 75 مليون جنيه إسترليني في العام الأول، سيستخدمها في إنشاء قيادة جديدة لأمن الحدود يلتحق بها مئات المحققين ويقودها عسكري مخضرم يسهم في تعزيز قبضة لندن على حدودها وخفض أعداد القوارب التي تصل شواطئها.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".