سيارات شرطة مكافحة الشغب تسير في أحد شوارع طهران. أرشيف
سيارات شرطة مكافحة الشغب تسير في أحد شوارع طهران. أرشيف

يواجه حكام إيران من رجال الدين أكبر احتجاجات منذ سنوات، بعد وفاة الشابة الإيرانية الكردية، مهسا أميني (22 عاما)، الشهر الماضي، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق التي تطبق قواعد صارمة فيما يتعلق بملابس المرأة.

وتفاقمت الحركة الاحتجاجية وشملت الكثير من المحافظات الإيرانية، وتخللها مواجهات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. وأفادت "منظمة حقوق الإنسان في إيران" التي تتخذ من أوسلو مقرا، بمقتل 108 أشخاص على الأقل في حملة قمع الاحتجاجات. وفيما يلي تسلسل زمني للأحداث منذ اعتقال أميني:

13 سبتمبر - اعتقلت شرطة الأخلاق في طهران، مهسا أميني، وهي من إقليم كردستان الإيراني بسبب "ملابسها غير اللائقة".

في 15 سبتمبر، أفاد ناشطون حقوقيون بأن أميني دخلت في غيبوبة بعد يومين من توقيفها في طهران، وأكدت شرطة طهران أن الشابة "تعرضت لنوبة قلبية".

وطلب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي فتح تحقيق.

16 سبتمبر - توفيت أميني، وتقول الشرطة إنها أصيبت بنوبة قلبية بعد اقتيادها لمركز شرطة "لتقويمها". وتنفي عائلتها معاناة ابنتهم من أي مشكلات في القلب. وقال والدها لاحقا إنها أصيبت بكدمات في ساقيها ويتهم الشرطة بالمسؤولية عن وفاتها. وتبدأ الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع.

17 سبتمبر - اندلعت احتجاجات خلال جنازة أميني في "سقز" مسقط رأسها في كردستان. قوات الأمن تطلق الغاز المسيل للدموع. الاحتجاجات تمتد إلى عاصمة الإقليم. تُسمع هتافات "الموت للديكتاتور" وبعض النساء يخلعن الحجاب.

18 سبتمبر - انتشار المظاهرات. المئات يتجمعون حول جامعة طهران ويهتفون "المرأة، الحياة، الحرية".

19 سبتمبر - الاحتجاجات تشتد حدتها في رشت ومشهد وأصفهان وطهران واندلاع مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين.

20 سبتمبر - قال أحد مساعدي المرشد الأعلى، علي خامنئي، إنه زار عائلة أميني لتقديم التعازي وإن خامنئي تألم لوفاتها. مسؤول يتهم جماعات وصفها بالإرهابية بالمسؤولية عن سقوط قتلى في كردستان.

وأكد حاكم محافظة كردستان إيران، ما ذكرته جماعة هنكاو الكردية لحقوق الإنسان، بسقوط ثلاثة قتلى عندما فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين الغاضبين.

وانتقد برلماني إيراني في موقف غير معتاد "شرطة الأخلاق" التي "لا تحقق أي نتيجة سوى إلحاق الضرر بالبلاد".

21 سبتمبر - السلطات تقيد استخدام تطبيقي إنستغرام وواتساب. ومصادر رسمية تؤكد مقتل ثمانية في الاضطرابات بينهم شرطي وعضو في ميليشيا الباسيج.

22 سبتمبر - متظاهرون في طهران وعدة مدن أخرى يشعلون النار في مراكز وعربات للشرطة. رئيسي يقول إن "أعمال الفوضى" غير مقبولة. الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شرطة الأخلاق في طهران.

وتوسعت التظاهرات إلى نحو خمس عشرة مدينة. وأعلنت واشنطن فرض عقوبات اقتصادية تستهدف شرطة الأخلاق وعددا من المسؤولين الأمنيين. وكذلك فرضت كندا وبريطانيا عقوبات على مسؤولين إيرانيين.

23 سبتمبر - الدولة تنظم مسيرات في عدة مدن يطالب المشاركون فيها بإعدام المحتجين. والجيش يتعهد "بمواجهة مؤامرات الأعداء المختلفة". والتلفزيون الرسمي يقول إن عدد القتلى 35.

وبناء على دعوة السلطات، تظاهر آلاف الأشخاص دفاعا عن ارتداء الحجاب.

24 سبتمبر - بعد اتهام معارضين إيرانيين مسلحين بأن لهم دور في الاضطرابات، نفذ الحرس الثوري أول هجوم من عدة هجمات على قواعد للمعارضة الإيرانية المسلحة في المنطقة الكردية بشمال العراق. رئيسي يقول إن إيران يجب أن تتعامل بحزم مع الاحتجاجات. والتلفزيون الرسمي يقول إن عدد القتلى 41.

25 سبتمبر - دعا الرئيس، إبراهيم رئيسي، القوات الأمنية إلى الرد "بحزم" على المتظاهرين. وهدد رئيس السلطة القضائية بـ"عدم التساهل".

26 سبتمبر، أعلنت السلطات أنها أوقفت أكثر من 1200 شخص وصفتهم بأنهم "مثيرو شغب". وأشارت منظمات غير حكومية إلى أن من بينهم ناشطين ومحامين وصحفيين. ودعت الأمم المتحدة طهران "إلى ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس".

27 سبتمبر - مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في عشرات المدن. ورغم حملة القمع استمرت وسائل التواصل الاجتماعي من داخل إيران في عرض لقطات للمتظاهرين وهم يهتفون "المرأة، الحياة، الحرية"، ونساء يلوحن ويحرقن الحجاب.

28 سبتمبر - تقدّمت أسرة مهسا أميني بشكوى ضد "المسؤولين عن توقيفها". وأعلنت السلطات توقيف عدد من الأجانب على صلة بالاحتجاجات، بحسب تعبيرها.

30 سبتمبر - التلفزيون الرسمي يقول إن مسلحين أطلقوا النار على مركز للشرطة في مدينة زاهدان بجنوب شرق البلاد مما أدى إلى تبادل لإطلاق النار. التلفزيون الرسمي يقول 19 شخصا قتلوا. والحرس الثوري يقول إن أربعة من قواته وقوات الباسيج قتلوا. منظمة العفو الدولية تقول في وقت لاحق إن قوات الأمن قتلت 66 شخصا، بينهم أطفال، في أكثر الأيام دموية منذ بدء الاحتجاجات.

2 أكتوبر، اندلعت أحداث عنف بين القوات الأمنية وطلاب في جامعة "شريف" للتكنولوجيا، التي تعد الأبرز في المجال العلمي في البلاد. 

3 أكتوبر - في أول تصريحاته بشأن الاضطرابات يدعم المرشد علي خامنئي قوات الأمن. ويقول إن وفاة أميني "فطرت قلبي بشدة" ووصفها بأنها "حادثة مريرة" أثارها أعداء إيران. وفي تحد لتحذيره، هتف إيرانيون في عدة مدن "نريد تغيير النظام" و"الموت لخامنئي".

6 أكتوبر - قالت منظمة العفو الدولية إن ما لا يقل عن 82 شخصا لقوا حتفهم، خلال قمع الشرطة الإيرانية للتظاهرات في مدينة زاهدان بمحافظة سيستان بلوشستان في جنوب شرق البلاد.

وأضافت المنظمة أن قوات الأمن الإيرانية قتلت في شكل غير قانوني ما لا يقل عن 66 شخصا بينهم أطفال، وأصابت مئات آخرين بجروح بعدما أطلقت النار على متظاهرين وعابرين ومصلين، موضحة أنه مذاك، قتل 16 شخصا آخرين في حوادث منفصلة في زاهدان في إطار القمع المستمر لهذه التظاهرات.

وأعلنت الولايات المتحدة عن فرض عقوبات اقتصادية على سبعة مسؤولين إيرانيين، لدورهم في القمع الدامي للتظاهرات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني.

وأورد بيان لوزارة الخزانة أن وزير الداخلية، أحمد وحيدي، "أداة النظام الرئيسية في عملية القمع" ووزير الاتصالات، عيسى زارع بور، "المسؤول عن المحاولة المخزية لتعطيل الإنترنت" من بين الأفراد الذين شملتهم العقوبات.

7 أكتوبر - أفاد تقرير طبي نشرته إيران بأن وفاة مهسا أميني نجمت عن مرض في المخ ولم يكن سببها التعرض للضرب. 

ونفت السلطات أنباء عن قيام قوات الأمن بقتل فتاة تبلغ من العمر 16 عاما، قائلة إنها انتحرت. وهذه هي المرة الثانية خلال أسبوع التي يقولون فيها إن فتاة مراهقة ماتت جراء السقوط من على سطح.

8 أكتوبر - طالبات يهتفن "أغرب عن وجهنا" خلال زيارة رئيسي لحرم جامعتهن في طهران.

وقامت مجموعة مؤيدة للاحتجاجات بقرصنة قناة تلفزيونية حكومية وبثت رسالة معادية لخامنئي.

ووثق نشطاء اختراق التلفزيون الإيراني من قبل مجموعة تدعى "عدالة علي" وذلك ضمن حركة الاحتجاجات الشعبية.

10 أكتوبر - الاحتجاجات تمتد إلى قطاع الطاقة الإيراني، وفقا لتقارير على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر عمال مصافي نفط عبادان وكانجان ومشروع بوشهر للبتروكيماويات يتظاهرون.

وامتدت الاحتجاجات إلى قطاع النفط، مع إضرابات وتجمعات في مصنع عسلوية للبتروكيماويات في جنوب غرب البلاد وبوشهر في الجنوب، وفق "منظمة حقوق الإنسان في إيران". 

12 أكتوبر - انضم محامون إلى التحرك، ورفعوا شعار المتظاهرين "المرأة، الحياة، الحرية" في طهران. 

كما اتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 على فرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين ضالعين في أعمال القمع.

13 أكتوبر - انتشار أعضاء من ميليشيا الباسيج، وهي قوات تكون عادة في الطليعة لقمع الاضطرابات الشعبية، في المناطق الكردية حيث قتل سبعة أشخاص في الاحتجاجات.

في 16 أكتوبر، بعد يوم آخر من الحراك الاحتجاجي، اندلعت اضطرابات وحريق في سجن إوين في طهران، بينما أفادت حصيلة رسمية عن إصابة ثمانية أشخاص بجروح. 

ويشتهر السجن الواقع في شمال طهران بإساءة معاملة السجناء ويضم سجناء سياسيين وأجانب. وأفادت تقارير أن المئات ممن اعتقلوا خلال التظاهرات أودعوا فيه.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".