منزل مُهدّم باستخدام جرافة في قره تبه، في أيار/مايو 2016/ نقلاً عن موقع هيومن رايتس ووتش
منزل مُهدّم باستخدام جرافة في قره تبه، في أيار/مايو 2016/ نقلاً عن موقع هيومن رايتس ووتش

متابعة حسن عبّاس:

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته الأحد، 13 تشرين الثاني/نوفمبر، إن قوات الأمن في حكومة إقليم كردستان العراق دمّرت بطريقة غير مشروعة أعداداً كبيرة من منازل العرب، وفي بعض الأحيان قرى بأكملها، في مناطق تمّت استعادتها من داعش.

وتناول التقرير المؤلَّف من 78 صفحة بعنوان "الاستهداف بالعلامة "X": تدمير القوات الكردية العراقية لقرى وبيوت أثناء النزاع مع داعش" تدمير المنازل بين أيلول/سبتمبر 2014 وأيار/مايو 2016 في المناطق المتنازع عليها في محافظتي كركوك ونينوى الواقعتين رسمياً ضمن سلطة الحكومة العراقية، ولكن تتحكم فيهما حكومة إقليم كردستان عملياً.  

وقال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط "دمّرت قوات الأمن الكردية منازل العرب، قرية تلو الأخرى في كركوك ونينوى، ولكن حافظت على منازل الأكراد، بدون أي هدف عسكري مشروع.

واستند تقرير المنظمة إلى زيارات ميدانية لباحثيها، وإلى أكثر من 120 مقابلة مع شهود عيان ومسؤولين، وتحليل شامل لصور الأقمار الصناعية. وعاينت المنظمة منازل مهدّمة في 17 قرية في محافظة كركوك و4 قرى في محافظة نينوى.

​​

بين نينوى وكركوك

في محافظة نينوى، زارت هيومن رايتس ووتش قرية بردية المختلطة، وبلدة حمد آغا العربية-الكردية، وقرية شيخان العربية المجاورة. في كل مكان، قال السكان الأكراد إن عناصر البيشمركة دمروا منازل العرب دون منازل الأكراد.
في محافظة كركوك، قال عدد من سكان المُرّة للمنظمة إنهم شهدوا تدمير البيشمركة للقرية وتفجير المدرسة المحلية، بعد استعادة السيطرة عليها في معركة قصيرة مع داعش في تموز/يوليو 2015.

وفي جولة هدم وتهجير حديثة وثّقتها المنظمة، طردت السلطات الكردية أكثر من 325 شخصاً من السكان والنازحين العرب في محافظة كركوك وهدمت 100 منزل على الأقل في أعقاب هجوم داعش على كركوك في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2016.

وقال ستورك إن "نمط هدم حكومة إقليم كردستان غير القانوني للمنازل والقرى العربية مقلق للغاية بحد ذاته، بل هو وصفة جاهزة لاستمرار الصراع حتى لو طردت حكومة إقليم كردستان والقوات المتحالفة معها داعش من الموصل والأراضي الأخرى التي يسيطر عليها في العراق".

قال عمال إغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات كردية تشمل البيشمركة والأسايش وشرطة كركوك حاصرت قرية قرّه تبه العربية في محافظة كركوك، على بعد 14 كلم غرب مدينة كركوك، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2016، ورحّلت قسرا بين 3000 و4000 من السكان.

كما جمعت قوات الأمن السكان في المسجد الرئيسي وأمرتهم عبر مكبّرات الصوت بمغادرة منازلهم. وبعد ساعتين، جالت على منازلهم وأمهلتهم ثلاث ساعات لجمع أغراضهم، ثم نقلتهم إلى مخيم داقوق للنازحين، على بعد حوالي 30 كلم جنوب كركوك.

تبريرات حكومة إقليم كردستان

ويقول مسؤولو حكومة إقليم كردستان إنهم دمّروا هذه المنازل لأن السكان من مناصري داعش. ولكن برأي هيومن رايتس ووتش فإن هدم المنازل يبدو انتهاكاً لقوانين الحرب التي تحظر تدمير الممتلكات المدنية إلا للضرورة العسكرية القصوى.

كما قال مسؤولون في حكومة إقليم كردستان والبيشمركة لهيومن رايتس ووتش إن تدمير بعض الممتلكات ناجم عن قصف التحالف الدولي ضد الإرهاب لداعش ونيران مدفعية البيشمركة.

ولكن هيومن رايتس ووتش تقول إنه في الغالبية العظمى من الحالات، تُظهِر صور الأقمار الصناعية ضرراً سببه استخدام الجرافات والحريق ومواد شديدة الانفجار (طرق غير آمنة لإزالة الألغام والأجهزة المتفجرة) بعد انتهاء القتال وبسط قوات حكومة إقليم كردستان سيطرتها.

كذلك، قال مسؤولو حكومة إقليم كردستان والبيشمركة إن قواتهم دمّرت المنازل في الكثير من الأحيان لأن داعش قد زرع فيها ألغاماً وأجهزة متفجرة. لكن خبراء إزالة الألغام قالوا إن ذلك يتعارض مع الممارسات المعتمدة وإن الانفجارات غير المضبوطة تهدد بنشر المتفجرات بين الركام ما يجعل المنطقة، وتنظيفها لاحقاً، غير آمنين البتة.

وفي الكثير من الحالات، دُمِّرَت المنازل والقرى بعد أسابيع وأشهر من استعادة البيشمركة السيطرة عليها. يعني ذلك، بحسب المنظمة، أن التخلص من العبوات الناسفة التي خلّفها داعش لم يكن من أولويات حكومة إقليم كردستان العسكرية، ولا يندرج ضمن الضرورة القصوى كمبرر يسمح به القانون الدولي الإنساني لشن هجمات على أهداف مدنية.

وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أنه في حالات أخرى، هدمت قوات البيشمركة المباني في قرى لم يسيطر عليها داعش أبداً. وفي بعض هذه الحالات، قال مسؤولو حكومة إقليم كردستان إن قواتهم دمّرت المنازل لأن أحد السكان أو أكثر كانوا من مناصري داعش.

وفي اجتماع عُقِد في يوليو/تموز 2016، قال رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني لهيومن رايتس ووتش إن حكومة إقليم كردستان لن تسمح للعرب السنّة بالعودة إلى قراهم التي "عُرِّبَت" في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقال إن هذه المناطق، في رأيه، من حق الأكراد.

الصورة: منزل مُهدّم باستخدام جرافة في قره تبه، في أيار/مايو 2016/ نقلاً عن موقع هيومن رايتس ووتش

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.