عراقيات يستعنّ بالدكاكين المنزلية للتغلب على مصاعب الحياة/إرفع صوتك
عراقيات يستعنّ بالدكاكين المنزلية للتغلب على مصاعب الحياة/إرفع صوتك

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

 ما إن تفتح بهية محمود نافذة غرفتها التي تطل على زقاق ضيق في حي شعبي ببغداد يضم عدداً من البيوت المتهالكة والقديمة، حتى يندفع الأطفال نحوه وهم يحدّقون بالطاولة التي خلف النافذة وعليها بعض الحلوى.

تقول بهية والارتياح بادٍ على وجهها وهي تشير إلى الأطفال الذين تجمعوا حول نافذتها "هؤلاء زبائن دكاني".

توفير بعض المال

 تعمل هذه المرأة على بيع الحلويات والبيض بصيغة المفرد وبعض اللوازم المنزلية لأهالي الزقاق الذي تسكن فيه منذ 15 عاماً.

وتقول بهية، 44 عاماً، وهي غير متزوجة وتعيش مع والدها الذي فقد بصره بسبب كبر سنّه وشقيقتها التي انفصلت عن زوجها قبل أعوام وابنها الوحيد، إنّها قررت استغلال غرفتها وتحويلها إلى دكان صغير لتوفير قوت لعائلتها، لأن نافذتها الوحيدة التي تطل على الزقاق.

وبالنسبة لحياتها، فهي تفتتح الدكان في الصباح حتى الظهيرة. يتوزع عملها في المساء ما بين الأعمال المنزلية العادية إلى جانب القيام بصناعة بعض المعجنات والطرشي التي تحاول بيعها أيضا لتوفير بعض المال.

وتقوم شقيقتها، 40 عاماً، ببعض الأعمال التي تدر عليهما ببعض المال، كسمسرة لبيع الحاجيات والأثاث الذي ترغب بعض نساء الحي بالتخلص منه مقابل عمولة نقدية. "نحن نعمل سوياً، لدفع إيجار المنزل"، توضح بهية في حديثها لموقع (إرفع صوتك).

وتشير إلى ابن شقيقتها الذي لم يتجاوز الـ10 من عمره، يحاول مساعدتها أيضا من خلال الوقوف بدلاً عنها في الدكان .

يعملون على تشجيع المرأة

هذه المهنة تحتم على بهية توفير رأس المال المناسب لشراء السلع والبضائع التي تعرضها. ولأنها لا تمتلك رأس المال بدأت بالعمل على التصريف وهو أمر منتشر حالياً في سوق البيع، إذ تعمد بهية إلى تجهيز دكانها بسلع من باعة الجملة بطريقة الدفع المؤجل على أن تسدد ثمنها شهرياً. وتعتقد أنه "أمر جديد كونه يساعد الذين لا يستطيعون توفير رأس المال في إيجاد فرصة للعمل".

وتضيف أن معظم تجار وباعة السلع بالجملة في سوق الشورجة ببغداد يعملون على تشجيع المرأة ويساندونها في العمل من خلال تجيزها بالسلع حتى إن لم يكن لديها محلاً لغرض بيعها وتسديد ثمنها شهرياً.

الناس لا ترحم

 

نساء - العراق - دكاكين
نساء - العراق - دكاكين

على بعد بضعة أمتار من بيت بهية، تجلس ازدهار محسن، 49 عاماً، في دكان صغير تبلغ مساحته مترين مربعين، كانت قد اتخذت من باب بيتها مدخلاً له.

تقول ازدهار أرملة وأم لثلاث فتيات صغيرات، لموقع (إرفع صوتك)، إنّ العوز دفعها إلى العمل في بيع الملابس النسائية بعد فقدان زوجها وابنها، بحادث تفجير سيارة مفخخة عام 2013. وقد اختارت أن تستغل مساحة بسيطة في منزلها لأنّها لا تستطيع استئجار دكان في السوق.

عندما فقدت زوجها، بدأت ازدهار فوراً ببيع بعض المصوغات الذهبية التي بحوزتها لتتمكن من توفير رأس المال للمتاجرة بالملابس النسائية. وتشير إلى أنها كانت تشتري كمية محدودة ثم تبيعها. وبذلك تمكنت من جمع عدد لا بأس به من الزبونات، وهي الآن تبيع الملابس وتتمكن من توفير ما تحتاجه أسرتها الصغيرة.

وتضيف لموقع (إرفع صوتك) أنّ المجتمع بدأ يرفض مهنة بيع الملابس النسائية داخل البيوت.

"البعض يطلق عليّ تسمية دلالة ويعتقدون أنني أستغل النساء وأحتال عليهن، لكي أبيعهن السلع بأضعاف سعرها الأصلي، مقابل أن يكون الدفع بالآجل وعلى شكل أقساط أسبوعية أو شهرية".

وتقول إنها تشعر بقلق بالغ على صغيراتها من نظرة المجتمع هذه، فهي لا تدري كيف ستتمكن من توفير لقمة العيش إذا ما فكرت بترك هذه المهنة كونها لا تملك شهادة دراسية.

"الناس لا يرحمون، ولا يفكرون بمعاناتي والمصاعب التي تواجهني. لذا لا يهمني رأيهم، المهم تربية بناتي وتوفير لقمة العيش المناسبة لهن".

*الصور: عراقيات يستعنّ بالدكاكين المنزلية للتغلب على مصاعب الحياة/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.