مشاركة من صديق (إرفع صوتك) ياسر عادل الخفاجي:
على الرغم من المأساة التي عشناها طيلة 13 عاماً، إلا أن هناك جانباً مشرقاً خلقته هذه المأساة. أرى أن هذه الفترة خلقت عصفاً ذهنياً لدى كثير من الشباب. وخلقت أسئلة جريئة. نقاشات عميقة. بحث وتفتيش عن كثير من المعلومات حتى أصبح لدي بعض الأصدقاء على المستوى الشخصي، أو الأصدقاء أو الشخصيات التي أتابعها في هذا العالم الافتراضي وهي تكتب بطريقة عميقة وفكر متفتح.
أجد أنهم بدأوا يحطمون الكثير من الأغلال التي قُيّدوا بها منذ الصغر.
بعد حرب عام 2003..
وجدت نفسي شيعيا ... وفي أغلب الأحيان متطرفاً.
أعز أصدقائي هو سني من الفلوجة.
كُنتُ كثير النقاش والمصادمات الكلامية معه. ولكني كنت أسال نفسي الكثير من الأسئلة. مثلا: لماذا أنا على حق؟
حاولت أن أسلط غضبي في الكتابة. كتبتُ أول مرة... أشبه بالمقالة في 2005 في بيت جدي. أخبرت عمي بها... فقال لي: وما هو عنوانها؟ فقلت له: القادة السياسيون يساهمون في دعم الإرهاب. فضحك وقال: اخخخخخ.
قرأها وظل صامتا وفي طريقي معه إلى السوق بدأ بمناقشتي بها.
أخبرت والدي بها، فقال لي: انشرها. يمكن "ما راد يكسر بخاطري الرجل".
ولكن بعد إجراء العديد من التعديلات، حيث كانت ذات بعدٍ طائفي وبشكل واضح، نشرتها في إحدى الصحف الإلكترونية، وهي: صوت العراق. وأتصور لم يقرأها أحد... كانت بائسة حقا.
بعدها توالت محاولاتي في الكتابة. والهدف منها هو تفريغ غضبي على الورق. فكنت بعد الانتهاء من الكتابة أشعر بالارتياح. فأكتفي بالاحتفاظ بها. بعد دخولي لعالم الـ"فيسبوك" في 2008 ،انضممت إلى مجموعة كان اسمها "حوارات هادئة وصريحة جدا"، ومن هنا بدأت الحكاية.
هذه المجموعة كانت تحتوي على شريحة غير طبيعية من الشباب المثقف. أكثر الشباب المشاركين فيها كانوا من العراق ومصر. كنتُ فيها مجرد قارئ جيد ومتابع مستمر. كنتُ أقرأ النقاشات من المساء حتى الفجر، وفي بعض الأحيان حتى الصباح "جره وحده".
قرأت نقاشات كنتُ أجدها خطرة في تفكيري آنذاك (يعني ماكو شي مقدس ولا خطوط حمر). نقاش في السياسة وفي الدين وفي الإلحاد. نقاش في الوجود والخرافات. واصطدام النظريات العلمية بالأفكار الدينية أحيانا . كنتُ أذهب للغوغل لأبحث في الدلائل والبراهين التي يستخدمونها في نقاشاتهم لكي أتأكد من صحة ما يقولون.
أيضاً في هذه الفترة، كنتُ أسألُ والدي عن الكثير من المعلومات. كان يُجيبني ويحاول أن يعطيني زبدة الأشياء مشكورا.
بدأت هذه الصخرة الراكدة في عقلي تتكسر، وكسرتُ بعدها صمتي وبدأت بنقاش الشباب في المجموعة بعد فترة طويلة من المتابعة. تعلمت منهم الكثير. تعلمت كيفية الحوار. كيف تناقش؟ ما هي الشخصنة؟ وكيف ترد الحجة بالحجة؟ كيف عليك أن تتقبل أفكار المقابل؟ كيف تختار كلماتك بحيث تكون غير مؤذية عندما تجيب الطرف الآخر؟
كانوا يصححون لي الكثير. وكنتُ أتقبل منهم. كنتُ أريد التعلم منهم . وبعد مدة أصبح لي العديد من الأصدقاء الملحدين والمؤمنين الرائعين. ثم بدأت بعدها أناقش نفسي في العديد من المسائل (غير القابلة للمناقشة في الماضي). اقتنعت بالانفجار العظيم. اقتنعتُ بنظريات العلم التي تصطدم بالأفكار الدينية، وباحتيال علماء الدين في موضوع الاعجاز العلمي في القرآن الكريم.
بصراحة .. وجدت أن الملحدين يحبون الله، وهم لا يعلمون. فسببُ إلحادهم هو عدم رضاهم أن يكون الله بهذه الصورة التي يحاول بعض المؤمنين نشرها.
تعلمتُ اختيار الأشياء الجميلة في الدين. أما غير الجميل، فلا يعنيني. بدأتُ أجد الله بطريقة مختلفة. اللهُ الجميل الرحيم الغفور، وليس المنتقم الجبار المتكبر. بدأت أشعر بعظمته، بدأتُ أحبه وأشعر به.
أعلم أين يكون ... وجدتُ الله بعيدا عن بعض أوصافه في الكتب الدينية. بدأت أشعر أن عشقي له يدخل جسدي. بدأت أحب البشر جميعا. أحب كل الأديان... كل الأوطان... كل الشعوب، أحترم كل الاختلافات.
لا توجد نظرية أنا على حق وكل من يختلف معي على باطل. في خضم هذا التغيير في تفكيري كنتُ أتابع بشغف الأخبار السياسية. قنواتي المفضلة هي قنوات الأخبار فقط. لذلك استمرت نقاشاتنا؛ أنا وأصدقائي. نقاشاتنا الدينية والسياسية بالتأكيد. كل فترة أقدم لهم سبب المشكلة التي يعاني منها العراق باعتباري (عود شخصت الحالة الله يجرم).
أقول لهم تارة المشكلة في الفكرة القومية. وتارة في الفكر الديني. وتارة أخرى في الرأسمالية. وبعدها أقدم لهم الحلول. مرة الحل في محاربة الإسلام السياسي. ومرة أخرى في دعم الاشتراكية. والكثير من النظريات والمصطلحات البراقة التي يحاول أن يقنع بعضنا الآخر بها. أما الآن فإن آخر تحديث توصلت إليه (ولاحظ أني قلت آخر تحديث ... يعني التغيير في المستقبل وارد)، المُهم ( بس إقره ويايه على كيف)...
العراق لا يحتاج إلى كل "هاي الهوسة وداعت ابني"، بل يحتاج فقط إلى إعادة بناء منظومة الأخلاق والتمسك بها... والإيمان بالقيم الإنسانية النبيلة فهذه هي أنقى وأطهر أيديولوجية في الكون.
عن الكاتب: ياسر عادل الخفاجي، مدوّن في فيسبوك. حاصل على شهادة الماجستير في الإدارة من جامعة بغداد. عراقي يحلم بدولة مدنية يعيش فيها الجميع بحرية وسلام. أسس صفحة "يحلمون بالسلام". وكتب مؤخرا كتاباً إلكترونياً جمع فيه كل تدويناته وحمل الاسم نفسه، "يحلمون بالسلام".
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.