مقاتلون من البيشمركة بينهم مقاتلون أيزيديون/وكالة الصحافة الفرنسية
مقاتلون من البيشمركة بينهم مقاتلون أيزيديون/وكالة الصحافة الفرنسية

متابعة حسن عبّاس:

سيعود بركات، عراقي أيزيدي يبلغ من العمر 61 عاماً، إلى مدينته بعشيقة لأول مرّة منذ أن اجتاحها داعش، نهار الأحد 20 تشرين الثاني/نوفمبر. فقد وجد عملاً في ورشة رفع ركام الدمار الذي لحق بمدينته.

يوم الأربعاء، 16 تشرين الثاني/يناير، تجمّع بركات وآخرون يعيشون في المنفى في المدينة، بعد ما يزيد قليلاً عن أسبوع من تحريرها من الإرهابيين على أيدي قوات البيشمركة الكردية.

وتبادل الجيران السابقون والأصدقاء القدامى من الأيزيديين والمسيحيين والمسلمين العناق والقبلات والتحية. غير أن أمامهم فترة طويلة قبل أن يتمكنوا من العودة للعيش في المدينة.

فقد سوى القصف بيوتهم بالأرض وتعرّضت متاجرهم للتدمير والحرق والنهب. وعلى امتداد الطريق الرئيسي في المدينة تنتشر على الأرض بقع سوداء من آثار انفجار قذائف المورتر.

تشتت أبناء بعشيقة

عندما سيطر مسلحو داعش على بعشيقة عام 2014، فرّ سكانها في اتجاهات مختلفة. وقال بركات "رحلنا على الفور".

ورغم أن مقاتلي داعش قتلوا مسلمين وغير مسلمين دون تفرقة، إلا أنهم خصّوا الأقلية الأيزيدية التي تجمع معتقداتها بين عناصر مختلفة من عدة أديان بمعاملة وحشية.

وتعرّض الآلاف من أبناء هذه الطائفة للقتل والأسر والاسترقاق على أيدي التنظيم في ما وصفته الأمم المتحدة بحملة إبادة جماعية.

وقال بركات إن بعض السكان المسلمين بقوا في المدينة لفترة لكن المسيحيين والأيزيديين كانوا يعلمون المصير الذي ينتظرهم إذا لم يخرجوا منها على الفور.

واستأجر ميسورو الحال منهم بيوتاً في مدن أخرى، أما مَن لم يتيسّر لهم ذلك فاتجهوا إلى المخيمات.

وما زال بركات وأسرته يعيشون في مدينة دهوك الشمالية. وتتوقع الأسرة أن يطول منفاها لأن معظم مدينة بعشيقة أصابه الدمار ولم يعد بها خدمات أو إمدادات.

وقال بركات لدى زيارته مدينته "يمكننا البدء في تطهير هذه الفوضى لكن لا فائدة من العودة للإقامة إلى أن تتوفّر الكهرباء والمياه والأهم من ذلك كله الأمن التام."

وامتنع بركات عن ذكر اسمه بالكامل في ما يشير إلى استمرار شعوره بالقلق.

اقتراب النهاية

وقد بدأ الشهر الماضي هجوم تدعمه الولايات المتحدة لإخراج داعش من الموصل، آخر معاقله الرئيسية في العراق، واستطاعت القوات المهاجمة السيطرة على العديد من المدن والقرى حول الموصل.

ويشارك في تلك العملية حوالى 100 ألف مقاتل من القوات الحكومية وقوات الأمن الكردية ورجال الفصائل المسلحة الشيعية.

وهذا الشهر، عاد الشرطي المحلي الأيزيدي راغد راشد وقاتل مع قوات البيشمركة لاسترداد المدينة الواقعة على بعد سبعة أميال إلى الشمال الشرقي من الموصل.

وقال راشد "كان القتال لاسترداد بعشيقة صعباً. داعش استخدم المفجّرين الانتحاريين والأنفاق والقناصة. وعندما وصلنا إلى هنا كان نصف المدينة مدمراً بما في ذلك بيتي."

وأضاف أن مزارات الأيزيديين تعرضت للتدنيس.

وكتب مسلحو الدولة الإسلامية كلمتي "مسلم سنّي" على الأبواب المعدنية لعدد من المحلات والمتاجر لتمييز أصحابها من السكان المحليين عن أتباع الأديان الأخرى أو عن متاجر من يعتبرونهم كفاراً.

"لم نعد نخاف منهم"

وحضر راشد وبركات وغيرهم من الرجال الأربعاء إلى بعشيقة للاستماع إلى كلمة لرئيس حكومة إقليم كردستان في شمال العراق مسعود البرزاني.

ورغم أن المنطقة تتبع اسمياً بغداد فهي تخضع لسيطرة الحكومة الكردية. وقد ألقى البرزاني كلمته باللغة الكردية.

ومن على منصة رفرفت حولها الأعلام ولافتات بالكردية تنادي بالتعايش بين الأديان والأعراق، قال البرزاني إن البيشمركة لن ينسحبوا من المناطق التي انتزعوا السيطرة عليها من داعش، وتعهد بحماية الأقليات التي تعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد اتهمت المقاتلين الأكراد في الآونة الأخيرة بتدمير بيوت العرب بدون سند قانوني في المناطق التي استولوا عليها من التنظيم بين عامي 2014 و2016.

ولكن حكومة كردستان نفت هذا الاتهام.

ولم يكن من الممكن الابتعاد عن الطريق الرئيسي لزيارة البيوت المهجورة لأنه لم يتم تطهير المنطقة بالكامل من العبوات الناسفة والشراك الخداعية.

وأثناء كلمة البرزاني تردد دوي انفجارين قويين من بعيد ويبدو أنهما من القتال الدائر داخل الموصل.

وقال راشد وهو يرتدي الزي العسكري "داعش رحل. لكن حتى إذا عادوا فلن أتحرك من مكاني. وسأقاتل حتى الموت إذا اقتضى الأمر."

وأضاف "نحن نعرف أساليبهم الآن ولم نعد نخاف منهم."

(بتصرّف عن وكالة رويترز)

الصورة: مقاتلون من البيشمركة بينهم مقاتلون أيزيديون/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.