حسام محمد
حسام محمد

مشاركة من صديق (إرفع صوتك) حسام محمد:

منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض ومنذ أن قتل قابيلُ هابيلَ وسال الدم عليها، عُرفت الحروب بأنها أسوأ مفهوم تعيشه البشرية حيث مر بمراحل عديدة.

ففي عصر الإنسان القديم كانت الحروب على صغرها تدار من قبل عدة أشخاص. وتستخدم فيها أسلحة بدائية، مثل السكين والفأس والمادة المستخدمة في صنع هذه الأسلحة كلها تقريبا هي الحجر، وبالخصوص حجر الصوان الشديد الصلابة، حيث كان هو المتوفر الوحيد في ذلك العصر البدائي.

وبعد هذه المرحلة من الحروب البدائية، أخذت الأسلحة بتطور ملحوظ عبر الأزمنة من السكاكين والفؤوس إلى الحرب الإلكترونية والتي تدار من أزرار في كيبورد الكومبيوتر. وهي ما تعرف اليوم (بالحرب التكنولوجية) أو (حرب الأزرار الرقمية).

طبعا لست بصدد شرح آلية عمل الإنترنت وكيفية الإرسال والاستقبال ولغات البرمجة بقدر ما يهمني منها تلك الوسائل الحديثة التي دخلت ضمن أنواع الصراعات الحروب، وصارت تعتبر في عصرنا هذا من أشد وأخطر انواع الحروب، والتي يجب مواكبتها. فما يُعرف اليوم بالهجمات الإلكترونية التي تشنها دول على دول أخرى تركت أثرا سيئا أطاح ببعض اقتصاداتها وكشف خططها العسكرية ومنظوماتها الدفاعية. ويـشن هذه الهجمات جيش إلكتروني مدرب بشكل كبير جدا يعرف بـ (الهاكرز) أو (القراصنة) أي المخترق لأجهزة الحاسوب المرتبط بشبكة الأنترنت. ويمكن أن يكونوا عدة اشخاص وليس شخصا واحدا.

وتوظف بعض الدول جيشاً إلكترونياً منظما يتم تدريبه بشكل دقيق على نفقتها وعلى مستوى عال جدا لخوض إما معارك وحروب إلكترونية ممنهجة ومدروسة، أو هجومية أو دفاعية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية. ومن الأمثلة القريبة لتلك الحروب هي الهجمة الإلكترونية التي قامت بها كوريا الشمالية مؤخرا على الجارة الجنوبية. وحسب التقارير، اخترقت كوريا الشمالية أكثر من 140 ألف جهاز كمبيوتر في شركات كبيرة ووكالات حكومية كورية جنوبية وزرعت شفرات خبيثة قبل أن يتم اكتشاف الأمر.

وقالت وكالة أنباء كورية جنوبية نقلا عن الشرطة إن عملية التسلل بدأت من عنوان في شبكة الانترنت (آي بي) تم تعقبه إلى العاصمة الكورية الشمالية واستهدف برنامجا تستخدمه نحو 160 شركة ووكالة حكومية لإدارة شبكاتها على الكمبيوتر. الأمر الذي دعا كوريا الجنوبية إلى إعلان حالة التأهب القصوى خوفا من شن هجمات إلكترونية مشابهة قد تقوم بها الشمالية مرة أخرى .

الحروب الإلكترونية اليوم أصبحت تشكل خطرا كبيرا على الدول المتقدمة، وخاصة الدول التي تمتلك برامج نووية. وتكمن خطورة الهجوم بسرقة الشفرة المتحكمة في البرنامج النووي المعتمد في الطاقة النووية أو التحكم بالبرنامج عن بعد. ولكن كل دول العالم تستعين بخبراء (هاكرز)، وهم الجانب الإيجابي بعكس (الكراكر) وهم الجانب السلبي والذي يهتم بزرع الفايروسات والشفرات المعقدة للتنصت والتجسس واختراق الحسابات البنكية والمصرفية.

كما أن الولايات المتحدة الاميركية ولأول مرة تعلن الحرب الإلكترونية على الإرهاب المتمثل حاليا بداعش. وتستخدم أميركا ترسانتها الرقمية لإضعاف اتصالات داعش بين قياداته والمسلحين لتقليل موارده الاقتصادية. حيث صرح وزير الدفاع، آشتون كارتر، أنه أعطى أوامره بعد دراسة مستفيضة لشن هجمات رقمية على مواقع داعش لشل حركته، كما أن شركات التكنولوجيا الكبرى أبدت استعدادها للتعاون مع الحملة لغلق حسابات تنتمي لداعش أو يشك بأنها على صلة بتنظيمات إرهابية فاعلة.

كما يجب علينا أن ننتبه جيداً إلى أن الحرب الإلكترونية تعتبر خاسرة إذا ما تم الاعتماد على أشخاص لا يتمتعون بالقدر الكافي من الإمكانية المعرفية بأنظمة لغات البرمجة. فإن أي خلل بسيط يمكن أن يوقع منظومة بلد كامل في قبضة قراصنة محترفين والتوغل من خلاله إلى عمق النظام الإلكتروني العام في أي بلد، وهو ما يسمى بــ (الثغرات الأمنية). ولذلك يجب على الحكومة العراقية كباقي دول العالم أن تجند جيشاً إلكترونياً منظماً لمواجهة الهجمات الإلكترونية وصدها أو الاشتراك بهجمات استباقية لكشف خطط العدو وشل حركته.

عن الكاتب: حسام محمد، مدون وصحافي عراقي، كتب في عدة مواقع إلكترونية عراقية وعربية. له مدونة "الكلمة المسجونة".

لمتابعة الكاتب على فيسبوك إضغط هنا. لمتابعة الكاتب على تويتر إضغط هنا.

 الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.