محمد الجبوري
محمد الجبوري

بقلم صديق (إرفع صوتك) محمد علي الجبوري:

قضيتُ طفولتي في قضاء الحويجة. في قرية صغيرة اسمها (قرية لزاكة)، وهي منطقة ريفية جميلة زاخرة بمناظر خلابة وتلال أثرية، فضلا عن جمال نهر الفرات وهو يمر بمحاذاتها ونحن نلعب كرة القدم في ملاعب من تراب. أكملت دراستي فيها، قبل أن ألتحق بمعهد الفنون الجميلة في مدينة كركوك سنة 2013.

بعد سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد داعش، والتي تعتبر فترة مظلمة في تاريخ البلد، بدأت نشاطي الإعلامي في محاولة لإيصال صوت الناس ومطالبهم للحكومة بتحرير الحويجة التي يقتلها داعش كل يوم؛ من خلال إيذاء أهلها وتدمير معالمها وكل ما فيها من جمال وألق أسس لذكريات طفولة جميلة.

ومن أبرز معاناة أهالي قريتي لزاكة انعدام الكهرباء والهاتف النقال بشكل كامل، إلا في بعض الأماكن التي تتواجد فيها شبكات الاتصال والموت في آن واحد. فداعش يقتل كل من يتم مسكه وهو يستخدم أي وسيلة اتصال، باعتباره سيحاول الاتصال بالقوات الأمنية العراقية.

بعد دخول داعش، تغيّرت ملامح تلك التلة العالية في أطراف قريتي، وتحولت من معلم أثري وتاريخي وطبيعي يزوره الناس للتمتع بجمال الطبيعة إلى منصة تعتليها مقاومات الطائرات. ولم تعد ملاعب كرة القدم تضج بالشباب والضحكات واللعب والرياضة في أوقات المساء، بل تحوّلت إلى ميادين إعدامٍ جماعي للأبرياء على يد عصابات الظلم والإجرام (داعش).

كيف تحتمل أن ترى أهلك محاصرين ومسجونين من قبل داعش وليس بيديك ما تفعله؟ كيف يمكنك السكوت وأنت ترى مناطق ذكرياتك الجميلة وهي تتحول إلى ميادين لقتل الأحلام والشباب والأبرياء؟

لهذه الأسباب مجتمعة نحاول أن نوصل صوت أهالي هذه المناطق وقصصهم إلى الناس في محاولة لاستعجال التحرير رغم مصادرة التنظيم لكل ما نملك في هذه الحياة.

بطش داعش لم يقتصر على الأماكن، فحتى العادات والتقاليد لم تسلم. كانت العشائر العربية في تلك المنطقة تفخر باحترامها للنساء. غير أن داعش له أسلوب آخر. فإهانة النساء هو منهج شهدته قريتي منذ سيطرة داعش عليها.

سأروي لكم أمثلة من معاناة النساء في المدينة، بين امرأة تحاول التسوّق لأطفالها وعيالها يوم العيد، وأخرى تحاول الالتحاق بزوجها.

كان من عادة أهل قريتي التوجه إلى مركز قضاء الحويجة قبل أيام الأعياد للتسوق وشراء مستلزمات مختلفة. ولكن عيد الفطر سنة 2014 كان مختلفاً، فقد سيطرت داعش على القرية. وقبل يوم من العيد خرجت إحدى نساء القرية الكبيرات متوجهة إلى الحويجة للتبضع. وعند وصولها إلى مدخل المدينة، تفاجأت بوجود عناصر داعش في مدخل القضاء، والذين قاموا بإنزالها من السيارة. نزلت المرأة مرعوبة وسط إهانات مختلفة وصياح وتهديد ووعيد. لم تكن تدري ما السبب وإذا بهم يحاسبوها لماذا لا ترتدي الخمار؟ يحاسبون امرأة كبيرة في السن وهي محجبة وترتدي لباس الفلاحات من أهل المنطقة المحتشم. نحن مجتمع عربي مسلم محافظ، ولم نسمع بمثل هذه التصرفات. وهل يرضى الإسلام بإهانة النساء؟

ومن القصص التي شهدناها وآلمتنا كثيراً نحنُ أبناء تلك المناطق شبه المنسية هي قصة شابة أرادت الالتحاق بزوجها حيث تم عقد قرانهما على الورق قبل قدوم داعش بأيام. وبعد سيطرة التنظيم على المنطقة، ألغيت خطط العرس وغادر الشاب على عجالة إلى كركوك، لتبقى زوجة المستقبل في الحويجة. قررت أن تهرب صوب كركوك حتى يتزوجون. لم تكن تدري أن في طريق مغادرتها لغمٌ أرضي وضعه داعش ليتصيد الهاربين والقادمين على حد سواء. انفجر أحد الألغام عليها لتُقتل على الفور من دون أي ندم من طرف داعش.

هناك العشرات من الأمثلة التي أستطيع أن أسردها، ولكن قد يكون من أبشع ما يمكن أن أرويه لكم هو سجن داعش للأهالي ومنعه خروجهم من الحويجة ليستخدم النساء والأطفال كدروع بشرية. ولك أن تتخيل خوف العوائل وهم في حالة من الجوع والهلع وترقب مصير مجهول وغير معلوم.

عن الكاتب: محمد علي الجبوري، مدوّن وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب في معهد الفنون الجميلة.

لمتابعة الكاتب على فيسبوك إضغط هنا

 الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.