شمال لبنان يشهد حملة واسعة لإخلاء اللاجئين السوريين
شمال لبنان يشهد حملة واسعة لإخلاء اللاجئين السوريين

كان محمود في العاشرة من عمره عندما اضطر إلى الهرب مع والدته من القصف الذي دمر مدينته إدلب، تاركاً وراءه طفولته وذكرياته، ليجدا نفسيهما لاجئين في لبنان، حيث استقر بهما الحال في دكان صغير بمنطقة جبل البداوي شمالي البلاد، وذلك بسبب معاناة والدته من آلام مزمنة في الظهر مما يحول دون إمكانية سكنهما في شقة تتطلب صعود الأدراج.

يكافح محمود لتأمين الإيجار وتوفير الأدوية والطعام لوالدته، حيث عمل ولا يزال في محل لبيع ألعاب الأطفال براتب شهري لا يتجاوز 300 دولار، بينما يدفع كما يقول لموقع "الحرة" 100 دولار كإيجار للدكان الذي يسكنان فيه، إلى جانب 50 دولارا أخرى لتغطية فاتورة المياه والخدمات الأساسية.

في مايو الماضي، واجه ابن الـ 22 عاما صدمة كبيرة عندما أبلغته البلدية بضرورة إخلاء الدكان بناءً على قرار محافظ الشمال، رمزي نهرا، القاضي بترحيل كل لاجئ لا يمتلك أوراقا قانونية. وبعد عدة أيام من تلقيه الإنذار، لم يكن أمام محمود خيار سوى الانتقال مع والدته إلى منزل شقيقته مؤقتا.

ويشهد شمال لبنان حملة واسعة لإخلاء اللاجئين السوريين، وذلك بناءً على سلسلة قرارات يصدرها محافظ الشمال، نهرا، الذي دعا "المخالفين السوريين إلى مغادرة البلاد بالحسنى"، محذرا من "ترحيلهم بالقوة إذا اقتضى الأمر".

جاء تصريح نهرا خلال اجتماع ترأسه في سرايا طرابلس، في مايو الماضي، بحضور نواب الكورة ورؤساء البلديات، حيث أعلن عن إطلاق حملة "إزالة الوجود السوري غير الشرعي" من جميع أقضية الشمال، بمشاركة البلديات واتحاد البلديات وبمؤازرة الأجهزة الأمنية.

ومؤخرا أصدر نهرا سلسلة قرارات جديدة تضاف إلى حملة إخلاء اللاجئين السوريين من مناطق شمال لبنان. ففي 12 من الشهر الحالي، أمر بإخلاء بلدتي مرياطة والقادرية-كفرزينا خلال 15 يوما، وبلدة عرجس في قضاء زغرتا خلال أسبوع. كما أصدر، في 6 أغسطس، قرارا بإخلاء السوريين غير الشرعيين من بلدات برسا وكفرعقا وبصرما في قضاء الكورة.

كما شملت قرارات الإخلاء في أغسطس الحالي، بلدات فرصغاب وكفرحبو وكفرحلدا ودير بللا وكفور العربي ودوما وحردين وبشعلة ومحمرش ونيحا وراشانا وراشكيدا وكفرحاتا.

وقد حددت هذه القرارات مهلة زمنية للسوريين العاملين والساكنين لمغادرة المناطق المستهدفة، مع التهديد بتنفيذ عمليات إخلاء قسرية في حال عدم امتثالهم، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين، بما في ذلك إقفال المساكن المخالفة بالشمع الأحمر.

"أين المفر؟"

حاول محمود الهرب من الواقع المرير عبر البحر إلى أوروبا، عن طريق المراكب غير الشرعية، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، ويشرح "غرقت في البحر، اعتقلت، ورحلت إلى الحدود السورية، ومع ذلك، لم أستسلم، وحاولت مرة أخرى، لكن الحظ لم يحالفني حيث أوقف الأمن اللبناني المركب قبل انطلاقه".

ويشير محمود إلى أن "السلطات اللبنانية لا ترغب في وجودنا هنا، ولذلك تعرقل عملية تجديد إقاماتنا. لكن ما يثير الحيرة هو أنها في الوقت ذاته تحاصرنا من البحر، مانعة إيانا من مغادرة هذا البلد".

اليوم، يعيش محمود في حالة من اليأس العميق، حيث يشعر بأنه محاصر في دوامة من المشاكل، فهو غير قادر على العودة إلى سوريا بسبب الأوضاع الأمنية وكونه مطلوبا للخدمة العسكرية، وفي الوقت ذاته يجد صعوبة في البقاء في لبنان نظرا للظروف الصعبة والمضايقات التي يتعرض لها اللاجئون.

ويعبر عن حزنه قائلا: "أشعر أنني أعيش في جحيم، حيث الإنسانية مفقودة. لا أملك حتى سقفا يؤويني أنا ووالدتي. كل ما أتمناه هو أن أجد مكانا آمناً نعيش فيه".

وكما محمود، يعيش هادي كابوس الإخلاء والترحيل. هو الذي فرّ من جحيم الحرب في سوريا، عام 2013، تاركاً خلفه كل ما يحب، آملًا في بناء حياة جديدة.

استقر في أحد أزقة طرابلس شمال لبنان، حيث عمل في كل الفرص التي أتيحت له، متحملا مشاق الحياة لتأمين لقمة العيش لأولاده الثلاثة.

رغم الصعوبات، رأى هادي في لبنان ملاذا آمناً ومكاناً يمكن لأطفاله أن يكبروا فيه بعيداً عن القذائف والصواريخ، لكن هذا الأمل بدأ يتلاشى ويتحوّل إلى كابوس، مع صدور قرارات نهرا، "التي تنبع من خلفية سياسية وحزبية وعنصرية تجاه اللاجئين"، كما يقول.

"أين المفر؟" يسأل هادي نفسه يوميا، بينما الخوف يرتسم على وجوه أولاده واليأس يسيطر على قلوبهم. ويقول لموقع "الحرة": "لا أستطيع العودة إلى سوريا كوني من المطلوبين لنظام بشار الأسد، أشعر بأني مكبّل، يوما بعد يوم، يتفاقم شعوري بالعجز، فإلى متى سيستمر هذا العذاب".

مصير محمود وهادي وعائلته، كحال آلاف اللاجئين السوريين في شمال لبنان، أصبح معلقا على قرارات المحافظ نهرا، فهم يعيشون في حالة من المجهول، وأملهم الوحيد اكمال ما تبقى لهم من عمر في أمان واستقرار.

وكان نهرا قد طلب من بلدية طرابلس، في 29 مايو، البدء بعملية مسح شاملة للسوريين المقيمين في نطاق البلدية، مشددا على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الوزراء وتعاميم وزير الداخلية والبلديات المتعلقة بالوجود السوري غير الشرعي.

واتهم نهرا بلدية طرابلس بالتراخي في تنفيذ الإجراءات المطلوبة، مما أدى إلى تفاقم التحديات الأمنية والاقتصادية في المدينة.

من جهته، رد رئيس بلدية طرابلس، رياض يمق، على هذه الانتقادات بالتأكيد أن المجلس البلدي يبذل جهودا كبيرة للتعامل مع أزمة اللجوء السوري، مطالبا بدعم إضافي للبلدية في مواجهة هذه الأزمة، ومعبرا عن استعداد المجلس للتعاون الكامل مع جميع الجهات المعنية رغم الصعوبات القائمة.

الآلاف في دائرة الخطر

سبق أن أكد نهرا أنه لن يهدأ حتى "عودة كل السوريين إلى وطنهم"، مشددا على "تطبيق القوانين، باستثناء الأشخاص المضطهدين من قبل النظام السوري، والذين يقدر عددهم بنحو 20 في المئة من المتواجدين على الأراضي اللبنانية".

وأضاف نهرا خلال لقاء موسع في بلدة بشمزين بالكورة أن "الاعتقاد بأن النظام السوري أو المنظمات الدولية سيساهمون في عودة اللاجئين هو اعتقاد خاطئ"، مؤكدا أن هذه الحملة ستستمر حتى تحقيق الهدف المنشود.

تشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى "زيادة في خطر الطرد الجماعي للاجئين السوريين في لبنان"، وذلك بالتزامن مع تصاعد الإجراءات الإدارية التي تستهدف سوريين في مختلف أنحاء البلاد.

وفي حديث مع موقع "الحرة"، أوضحت المفوضية أن "الربع الأول من عام 2024، شهد تبني العديد من البلديات اللبنانية سياسات تقييدية صارمة ضد اللاجئين السوريين. وتم تسجيل أكثر من 100 إجراء إداري جديد على سوريين تضمنت فرض قيود على الحركة، وتنفيذ مداهمات، وفرض ضرائب جديدة، وإقامة نقاط تفتيش، إضافة إلى قيود مشددة على الإيجار وإصدار هويات بلدية".

كما رصدت المفوضية "138 حادثة طرد جماعي بين شهري يناير ويوليو 2024، حيث يتم تعريف 'الطرد الجماعي' على أنه تلك الحالات التي تؤثر فيها عمليات الطرد أو التهديد بالطرد على خمس أسر أو أكثر، كما صدر 91 إشعارا بالإخلاء خلال هذه الفترة، مما أثر على حوالي 22917 شخصا، غالبيتهم في مناطق الشمال والبقاع، كذلك تم تنفيذ 53 عملية إخلاء فعليا، ما أدى إلى تهجير 4,473 شخصا، مع ملاحظة زيادة في عدد هذه العمليات خلال الفترة ما بين أبريل ويونيو".

وتتابع المفوضية عن كثب أوضاع اللاجئين المهددين بالطرد أو المتضررين منه، لتقييم احتياجاتهم العاجلة وتقديم الدعم اللازم بالتعاون مع شركائها، وتشدد على "جهودها المستمرة للتخفيف من تأثير هذه الإجراءات على اللاجئين، وتأمين الدعم لهم بحسب احتياجاتهم".

وفي الوقت ذاته، تعي المفوضية التحديات التي يواجهها لبنان نتيجة استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين، "خاصة في ظل الأزمة المتعددة الأبعاد التي يعاني منها البلد"، مشيرة إلى أنها تبذل كل ما في وسعها للمساهمة في إيجاد حلول مستدامة لهم خارج لبنان.

وفي الفترة من 1 يناير حتى 14 يوليو عام 2024، وثّق مرصد السكن 148 بلاغا، 61 في المئة منها تتعلق بسوريين، خاصة بعد مقتل باسكال سليمان، منسّق حزب "القوات اللبنانية" في جبيل، في 7 أبريل.

بعد هذا الحادث، "أصدرت سلطات محلية تعاميم تمييزية ضد السوريين"، كما يشير مرصد السكن الذي شهد بحسب تقريره الصادر في 31 يوليو الماضي، ارتفاعا ملحوظاً في عدد بلاغات الإخلاء والتهديد بالإخلاء التي تلقاها من اللاجئين السوريين خلال الأشهر الثلاثة التي تلت 7 أبريل، حيث قفز العدد من 13 بلاغا في الأشهر الثلاثة السابقة إلى 74 بلاغا بعدها.

ويلفت التقرير إلى أن 67 في المئة من إنذارات الإخلاء ترافقت مع ممارسات تعسفية قاسية ضد السوريين، إلى جانب الانتهاكات التي اعتاد المرصد رصدها قبل صدور تعاميم السلطات المحلية، "تضمنت بعض الحالات مصادرة أوراق ثبوتية، كما رفض بعض المالكين تجديد عقود الإيجار لمنع السكان من تسوية أوضاعهم القانونية".

ومن بين هذه الممارسات، برزت حالات "تعسف" من قبل البلديات لاسيما بلديات الشمال "حيث أقدمت بلدية زغرتا على إغلاق البيوت والمباني بالشمع الأحمر، وفي بلدية البترون، تم إغلاق أحد المباني على السكان باستخدام الخشب والجنازير، تلاها عملية إخلاء قسري تخللها تكسير للأثاث والأبواب"، وفق التقرير.

أما في بلدة بطرّام، فقد أوقفت البلدية عددا من السوريين، وأجبرتهم على الوقوف إلى جانب الجدار تحت تهديد السلاح، مما أرعبهم ودفعهم إلى إخلاء المكان بسرعة".

عنصرية وانتهاكات قانونية

الإجراءات التي يتخذها نهرا بحق اللاجئين السوريين "غير قانونية وتجسد عنصرية واضحة"، كما يصف المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، محذرا من خطورة هذه الإجراءات وتداعياتها الإنسانية والقانونية.

صبلوح يعرب في حديث لموقع "الحرة" عن قلقه من عمليات طرد اللاجئين من مخيماتهم في مناطق البترون والكورة، وجمعهم في منطقة واحدة، مشيرا إلى وجود "مخطط خبيث" يستهدفهم.

ويلفت صبلوح إلى أن العديد من اللاجئين يستأجرون المنازل والمحلات بشكل قانوني، ويدفعون الإيجارات مقدما، إلا أنهم يتعرضون للطرد التعسفي وتشميع ممتلكاتهم دون أي إجراءات قانونية.

ويشرح أنه "في الحالات القانونية العادية، يستغرق إصدار حكم قضائي بإخلاء المسكن نحو أربع سنوات، بينما يتم تشميع منازل ومحلات اللاجئين السوريين دون اتباع إجراءات قانونية، وهو ما يعد انتهاكا صارخا للقوانين والاتفاقيات الدولية وأبسط حقوق الإنسان".

ويشير إلى أن "بعض البلديات في الشمال تتبع نهجا عنصريا في التعامل مع اللاجئين، مما يؤدي إلى تصعيد التوتر ودفعهم إلى اللجوء إلى طرق غير شرعية للهجرة، أو الانخراط في أعمال غير قانونية".

ويخلص صبلوح إلى أن "هذه الإجراءات تثبت أن الحكومة اللبنانية تمارس سياسة عنصرية ممنهجة ضد اللاجئين السوريين"، داعيا إلى التدخل العاجل من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية لوقف هذه الانتهاكات وحماية حقوق اللاجئين، ومشددا على وجود طرق بديلة لمعالجة قضيتهم، بعيدا عن التمييز والطرد القسري.

كذلك تؤكد الناشطة الحقوقية، المحامية ديالا شحادة، أن الحملات التي يقوم بها نهرا لترحيل اللاجئين السوريين من شمال لبنان "غير قانونية، واصفة اياها بأنها "اغتصاب للسلطة الإدارية التي تعود حصرا للمديرية العامة للأمن العام".

وتوضح شحادة في حديث لموقع "الحرة" أن "هذه الحملات ذات خلفية سياسية، مبنية على سياسة أعلنتها الحكومة دون أن تدرس مدى قانونيتها على الصعيدين الوطني والدولي".

وتضيف شحادة "هذه الإجراءات لن تسهم في حل مشكلة اللاجئين"، وأن الذين يتم ترحيلهم غالبا ما يعودون إلى لبنان خلسة هربا من الجحيم الإنساني والأمني في مناطقهم بسوريا، داعية لأهمية التوصل إلى حل سياسي "يتحمل فيه النظام السوري والمجتمع الدولي الدور الأكبر فيه".

فيدرالية مقنّعة؟

وأعرب نائب الشمال، إيهاب مطر، عن استيائه البالغ إزاء بعض المواقف والقرارات التي وصفها بأنها "ملفتة بالمعنى السلبي" ومثيرة للريبة في توقيتها، مشيرا إلى أن الهدف من هذه القرارات هو تمريرها دون معارضة تذكر.

وفي بيان أصدره، في السابع من أغسطس، انتقد مطر تعميما صادرا عن المحافظ نهرا، تضمن ثلاثة قرارات تقضي بإخلاء السوريين غير الشرعيين من ثلاث بلدات في قضاء الكورة، حيث وصف هذه القرارات بأنها "غريبة وعجيبة"، مشيرا إلى أنها تعكس "ملامح المناطقية والطائفية والعنصرية وسوء الإدارة والتفرد"، مؤكدا افتقارها إلى النظرة الوطنية الشاملة.

وانتقد مطر ما أسماه "الفيدرالية المقنّعة" في التعامل مع هذا الملف، معربا عن رفضه للقرارات المتفرقة التي تهدف إلى ترحيل اللاجئين من مناطق لبنانية معينة ودفعهم للتجمع في مناطق أخرى، واصفا هذه الإجراءات بأنها تنبع من "سياق عنصري مذهبي" من شأنه مفاقمة الأزمة بدلا من حلها.

ودعا مطر رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، إلى التدخل ومراجعة هذه القرارات، محذرا من أن "الشيطان يكمن في تفاصيلها وأهدافها"، ومؤكدا أنه "لا يمكن تمريرها".

كما أعرب عن دعمه لضرورة وضع خطة شاملة للتعامل مع ملف اللجوء السوري، تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والإنسانية، إلى جانب الاعتبارات السياسية والأمنية.

وفي اتصال أجراه موقع "الحرة" مع المحافظ نهرا، نفى أن تكون التعاميم التي يصدرها ذات خلفيات سياسية، حزبية، طائفية، أو تشكل نوعاً من الفيدرالية المقنعة، مؤكداً أن "هذه التعاميم تأتي في إطار تطبيق قرارات الحكومة اللبنانية ووزارة الداخلية والبلديات المتعلقة بتنظيم وجود السوريين في البلاد".

ويشير نهرا إلى أن "البلديات، بصفتها سلطة محلية، تتحمل مسؤولية تنظيم الوجود السوري ضمن نطاقها الجغرافي، وهي تطلب مني مؤازرة أمنية لتنفيذ هذه المهام، وأنا أوافق على تقديم الدعم اللازم لتحقيق ذلك".

وسبق أن أكد مركز "وصول" لحقوق الانسان، أن سوريا لم تبلغ حالة من الأمان المناسب لعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية، "حيث انهار الاقتصاد جراء النزاع القائم في البلاد، وتدمرت العديد من البنى التحتية والمرافق العامة والأبنية السكنية، من دون أي ملامح واضحة حول توقيت إعمارها بتنسيق دولي".

ونتيجة لذلك، يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان في سوريا تحت فقر مدقع، بحسب "وصول" فضلا عن "استمرار الأعمال العدائية في بعض المناطق، والاعتقالات التعسفية من قبل مختلف أطراف النزاع، على رأسهم الحكومة السورية، حيث يتهم ضباط المخابرات السورية اللاجئين العائدين إلى بلادهم بعدم الولاء أو مشاركتهم بأعمال إرهابية أو إجبارهم على تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، وهذا استهداف واضح بسبب قرارهم بالفرار من سوريا خوفا على حياتهم من النزاع المسلح".
 

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.