يُقدر عدد الجيش النظامي بنحو 350 ألف جندي، في حين يبلغ عدد الحرس الثوري 125 ألف جندي.
يُقدر عدد الجيش النظامي بنحو 350 ألف جندي، في حين يبلغ عدد الحرس الثوري 125 ألف جندي.

يُمثّل "التقليص العسكري" الذي بدأته إيران في سوريا وكشفت وكالة "رويترز" تفاصيله "تحولا" كما يرى مراقبون وخبراء، لكنه لا يعني بالضرورة الانسحاب الكامل أو تغيير الاستراتيجية والتكتيكات في المنطقة التي ثبت فيها "الحرس الثوري" موطئ قدم منذ 2012.

الوكالة نقلت عن 5 مصادر مطلعة، الخميس، قولها إن الحرس الثوري "قلّص نشر كبار ضباطه في سوريا بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية"، وأوضحت أنه "سيعتمد أكثر على فصائل شيعية للحفاظ على نفوذه هناك". 

وبينما أضافت أن إيران "ليست لديها نية للانسحاب من سوريا"، فإن إعادة التفكير تسلط الضوء على كيفية تكشف العواقب الإقليمية للحرب التي أشعلها هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.

على مدى الأيام الماضية غادر "كبار القادة الإيرانيين سوريا، مع عشرات الضباط متوسطي الرتب"، حسب قول أحد المصادر وهو مسؤول أمني إقليمي كبير، واصفا ذلك بـ"تقليص الوجود".

وأشارت 3 مصادر أخرى إلى أن "الحرس الثوري" أعرب عن مخاوفه للنظام السوري، من أن "تسرب المعلومات من داخل قوات الأمن السورية لعب دورا في الضربات القاتلة الأخيرة".

"تطورات قبل التقليص" 

ويأتي تقرير "التقليص العسكري" على مستوى كبار القادة الإيرانيين في سوريا بعدما تلقى "الحرس الثوري" سلسلة ضربات نسبت لإسرائيل.

وأدت الضربات إلى مقتل قياديين كبار، أبرزهم الجنرال البارز رضي موسوي في منطقة السيدة زينب و"مسؤول استخبارات الحرس في سوريا"، صادق أوميد زاده في منطقة المزة فيلات غربية.

وتتزامن المعلومات أيضا، والتي لم تؤكدها دمشق وطهران حتى الآن، مع حالة ترقب حول طبيعة الضربة التي ستوجهها الولايات المتحدة الأميركية، ردا على مقتل 3 جنود بهجوم استهدف "البرج 22" في الأردن.

يعود تاريخ الانتشار الإيراني في سوريا إلى العام الثاني من انطلاقة الثورة السورية بعد عام 2011.

وفي ذلك الوقت زجّ "الحرس الثوري" بميليشيات وكما يصفهم بـ"المستشارين"، من أجل منع نظام الرئيس بشار الأسد من السقوط.

وبينما تولت الميليشيات مهاما عسكرية وأمنية إلى جانب قوات النظام السوري، دائما ما توضح مراكز أبحاث غربية وسورية أن "القرار" كان يصدر من قبل ضباط كبار، قسم منهم يقيم داخل البلاد والآخر يأتي ويعود في إطار زيارات غير معلنة.

ويوضح الباحث الأمني الإيراني، حميد رضا عزيزي أن التدخل الإيراني المباشر في سوريا اقتصر خلال السنوات القليلة الماضية "على مستوى القادة وكبار الضباط"، وأن "هؤلاء تولوا مسؤولية تنسيق القوات".

وفي المقابل اعتمد النفوذ بشكل أساسي على الوكلاء غير الإيرانيين والميليشيات المتحالفة معها، وحتى أنه ومنذ عام 2020 زاد دور "حزب الله" بشكل ملحوظ، لدرجة تعادل تقريبا دور الحرس الثوري نفسه.

يعتقد رضا عزيزي وهو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (swp) أن طهران من المرجح أنها "تنوي إبقاء القادة بعيدا عن متناول إسرائيل حتى يتم تحديد مصدر تسريب أماكن تواجدهم".

ويعتقد أيضا في حديثه لموقع "الحرة" أن قرار التقليص إن صح لا يمكن فصله عن التوترات المتزايدة بين الميليشيات المدعومة من إيران والولايات المتحدة. 

وبينما يبدو الرد الأميركي على مقتل ثلاثة من جنودها وشيكا ربما اختارت إيران كخطوة احترازية سحب ضباطها الرئيسيين من المنطقة، وفق رضا عزيزي ويتوقع أيضا أن "يمتد القرار إلى ما هو أبعد من سوريا".

"الهدف مختلف"

وفي ذات التقرير الذي نشرته رويترز قال مصدر مطلع على العمليات الإيرانية في سوريا إن الضربات الإسرائيلية الدقيقة دفعت الحرس الثوري إلى "نقل مواقع العمليات ومساكن الضباط، وسط مخاوف من حدوث خرق استخباراتي". 

وأضافت مصادر أخرى أن الحرس الثوري "يجند مرة أخرى مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان للانتشار في سوريا، في تكرار لمراحل سابقة من الحرب عندما لعبت الفصائل الشيعية دورا في تحويل دفة الصراع".

وبينما لا يستبعد الباحث في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي صحة تقرير "التقليص العسكري" بناء على وقائع مفروضة يشير إلى أن "الهدف الإيراني مختلف".

البازي يقول لموقع "الحرة" إن "إيران تعمل على إخراج كبار ضباطها كي لا يتم استهدافهم من قبل الولايات المتحدة الأميركية على إثر مقتل الجنود" في قاعدة البرج 22 بالأردن.

ويؤكد أن قرار التقليص لا يعني الانسحاب، كون "إيران تنظر إلى سوريا كبعد استراتيجي في المواجهة الأوسع مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا يسلتزم تواجدا على الأرض لربط الحدود العراقية بالسورية وصولا إلى لبنان".

بالإضافة إلى ذلك تَعتبر إيران بأن أي انسحاب من سوريا يعني ملء الفراغ الذي ستتركه عبر فاعلين آخرين مثل روسيا أو الدول العربية، وفق الباحث، ولذلك "تتواجد بشكل فعال كي تتحكم بسير الأمور".

ومنذ تدخلها لمنع سقوط بشار الأسد في سوريا تكبدت إيران على أقل التقديرات 30 مليار دولار في سوريا.

ويسلتزم ما سبق بقاءها على الأرض كي تحصّل جزءا من هذه الخسائر، كما يضيف الباحث.

ويشير إلى أن "التواجد الإيراني في سوريا هو مشروع متكامل (ثقافي سياسي وديني) ولا ينحصر في المجال العسكري"، وأن "هناك تفاعلا على الأرض بين جميع المكونات السابقة".

"نزع فتيل توتر"

وتعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن قبل يومين برد من المحتمل أن يتخذ أشكالا "عدة"، وفي وقت قال إنه يحمل إيران "المسؤولية" عن تزويد الأسلحة للأشخاص الذين شنوا الهجوم على "البرج 22".

ولا يعرف حتى الآن توقيت الضربة والساحة التي ستكون فيها، وهو ما أثار إرباكا داخل صفوف الميليشيات الإيرانية في سوريا، حسب ما يقول مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، رامي عبد الرحمن.

عبد الرحمن تحدث لموقع "الحرة" عن "أوامر صدرت للميليشات الموالية لإيران في سوريا، بمنع استهداف القواعد الأميركية"، وأن "أي خرق سيكون تحت طائلة المسؤولية والعقوبة".

ويعتقد مدير المرصد أن "الخطوة بمثابة عملية تنصل وسحب فتيل التوتر مع الولايات المتحدة"، ويضيف أنهم رصدوا خروج ضباط إيرانيين "لا يتجاوز عددهم أصابع اليد"، وكانت وجهة قسم منهم من دير الزور إلى دمشق.

ويرى الباحث البازي أن ما حدث بالنسبة للبرج 22 "أثبت بأن العلاقة بين إيران ووكلاءها معقدة، بمعنى بأن الوكلاء قد يقدمون على تصرفات قد تكون تخالف السياسات الكلية لإيران".

وترسل الضربة أيضا "رسالة بأنه حتى لو خرجتم من سوريا والعراق فسوف نستهدفكم في باقي القواعد وهذا ما تخالفه طهران حيث ترى الأولوية لإخراجهم من سوريا والعراق أولا".

ولذلك يعتقد البازي أن "طهران ضغطت بقوة على الجماعات العراقية لإصدار بيان بتوقف العمليات ضد القوات الأميركية، وهذا يأتي كذلك بمحاولات عدم توسيع الصراع".

"تكتيكية ومؤقتة"

وتعتبر محافظة دير الزور ومدينة البوكمال الحدودية نقطة التمركز الأبرز للميليشيات، التي تدعمها إيران في سوريا.

وفي المقابل تشكّل دمشق قاعدة أساسية لكبار الضباط الإيرانيين الذين يتولون عملية التنسيق والتنظيم، وهو ما كشفته سلسلة الضربات التي نسبت جميعها إلى إسرائيل.

ويوضح الباحث الأمني في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان أن إيران وفي حال بدأت بالفعل بسحب جنرالاتها من سوريا "ستتجه إلى إعطاء الأدوار الأكبر للميلشيات الأجنبية وليست المحلية".

ولا توجد ثقة للحرس الثوري بالميليشيات المحلية، كما يقول شعبان لموقع "الحرة"، ويستبعد أن يتوقف الأخير عن إجراء الزيارات الطارئة لضباطه إلى سوريا، مع ترجيحه فكرة أن تكون في "جغرافيا مؤمنة".

الباحث يتوقع أن "يزيد إجراء التقليص العسكري من حدوث خلل تنظيمي وإداري فيما يتعلق بهيكلة العمل الموجودة في سوريا".

ويضيف أنه "قد نرى خلافات بين الميليشيات الأجنبية والمحلية، وقيادات الأولى مع النظام السوري"، ويرهن الحدة بـ"الوتيرة التي ستكون عليها الزيارات الدورية وما إذا كانت ستخف أو تنقطع".

بدوره يبدو للباحث رضا عزيزي أن "التحولات الأخيرة في انتشار القوات الإيرانية في سوريا هي في الأساس ذات طبيعة تكتيكية ومؤقتة".

وقد أبرزت التطورات الناجمة عن حرب غزة بالفعل حاجة طهران إلى إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية ونشر قواتها في المنطقة، كما يشير الباحث، ويضيف أنها "انتقلت الآن من الموقف الهجومي إلى الموقف الدفاعي".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".