كان محمد هشام عبيه على موعدٍ مع نجاحٌ ساحق في رمضان الفائت، بعدما استحوذ مسلسل "بطلوع الروح" الذي كتبه على اهتمام المشاهدين، ونال أغلبية ساحقة من حيّز نقاشاتهم المؤيدة أو المعارضة.
دخل عبيه دنيا الفن عبر بوابة الصحافة التي احترفها عام 2004م، ونال جائزة نقابة الصحافيين 3 مرات متتالية. عمل مُساعدًا لرئيس تحرير جريدة "التحرير" ثم رئيسًا لتحرير جريدة "اليوم الجديد".
شارك في كتابة 9 مسلسلات كعضو فريق كتابة، قبل أن يقرّر تقديم الأعمال منفردًا منذ العام الماضي الذي شهد ظور عمله الأول "60 دقيقة".
رمضان الماضي كان شاهدًا على عمله الدرامي الأهم في مسيرته، وهو مسلسل "بطلوع الروح" الذي عاشت بطلته في الرقة عاصمة دولة "داعش". وعبر تجربة البطلة كشف عبيه الكثير من السلوكيات الإجرامية لهذا التنظيم المتطرّف.
"ارفع صوتك" حاور عبيه لمعرفة المزيد عن هذه التجربة التي أثارت جدلاً حاميًا منذ رمضان، ربما لا تزال آثاره مستمرّة حتى اليوم، وللتعرف أكثر عن تفاصيل تلك التجربة وعوالمها الخفية.
♦ هل السيناريو بالكامل الذي كتبتَه تمَّ تنفيذه؟
ما أُذيع على الشاشة هو 9.5 حلقة من إجمالي 13 حلقة أنهيتُ كتابتها من المسلسل. للأسف لم نتمكّن من تصوير باقي الحلقات بسبب ضيق الوقت ومداهمة رمضان لنا. الأجزاء التي لم يتم تصويرها هي الخاصة بمخيم اللاجئين الذي أقامته القوات الكردية لنساء وأطفال داعش، والذي كان مقررًا أن يشهد نهاية العمل.
أما إن كنت تقصد أن تعديلات ما أجريت على السيناريو المكتوب فهو لم يحدث، وذلك لأن السيناريو الختامي انتهيتُ منه عقب عقد جلسات مطوّلة مع المخرجة كاملة أبو ذكرى تطلّبت مني إعادة كتابة المسلسل 5 مرات تقريبًا حتى وصل العمل إلى شكلٍ نحن راضون عنه، وبعدها بدأنا في التصوير.
♦ ماهي النهاية الأصلية التي كتبتها للمسلسل؟
بعد وصول "روح" إلى المسلسل كانت ستقضي عدة أيام في المخيّم قبل أن يساعدها أحد الأشخاص على الهرب. كانت النهاية ستكون مفتوحة؛ مجرّد نجاح روح في الهروب أخيرًا. لكن بسبب ضيق الوقت وعدم إمكانية تصوير العمل كاملاً، اضطررنا لتغيير النهاية فتوقّف العمل عند وصول "روح" إلى حدود مدينة الرقة.
♦ لاحقتكم الانتقادات قبل حتى أن يُعرض العمل على الشاشات. هل تدلُّ هذه الانتقادات على أن روحًا متطرفة تنتشر في المجتمعات العربية؟
للأسف نعم، وهذا نمط لا يقتصر فقط على استقبال "بطلوع الروح". فالسوشيال ميديا أتاحت فرصة "إبداء الرأي المجاني" حتى لو كان مضادًا لأساسيات إنسانية مثل احترام الموت أو احترام الأديان الأخرى أو رفض القتل. وهو ما يجعلنا نشاهد "آراءً مرعبة" مثل التعليقات الكثيفة التي لاحقت وفاة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، والتي أثارت جدلاً غريبًا بسبب إصرار بعض المسلمين على عدم جواز الترحّم عليها لأنها مسيحية!
هذا الاستقبال وغيره يُظهر لك أن ما تعرّض له "بطلوع الروح" طبيعي جدًا ومتسق مع ما نراه في مجتمعاتنا العربية هذه الأيام.
♦ لكن برغم هذا "الزخم الهجومي" حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا، كيف تفسّر هذا التناقض؟
في النهاية، الغرض من مثل هذه الحملات ليس إفشال الأعمال أو منع المشاهدين من متابعتها، وإنما الغرض الرئيسي منها هو التشويه، الهدف الأساسي من كل هذا الهجوم هو تشويه كل الشخصيات التي شاركت في هذه الأعمال، ولعل عسى تتحقق النتيجة في المستقبل لو لم تحدث هذه الأيام.
حالات التشويه المتتالي للرموز الثقافية والفنية تزرع في عقول البُسطاء أن هذه الشخصيات ضد الدين حتى لو كان لا يُتابع أعمالهم ولا يعرف عنها شيئًا.
#بطلوع_الروح 🙏🏼 pic.twitter.com/b9DGKAAzVp
— Ahmed L Saadany (@AhmedLSaadany) March 31, 2022
صحيح أن أصحاب الهجوم الذين كالوا الانتقادات للمسلسل دعوا إلى "رفض سِلمي" للعمل، وهو مقاطعته وعدم مشاهدته، لكنّك لا تضمن أن الملايين التي تتغذّى على هذه الحملات لن يتأثر واحدٌ منهم ويحاول التعبير عن رفضه لهذا العمل بشكلٍ عنيف لاحقًا.
سأضرب لك مثالاً بما حدث مع فرج فودة ونجيب محفوظ، وهنا أنا لا أُقارن نفسي بهم لكنّي أضرب بهم المثل في "حالة تشويه رموز ثقافية". هذا الرمزان تعرّضا لتشويهٍ متتالٍ أودى بحياة الأول وكاد أن يقضي على الثاني بعدما هُوجما من "مواطنين عاديين" أقنعهم البعض أن فودة ومحفوظ ضد الدين.
♦ بهذه المناسبة، عادةً ما يُلاحِق أي عمل عربي يُناقش قضية التطرُّف الإسلامي سؤالٌ قد يبدو منطقيًا: لماذا تتكلّمون عن الإسلام تحديدًا ولا تتحدثون عن تنظيمات متطرفة مسيحية مثلاً؟
ببساطة لأني مُسلم، وأعيش في هذه المنطقة فلماذا أتحدث عن مشاكل الآخرين. وأنا دائمًا أرى أننا الأولى بمناقشة وحلِّ مسألة داعش وليس الآخرين. فلا يُعقل أن تنتج أميركا ودول غربية أخرى أفلامًا عن داعش ونحن نتفرّج! لأنّهم مهما كانوا دقيقين، فستشعر أن أعمالهم ينقصها شيءٌ ما. مثل الأفلام التي تُنتجها هوليوود عن مصر تجد فيها لمسة استشراقية ما؛ لا بد من جمل وصحراء وخيام، وهي مشاهد لم تعد شائعة في مصر بالأساس.
وبالمثل، أنا في هذه القضية "صاحب شأن"، وصاحب الشأن أولى وأقدر بالتعبير عن قضيته وأزماته من الآخرين.
وبالمناسبة، أنا أعمل الآن على مشروعٍ مع مخرجة مسيحية عن فيلم يتعلّق بأزمة مسيحية. وهنا أقصد أنني أعمل في جميع الأحوال على أي فكرة درامية أتحمّس لها، سواء أكان أبطالها مسيحيين أم مسلمين.
فلو كان تنظيمًا مسيحيًا متطرفًا بدلاً من داعش، وارتكب نفس الجرائم في منطقتنا وأثار كل هذا الجدل والاهتمام كنت سأكتب عنه ذات العمل.
♦ أحد الانتقادات التي وُجهت للعمل هو عدم عرضه شخصيات "إسلامية وسطية" تصنع توازنًا مع عرض متطرفي داعش، لنخرج من المسلسل برسالة أن ليس كل المسلمين كمسلحي داعش، فما رأيك؟
إذا أردتَ التعبير عن الشخص "الإسلامي الوسطي" ليس بالضرورة أن تكون شيخًا يرتدي عمامة. الإسلام الوسطي يُمارسه أي شخص مسلم، وهو ما أظهرناه في عددٍ من النماذج مثل مُصفِّفة الشعر التي ساعدت "روح" وابنها، وهي ليست شيخة جامع لكنها تمتلك فِطرة إنسانية سوية دفعتها لمعاونة الآخرين.
ثم إنني لا أعتقد أن الحياة الحقيقية ليس بالضرورة أن تقدّم لكَ الوجه الخشن والوجه الناعم معًا في ذات الحيّز، في حياتك قد تُواجه الوجه الخشن لسنواتٍ طويلة ثم يتغيّر الأمر بعدها، وقد يكون العكس هو الصحيح. وبما إن الدراما شكل من أشكال انعكاس حياتنا فليس بالضرورة أن أصنع تلك "الخلطة الوسطية المتوازنة" كي أُرضِي المنتقدين.
♦ اتُّهم أيضًا المسلسل بأنه يسير على خطى الدولة المصرية في حربها ضد الإسلاميين المتطرفين. وهو ما يدفعنا للتساؤل هل حظي هذا العمل بدعمٍ حكومي؟
العمل تم تصويره بالكامل خارج مصر. المُنتِج لبناني، لم نحصل على أي ترخيص أو موافقة من أي جهة مصرية على العمل قبل تصويره.
تعرّض أحد العاملين بشركة الإنتاج إلى الخطف خلال تصوير العمل، هل كان هذا الحادث له علاقة بمحتوى المسلسل؟ وهل تلقيتَ شخصيًا أي تهديدات بعد العمل؟
أغلب الظن لا، لأن المُحاسب الذي جرى اختطافه كان يحتفظ بأموالٍ بحوزته للإنفاق على التصوير، وتعرّض لعملية سطو على أيدي عصابة إجرامية لا علاقة لها بأي تنظيم ديني متطرّف.
أما فيما يخصّني، فعدا التعليقات الهجومية على منشورات المسلسل وضد كل العاملين فيه وليس أنا وحدي، فلم أتلقَ تهديدًا آخر.
♦ تستعين بطبيب نفسي خلال كتابتك لأعمالك، فماذا يُضيف لك؟
هذا يتوقّف على نوع المشروع. في مسلسلي السابق "60 دقيقة" كان البطل طبيبًا نفسيًا لذا كانت الاستعانة بطبيب نفسي حتمية خلال كافة مراحل كتابة العمل. أما في مسلسل "بطلوع الروح"، فنظمتُ عدة جلسات مع الطبيب النفسي ليُساعدني في بناء الشخصيات، ثم اجتمع بعدها مع الممثلين والمخرجة في مراحل متقدمة من العمل ليشرح لهم بعض الدوافع النفسية في مكمون الشخصيات.
وأنا في رأيي، أعتبر أن وجود الطبيب النفسي ضروريا للغاية خلال تصوير أي عمل، لأن كل السلوكيات التي تحرّك الأبطال مرجعها الأساسي نفسي سواءً في الحياة أو في الدراما لذا نحن بحاجة إلى "متخصص" يقيّم خطوطنا الدرامية ويضعها في مسارها الصحيح.
♦ لا بد من تبعات للنجاح الساحق للمسلسل، هل آن الأوان لخروج أعمال تعبّر بوضوح عن أفكارك؟
طبعًا، أنا قضيت 5 سنوات أعمل في ورش درامية أكتب فقط فيما يُعرض عليّ من فُرص، ولا أكتب ما أُريد من أفعله. في أوقاتٍ كثيرة كانت الفرص التي تأتيني مناسبة لي لكني في النهاية أكون مجرد طرف من ضمن أطراف أخرى تشاركني الكتابة، لذا لا أتمكن من التعبير عن كل ما أريد بوضوح.
الآن، باتت لديّ القُدرة على اقتراح مشاريع خاصة بي تحمل اسمي وفِكري، مثل "60 دقيقة" و"بطلوع الروح"، وهما أول مشروعان لي يحملان أفكاري وهمومي الخاصة.
وبعد نجاح العملين، باتت هناك مساحة من الثقة مع المنتجين لتقبُّل أفكاري وباتوا أكثر إيمانًا أنني قادر على كتابة أعمالٍ جيدة.
♦ سؤالي الأخير، ما هو مصير شخصية "روح" الحقيقية التي ألهمتك بكتابة العمل؟
حتى الآن، لا تزال "روح الحقيقية" تعيش داخل المخيم الذي أقامه الأكراد لزوجات رجال داعش، وتجري حاليًا محاولات لإعادتها لمصر رغم تعقيد موقفها بعدما صُنِّفت على أنها داعشية لمجرد عيشها في دولتهم ولو مُكرهة. المسلسل قد يكون لعب دورًا في في حل قضيتها بعدما شُوهِد داخل المخيم نفسه، وهو جزء من حماسي للمشروع، لأنني مشغول جدًا بضحايا هذا المخيم سواء من النساء اللائي غُرر بهن أو حتى بالمذنبات.
وأنا أتمنّى أن تُعالج هذه القضية بشكل مختلف من الحكومات العربية؛ فبدلاً من تجميد نساء يحملن جنسيات 60 دولة حول العالم، بصحبة أبنائهن في المخيمات، يُمكن إخضاعهن لمحاكمة دولية مثلاً -لأنها مُشكلة عالمية بالأساس- إما أن تنتهي بإدانتهن بالسجن أو يحصلن على البراءة فيعدن إلى بلادهن، أما إبقاء هذا الوضع على ماهو عليه فهو سيحوّل المخيم إلى "قنبلة" قد تنفجر في وجوهنا في يومٍ من الأيام.