بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص (30 يوليو)، لا يمكن إلا التوقف عند ملف اللجوء السوري في لبنان وتهريب اللاجئين، الأمر الذي يعرضهم لأنواع عديدة من الانتهاكات الحقوقية، مثل الاختطاف والإكراه على العمل والاستغلال الجنسي.
ضحايا الاختطاف
ازدادت نسبة جرائم الاختطاف والاتجار بالبشر التي تستهدف السوريين إثر بدء الترحيل القسري للاجئين من لبنان إلى سوريا.
وأطلق مركز حقوق الإنسان تقريرا خاصا حول هذا الموضوع بعنوان "جرائم الاختطاف والاتجار بالبشر بعد الترحيل القسري للاجئين من لبنان"، ركز فيه على معاناة اللاجئين السوريين في لبنان من "ظاهرة الاختطاف المنتشرة على نطاق واسع للحصول على فدية. ورصد الفريق الميداني للمركز عدة حالات تعرض فيها الضحايا، ومن بينهم نساء وأطفال، للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم وسلب حريتهم على يد مختطفين".
التقرير الصادر في يونيو الماضي، حذر من "اختطاف عشرات اللاجئين السوريين في الداخل اللبناني انتقاماً لاختطاف أو اختفاء لبنانيين في سوريا بدوافع طائفية، ولم تتخذ السلطات اللبنانية أية إجراءات ملموسة لتعقب الخاطفين ومحاسبتهم"، على حدّ وصفه.
ووثق المركز "عدة حالات اختطاف حيث تعرض الضحايا للضرب وغيره من أشكال سوء المعاملة على أيدي الخاطفين. وتشمل قائمة الضحايا أيضاً أطفالاً تعرضوا لمعاملة غير إنسانية". مع الإشارة إلى أن المخطوفين يُستدرجون أحيانا بإغرائهم "بوعود كاذبة بالمساعدة المتعلقة بطلب اللجوء في الدول الأوروبية في بعض الحالات. ويؤدي ذلك إلى وقوع الضحايا في فخ الاختطاف، ثم يطلب الجُناة فدية من ذويهم مقابل إطلاق سراحهم".
وينشط الاختطاف في المناطق الحدودية على وجه التحديد قرب معبر "وادي خالد" الحدودي بين لبنان وسوريا، ما يزيد من تعرض الهاربين للخطر والابتزاز المالي.
وفي المناطق الحدودية أيضاً، تستغل عصابات الخطف ضحاياها لتحقيق مكاسب مالية، وتحرمهم من حريتهم لابتزاز ذويهم وطلب الفدية، بحسب المركز اللبناني.
عمالة الأطفال
فاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان من صعوبة الوصول إلى التعليم وأجبرت بعض اللاجئين السوريين على إخراج أطفالهم من المدرسة وإشراكهم في أنشطة العمل لدعم دخل الأسرة.
ولوحظ ذلك سابقا في دراسة نشرتها الجامعة الأميركية في بيروت حول اللاجئين السوريين العاملين في القطاع الزراعي في لبنان، حيث يفضل البعض تشغيل الأطفال أكثر من البالغين بسبب عدم الحاجة لاستصدار رخص العمالة وسهولة الإدارة وقدرة الأصغر سناً على العمل لساعات أطول، إلى جانب الحد الأدنى من الخبرة المطلوبة لتلبية احتياجاتهم.
الدراسة نقلت عن بحث واسع النطاق بعد سنوات على لجوء السوريين إلى لبنان، أن 75% من الأطفال السوريين في منطقة البقاع في لبنان عملوا (بداية الأزمة حتى 2019) في الزراعة وغيرها من المهن الخطرة وغير المناسبة لأعمارهم، مع تسجيل 18.3% فقط من الأطفال المدرجين في شكل من أشكال التعلم.
في هذا السياق، تشير الاختصاصية الاجتماعية والخبيرة بالحماية الاسرية، رنا غنوي إلى أن "وضع الطلاب السوريين حساس للغاية، لأن أغلبهم غير مسجل في الدوائر اللبنانية إلا لدى مفوضية اللاجئين، وأغلبهم في لبنان بصفة غير قانونية".
بالإضافة إلى ذلك، حتى لو توفر التمويل من الجهات المانحة "تبقى هناك تحديات تتعلق بالأزمة الإقتصادية المضاعفة في لبنان وسوريا على حد سواء، تجبر بعض الطلاب على ترك الدراسة ليس فقط للمساعدة في المصروف في لبنان، بل لتأمين المال الذي يغطي مصاريف عوائلهم التي تعاني في سوريا أيضاً"، بحسب غنوي.
التمييز على أساس الجنسية
يروي لاجئون سوريون عن تجارب مؤلمة في سوق العمل اللبناني على الرغم من أن هذه التجارب لا تعمم على الجميع. منهم أمين السمان (اسم مستعار)، الذي حدّث "ارفع صوتك" عن تقديمه 36 طلب توظيف في مجالات متنوعة لتغطية تكاليف دراسته في لبنان، قوبل بها بالرفض "لأنه يحمل الجنسية السورية".
يروي أمين: "لاحظت أن طلباتي كانت ترفض بسبب لهجتي السورية، فقررت أن أخوض التحدي وتعلمت أن أتقن اللهجة اللبنانية. درست مفردات اللهجة الأساسية وتدربت على طريقة لفظها بالنطق البيروتي المعتدل. ثم تقدمت بالصدفة للوظيفة رقم 37 وكانت حينها مساعد طباخ في أحد المطاعم في منطقة الحمرا في بيروت. أجريت المقابلة وتحدثت اللبنانية بطلاقة، وذهبت إلى حد استخدام بعض الكلمات الإنجليزية والفرنسية في سياق الحديث لكي أكون أكثر إقناعاً لرب العمل. وسرعان ما قبل توظيفي".
بالنسبة لأمين لم ينته التحدي هنا، فمع اكتشاف صاحب العمل جنسيته "تغيّر تعامله معه تلقائياً، فزاد ساعات عمله دون زيادة في الأجر، كما تأخر في إعطائه رابته الشهري ستة أيام عن المعتاد، وكان ناقصاً 40% بخلاف زملائه الذين تلقوه كاملاً" على حدّ وصفه.
يتابع: "كما أن مديري اقتطع من الراتب عندما أخذتُ إجازة مَرضية ولم يدفع أي تعويض أو مشاركة في الطبابة أو ثمن الأدوية حين تعرضت لإصابة في العين بسبب حرارة الفرن. وبعد أسبوع عدت لأجده قد فصلني، وحين طالبت بحقي، تعامل معي بعنصرية".
وينسحب هذا التمييز على أساس الجنسية، على القوانين التي تجبر الطالب على "توقيع تعهد بعدم العمل"، فيسلبه حسب ما أضاف أمين "حقه في المطالبة بأجره في حال اضطر للعمل دون عقد عمل يضمن حقه. بالإضافة للتوجه الاجتماعي العام نحو استصغار حقوق العامل الأجنبي وتحكم بعض أرباب العمل بسداد الحقوق المالية دون ضوابط".
غنوي تتحدث أيضاً عن بعض الممارسات العُنصرية ضد السوريين، مثلاً "صارت كلمة سوري مسيئة، كأن يُسأل شخص (لماذا ترتدي ملابس مثل السوريين؟ لماذا تتحدث كالسوريين؟ لماذا بيتك يشبه بيوت السوريين؟ والأخير يعني أنه غير مرتب على اعتبار أن أغلب السوريين المتواجدين في لبنان من سكان المخيمات أو تجمعات اللاجئين".
الاستغلال الجنسي
يؤكد مركز حقوق الإنسان تعرض اللاجئين واللاجئات على وجه التحديد، وفقا "للشهادات والمعلومات المجموعة" لأعمال عنف. وتشمل هذه الأفعال العنف الجسدي الشديد والاعتداءات الجنسية، بما في ذلك الاغتصاب والإكراه على العمل تحت وطأة التهديد بالطرد أو بالتبليغ عن تواجدهم على الأراضي اللبنانية دون أوراق رسمية.
وفي ظل غياب الرجل (غالبا بسبب الوفاة أو الإعاقة أو إعادة التوطين)، تجد اللاجئات السوريات أنفسهن مجبرات على تولي المسؤولية ولعب دور المعيل الأساسي، وهن يعملن في وظائف قد لا يقبلن بها في ظروف أفضل، كالخدمة في المنازل. لكن هذا النوع من العمل ينطوي على مخاطر وتحديدا "الاستغلال والأجور وساعات العمل غير العادلة والجنس من قبل صاحب العمل أو في الطريق إلى العمل".
وهذا ما توضحه رنا غنوي لـ"ارفع صوتك" من منظور تطبيق القانون "293" حول حماية المرأة والأفراد من العنف الأسري، بقولها، إن "الأمر يتعلق بانتهاز واستغلال هشاشة أوضاع هذه الفئة من الناس بحجة أن النساء على سبيل المثال لا يحملن أوراقا قانونية ويترددن في تقديم الشكاوى في حال تعرضن لسوء المعاملة".
"لذلك، قمنا مرارا بالتدخل بشكل مباشر لمساعدتهن على المطالبة بحقوقهن أو الإعلان عن تعريض حياتهن للخطر في حال لم يستجبن لرغبات البعض ويمارسن الدعارة أو يخضعن للابتزاز خوفا من هتك العرض خصوصا في مجتمعنا الشرقي"، تبيّن غنوي.
تروي اللاجئة السورية أمينة حمد (طلبت تغيير اسمها) كيف أجبرت على "العمل في الخدمة المنزلية وأحيانا في الحقول إلى جانب زوجها، أثناء فترة أثناء الحمل، على الرغم من أن هذا النوع من العمل يتطلب جهدا بدنيا".
تضيف "لكني لم أتكلم خوفاً من خسارة مصدر دخلي الوحيد خصوصاً أن ما يجنيه زوجي لا يكفي لتغطية تكاليف الإيجار".
إعادة النظر في الهياكل القانونية
للحد من هذه المشكلات والانتهاكات بحق اللاجئين السوريين، تقول غنوي "يجب احترام ميثاق حقوق الانسان وتطبيقه وتكريس حق الأطفال في التعلم، وحق النساء في الحماية من أي شكل من أشكال العنف على أساس النوع أو الجنس أو اللون أو الجنسية و على أساس المعرفة والقدرات (كما في حال الإصابة بإعاقة)".
وتدعو لإعادة العمل على "هيكلة سلم الأولويات في ما يتعلق بحقوق الإنسان بمعزل عن الجنسية. ما يستدعي مثلاً التحرك إذا ما تعرض شخص للاغتصاب، حتى لو لم يمتلك أوراقاً".
"كما يتوجب على الجهات المانحة (كالأمم المتحدة) العمل على تأمين أوراق اللاجئين القانونية لحمايتهم من ناحية، ولمساعدة الدول المضيفة من ناحية أخرى على مستوى تنظيم الإقامات والبدلات والضرائب، خصوصاً أن أعداد السوريين في لبنان ناهزت المليونين ونصف المليون، وهذا عبء كبير على لبنان"، تقول غنوي.