إرفع صوتك
إرفع صوتك

مشاركة من صديق (إرفع صوتك) أكرم زكي يحيى*:

لا وجود للتعارض بين العلمانية والإيمان، بل التعارض هو بين العلمانية والدين. فالعلمانية هي قضية إجرائية تعنى بتحقيق قيم عالمية (أخلاق كونية) تهتم بتأسيس التعايش المدني السلمي بين مكونات المجتمعات التي تختلف فيما بينها بانتماءاتها الدينية والقومية والمذهبية، بحيث تحفظ للجميع حقوقهم كمواطنين في بلدانهم، وكبشر على الكرة الارضية.

كما تعرّفهم بواجباتهم تجاه إنسانيتهم وحقهم في الحرية والمساواة، مع احتفاظهم باعتقاداتهم الدينية كقناعات شخصية. وهذا الفهم للعلمانية لا يتعارض مع الإيمان حيث يمكن لكل فرد في المجتمع العلماني أن يكون مؤمناً، لكن من دون أن يفرض إيمانه على الآخرين.

وهنا يظهر التعارض مع الدين باعتباره منظومة قيم وقواعد متكاملة (سلوك وحياة ودولة) تدعي امتلاك الحقيقة الإلهية وهذا يجعل من جميع الأطراف الأخرى المختلفة باعتقاداتها الدينية محل تكفير ورفض، مما يعيق تحقيق التعايش السلمي إلا وفق تراتبية اجتماعية تعترف بالتفوق العددي لأصحاب الكتلة البشرية الأكبر والتابعية لهم في المراتب الأدنى للأقليات الدينية الأخرى.

وفي حالة الرفض، يحدث النزاع والعنف بين المختلفين، ناهيك عن رفض الاعتراف بوجود غير المؤمنين بالأديان وبخاصة دين الأغلبية العددية، وبالتالي لا يمكن بناء مجتمعات مدنية من غير اعتماد العلمانية كمفهوم أساسي في بنائها. 

والسؤال هنا سيكون (هل يمكن صياغة فهم جديد للعلمانية يناسب ظروف مجتمعنا العراقي لمراعاة خصوصيته الدينية والعشائرية)؟

أعتقد أن هذا غير ممكن بسبب التعارض العميق بين الدين والعلمانية، وهو التعارض نفسه بين الثابت والمتحول أو بين قيم عام 650م وقيم عام 2016م. ولذلك فالتغيير لن يحدث قريباً بكل الأحوال، إلا بعد حدوث تغيير في قناعات أبناء المجتمع، بفعل التجربة الواقعية، بأن الإيمان يجب أن يعود لمكانه الأساسي قبل الدين من ناحية الأهمية لكي يحصل تخفيف من حدة ثوابت الدين وتعارضها مع حقوق الإنسان والمواطنة، بما يجعلها قابلة للتغيير بما يناسب متغيرات الزمن لضمان تحقيق القبول المجتمعي للعلمانية على أنها التعايش السلمي في ظل مفهوم الحرية غير المقيدة بقيود الثوابت والقواعد الدينية. 

ولذلك فبناء الدولة المدنية اليوم، لا أقول مستحيلاً، لكنه لا زال بعيد المنال. وقد نحتاج 400 سنة مثلما احتاجت لها المجتمعات الغربية في سياق تطورها التاريخي الطبيعي. لكن قد يكون الهدف اليوم هو الحصول على أدنى حد ممكن من تنازل القناعات الدينية الراسخة مراعاة لشدة ضغط الفارق الحضاري بين مجتمعاتنا الدينية والمجتمعات العلمانية لضمان استمرار الحياة من دون عنف ودماء وقتال.

 الآراء الواردة في هذا المقال تمثّل رأي كاتبها ولا تمثل بالضرورة رأي موقع (إرفع صوتك).

*من مشاركة أكرم زكي يحيى، استجابة لدعوة موقعنا (إرفع صوتك) لمناقشة ملف "بناء مجتمعات مدنية... هل تتعارض العلمانية مع الإيمان؟" ضمن مجموعة من الحوارات والنقاشات شهدتها مجموعة "نريد أن نعرف" على الفيسبوك.

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

وسائل إعلام محلية وبرلمانيون يتحدثون أن موظفين في مكتب السوداني قُبض عليهم بتهم التجسس على مسؤولين كبار- أرشيفية
وسائل إعلام محلية وبرلمانيون يتحدثون أن موظفين في مكتب السوداني قُبض عليهم بتهم التجسس على مسؤولين كبار- أرشيفية

رفض مستشار سياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتهامات ترددت في الآونة الأخيرة بأن موظفين في مكتب رئيس الوزراء تجسسوا وتنصتوا على مسؤولين كبار وسياسيين.

ومنذ أواخر أغسطس، تتحدث وسائل إعلام محلية وبرلمانيون عراقيون عن أن موظفين في مكتب السوداني قُبض عليهم بتهم التجسس على مسؤولين كبار.

وقال المستشار فادي الشمري في مقابلة مع إحدى جهات البث العراقية أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة "هذه كذبة مضخمة"، وهو النفي الأكثر صراحة من عضو كبير في فريق رئيس الوزراء.

وأضاف أن الاتهامات تهدف إلى التأثير سلبا على السوداني قبل الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها العام المقبل.

وتابع "كل ما حدث خلال الأسبوعين الأخيرين هو مجرد تضخم إعلامي يخالف الواقع والحقيقة".

وأثارت التقارير قلقا في العراق الذي يشهد فترة من الاستقرار النسبي منذ تولي السوداني السلطة في أواخر عام 2022 في إطار اتفاق بين الفصائل الحاكمة أنهى جمودا سياسيا استمر عاما.

وقال الشمري إنه تم إلقاء القبض على شخص في مكتب رئيس الوزراء في أغسطس، إلا أن الأمر لا علاقة له علاقة بالتجسس أو التنصت.

وأضاف أن ذلك الموظف اعتقل بعد اتصاله بأعضاء في البرلمان وسياسيين آخرين منتحلا صفة شخص آخر.

وأردف "تحدث مع نواب مستخدما أرقاما مختلفة وأسماء وهمية وطلب منهم عددا من الملفات المختلفة". ولم يخض الشمري في تفاصيل.

وتابع "لم يكن هناك تجسس ولا تنصت".