نساء عراقيات
نساء عراقيات

بقلم علي عبد الأمير:

يسجّل التاريخ الحي لبلاد الرافدين وإرثها الحضاري دورا بارزا لنسائها اللائي كن يجمعن بين الحكمة والفتنة والبأس، بين الماضي والحاضر القريب، مثلما تسجل وقائع البلاد في عصرها الحديث فصولا من المعاناة والقسوة والاضطهاد الذي ركزته قيم اجتماعية وممارسات مستندة إلى قوانين حكومية واجراءات قاهرة. وصولا إلى آخر تلك الفصول، حيث ضرب الإرهاب والعنف أركان الحياة الاجتماعية العراقية، وأهمها ما تمثله النساء.

في كل مشهد نزوح ولجوء ثمة نساء يلملمن بقايا العائلة ويتكتمن على الألم والعذاب والخسارات. في كل مشهد لعملية إرهابية ثمة جروح رهيبة في قلوب الزوجات والأمهات والأخوات والبنات. وفي كل مشهد لمحكمة أحوال شخصية في العاصمة بغداد والمحافظات والمدن الكبيرة ثمة قسوة اجتماعية وقانونية. لكن كل هذا لم يمنع نبع المروءة والحب والخير من التدفق عند نساء العراق من سنجار، حيث الأيزديات اللائي صرن سبابا تنظيم داعش إلى نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وبغداد وبابل والبصرة. نساء أصبحن بطريقة أو بأخرى سجلا لحياة البلاد المعاصرة ووثيقة حية لما عاشتها من ظلم وعنف ودفاع مستميت عن قيم تبدو بسيطة وعادية.

عن تلك المفارقة التي تعنيها المقارنة التاريخية لنساء بلاد الرافدين مع واقعهن الراهن، تقول النائبة العراقية السابقة والطبيبة الأخصائية ندى الجبوري “من أسماء نقية وسميراميس وشبعاد، اللواتي لطالما كنّا نفخر بهن من ملكات يحملن الجمال والتيجان على رؤوسهن ويجلسن على العروش، إلى مأساة استشهاد كل نساء العائلة المالكة بالعراق، نشأت المرأة العراقية وهي تحمل تاريخ النساء ودجلة والفرات. المرأة التي شكلت عنصرا مهما في النهضة العلمية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وساهمت في الحركة المجتمعية عبر تعليم أجيال”.

وفيما تلفت السيدة الجبوري في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) إلى أن الحركة النسوية العراقية استطاعت أن تبدّل الكثير من المفاهيم السائدة حول المرأة وحقوقها ومكانتها، إلا أنها تقرّ بالأثر المهلك للحكومات والحروب، الذي جعل المرأة العراقية تعاني من العنف برحيل الزوج ومواجهتها الحياة بوضع اقتصادي صعب، لتطفو ظاهرة الفقر أيام الحصار الاقتصادي (1990-2003) على العراق وفقدان المعيل والوضع الصحي السيء لها ولعموم العائلة.

ومن الجانب التاريخي إلى راهن عاصف كالذي يعنيه حال نساء العراق اليوم، لا بد من عمل واسع وحملات عون جدية حكومية واجتماعية، وهو ما تسعى إليه الدكتورة الجبوري التي تجول على مناطق تشكل مسرحا لأشكال من معاناة المجتمع بعامة والنساء بخاصة، عبر رئاستها “منظمة المرأة والمستقبل” العراقية، وهي احدى مؤسسات المجتمع المدني وتأسست في العام 2005 ببغداد.

مناخ من العنف وعدم المساواة

ومع مناخ لا يُؤْمِن بالمساواة الحقيقية ومع العنف الذي سبب نزوح الآلاف من النساء والفتيات من الموصل والأنبار وصلاح الدين وكركوك، كما توضح النائبة السابقة والطبيبة الأخصائية، ثمة حديث عال وغاضب وصل حد الصراخ عن “الترمل خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980 – 1988)، وعن اليتم، وعن من تعمل من النساء لحماية الأسرة الصغيرة، وعن من لا تتمكن من تغطية عملية استئصال سرطان الثدي الذي عادة ما يتم تشخيصه متأخرا، وعن من تبيع جزءا من جسدها الصغير كي يحيا غيرها”.

ما معنى مقاعد كثيرة للنساء في البرلمان؟

وعن السبب الذي يمنع من تحقيق ما يتضمنه ذلك الحديث العالي الصوت، تقول الدكتورة الجبوري “الجميع يتكلم عن الإنجازات وعن العشائر وعن المرجعيات وعن الديموقراطية التي عبرها كنتُ نائبة برلمانية لثمان سنوات وعندي حرية الرأي، لكنني هنا أريد أن أتكلم عن ملايين النساء، وأرى عيونهن من دون خوف من الغد، ومن دون خوف من العنف ومن دون خوف من الجوع. أنا أرى ديموقراطية عالية بعلو السماء ولكنها خيالية فيما واقعيا هناك نساء مشردات وأطفال على الأكتاف ضمن مسيرة إلى المجهول. تعالوا معنا نسعى أن نعود بهم إلى ديارهم ونجعلهم يقرأون تاريخ ملكات بلاد ما بين الرافدين لعل الحلم يصبح حقيقة. أريد لهم أن يعيشوا الحب، حب الله وحب الوطن وحب الناس من حولهم. لم يعد يهمني كم مقعدا للنساء بالبرلمان ولا عدد الوزيرات، أريد أن نتحرر من الخوف ونتحرر من الرجال المسلحين، ونتحرر من عقدة الأنثى الضعيفة المهددة حتى أصبحت هيكلا عظميا وعيونا حائرة. سنسعى مع المجتمع المدني إلى أن نحمي نساءنا وننهض بهن إلى واقع أفضل، ونجعل عجلة التنمية الاقتصادية هي عجلة الزمن لهن. صوتي وصوتكم اجعلوه صوتا واحدا لنساء بلاد ما بين النهرين لنساء العراق”.

*الصورة: عراقيات قرب نقطة للقوات العراقية اثناء نزوحهن من منطقة جنوبي الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.