نازحة تروي رحلة الغربة والضياع/إرفع صوتك
نازحة تروي رحلة الغربة والضياع/إرفع صوتك

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

“نجحنا في الهرب من داعش سيراً على الاقدام، لكن ثمن ذلك كان فقدان أزواجنا فيما بعد”، هذه أولى العبارات التي تحدثت بها كوثر صالح لموقع (إرفع صوتك).

أشعر بندم كبير

كوثر الآن تنتظر زوجها على أمل الوصول للعاصمة بغداد، فبعد إصابته في انفجار عبوة ناسفة، وسقوطه جريحاً على الأرض، حين كانوا يحاولون الفرار من مدينة الفلوجة مع بدء المعارك بين قوات الجيش العراقي وتنظيم داعش، في شهر أيار/مايو، طلب منها أن تتركه وتواصل مهمة النزوح.

تقول “أشعر بندم كبير. لقد تركت زوجي جريحاً أعزلا يواجه مصيره لوحده هناك”.

جحيم تلك المدن

وتضيف كوثر، 44 عاما، ولديها ثلاثة أطفال أكبرهم لم يتجاوز السادسة من عمره، أنّ أفكاراً كثيرة تراودها حول مصير زوجها الذي فقدت التواصل معه. “تارة يخطر ببالي أنه قُتل من قبل الدواعشوتارة أخرى أتخيل مقتله على يد قوات الجيش العراقي أو الحشد الشعبي أو أنه قد مات بسبب إصابته”.

وتعود المرأة في النهاية في محاولة لإقناع نفسها بقرب وصول زوجها، كحال الأزواج الذين يصلون يوميا هرباً من جحيم تلك المدن. “لكن زوجي لم يكن مع الذين وصلوا إلى المخيم حتى الآن”، تقول بحسرة وألم.

الانتظار المجهول

أما سعاد التي تخاف من استخدام اسمها الكامل، فقد استطاعت بعد رحلة نزوح طويلة مع أطفالها الوصول إلى مخيم عامرية الفلوجة والاشتراك بخيمة واحدة مع عائلة أخرى، بعد فشلهم في الحصول على خيمة مستقلة. لكنها الآن تسكن في بيت ببغداد لأحد المتبرعات مع نازحة وأطفالها الاربعة.

هذه الأخيرة فقدت زوجها هي الأخرى عند وصولهم لإحدى نقاط التفتيش التابعة للقوات الأمنية العراقية منتصف هذا العام، حيث تم احتجازه ولم يتم إطلاق سراحه حتى الآن.

وتقول كوثر “نحن نفقد الأمل في حياة أفضل من هذه، إذ نعيش على المساعدات والتبرعات، وأطفالنا لن يلتحقوا بالمدارس. ولا يوجد سوى انتظار المجهول”.

ساخطة على بعض جيرانهم

وتشير كوثر إلى إنّ معاناتهن لم تكن بداية رحلة النزوح وفقدان أزواجهن فقط، بل كانت منذ لحظة دخول تنظيم داعش لمدنهم وفرض سيطرته عليها بالقتل. وهي ساخطة الآن على بعض جيرانهم الذين كانوا قد انضموا للتنظيم هناك في الفلوجة وتشعر بحزن شديد عند الحديث عن غدرهم وقتلهم لشقيق زوجها وابن عمه. “كنت أتمنى معرفة مصير هؤلاء. لكنهم اختفوا مع بدء معارك التحرير”.

وتتذكر كوثر مشاهد من رحلة النزوح وتقول “قتل أمامي بعض النازحين إما برصاص داعش أو بلغم أرضي أو غرقاً في نهر الفرات”.

وتشير إلى أنها تشعر بالغربة والضياع، وزاد شعورها بعد أن حاولت قبل أشهر الدخول إلى العاصمة بغداد، لكن منعت من ذلك لدواع أمنية. ولولا مساعدات بعض الناس لما استطاعت السكن الآن بعيداً عن المخيم.

*الصورة: نازحة تروي رحلة الغربة والضياع/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

A woman walks on a road dug up by workers as part of rehabilitation public works on the outskirts of Baghdad on September 15,…
أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات العمل على مشاريع إنمائية في بغداد

تنعم بغداد باستقرار نسبي، بعد نزاعات مدمّرة استمرت عقوداً، أتاحت أشغال تجديد في المدينة من طرقات معبّدة ونظم صرف صحي جديدة إلى فنادق فارهة ومطاعم، وهي مشاريع تسمح للسلطات أيضاً بالدفع ببرنامج عملها أمام الرأي العام. 

فقد جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من إعادة تأهيل البنية التحتية أولوية لحكومته.

في بغداد البالغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، تكثر المشاريع الكبيرة لوصل الأحياء العشوائية بشبكات الكهرباء والماء وترميم الطرقات والأرصفة وبناء جسور.

وفي بلد تصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام على مدى عقود جراء الحروب  والتوترات الأمنية والانفجارات، أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات تقريباً وإعلان الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية(داعش)، افتتاح مراكز تجارية ومقاه ومطاعم فاخرة. 

على ضفاف نهر دجلة، يمكن لرواد مجمع "ألف ليلة وليلة" الاختيار بين 12 مطعماً فضلاً عن سلسلة من المقاهي وصالات الاحتفالات ومتاجر وقاعة للعبة البولينغ. خلال عطلة نهاية الأسبوع، يتردد العشرات إلى المكان برفقة العائلة أو الأصدقاء لتناول الطعام أو تدخين النرجيلة وممارسة لعبة البولينغ.

وفتح المجمّع الذي بني في حديقة أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين أبوابه أواخر العام 2022، على أرضٍ هي الآن بيد نقابة الصحافيين التي استأجرت الموقع. وأطلق المشروع "عدد من المستثمرين الشباب المختصين بالشأن السياحي"، وفق المدير التنفيذي للمشروع فلاح حسن.

ويرى حسن أن "العراق أرض خصبة للاستثمار بشكل لا يمكن تخيله" لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود "معوقات" مثل "الوضع الأمني والروتين الحكومي العقيم" حيث ينبغي المرور "بألف نافذة لتتمكن من أن تأخذ ورقة موافقة واحدة".

 "مناخ الاستثمار ضعيف"

اعتبر البنك الدولي في تقرير نشر أواخر يوليو أن "مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفاً"، مشيراً إلى "غياب تشريعات مؤاتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج" في إشارة إلى الرشوة.

وتسعى السلطات إلى تغيير ذلك الواقع. ويعمل رئيس الوزراء الذي أعرب مراراً عن عزمه على مكافحة الفساد، وجذب المستثمرين الكبار، لا سيما من دول الخليج.

في أواخر أغسطس، شارك السوداني في وضع حجر الأساس لفندق ريكسوس الفاخر ومجمّع سكني، وهو الاستثمار القطري الأوّل في العراق.

وقال السوداني حينها "بدءاً من رئيس الحكومة وانتهاءً بآخر موظف، سوف نكون مع المستثمر ومع الشراكة ومع القطاع الخاص الجاد في تنفيذ مشاريع الاستثمار في بغداد والمحافظات وإقليم كردستان". 

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، أكّد السوداني على أن حكومته جعلت محاربة الفساد "في أولوياتنا".

لكن ما الذي يقف خلف هذه "الطفرة" التنموية في بغداد؟ في مقال له نشر على موقع معهد "الدراسات الإقليمية والدولية"، التابع للجامعة الأميركية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، يرى الباحث حيدر الشاكري أن "الطبقة السياسية العراقية وشركائها في مجال الأعمال قرروا استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية".

ويشير الشاكري في هذا الإطار خصوصاً إلى "مجمعات سكنية فخمة ومراكز تجارية وجامعات خاصة".

لكن السلطات تعتمد سياسة تحديث البنى التحتية. وتبلغ قيمة الاستثمارات في موازنات السنوات 2023 حتى 2025، 37 مليار دولار سنوياً، وهي تقدّر بثلاثة أضعاف القيمة الفعلية للاستثمارات في العام 2022 وفق البنك الدولي.

وقد أتاحت الاحتياطات المالية الكبرى بالعملة الصعبة التي تفوق 100 مليار دولار والمكتسبة من أسعار النفط المرتفعة، إمكانية طرح تلك المبالغ في الموازنة.

"إلى متى؟"

وأنشأت الحكومة فريق الجهد الخدمي والهندسي، الذي يضمّ جهوداً وفرقاً من وزارات وشركات عامة ومهندسي الجيش والحشد الشعبي، مهمته إعادة تأهيل الأحياء العشوائية "المحرومة منذ أكثر من عشرين عاماً" من الخدمات وفق رئيس الجهد الخدمي في بغداد المهندس عبد الرزاق عبد محيسن. 

تنكّب فرق الجهد الخدمي على العمل في الأزقة الترابية في حيّ الكوفة الواقع على أطراف العاصمة. تحفر جرارات الشوارع من أجل توصيل أنابيب جديدة، فيما تقوم شاحنة بنقل الحطام.

ويقول عبد محيسن الذي يشرف على الأعمال في حي الكوفة إن "هناك أكثر من 1093 عشوائية في محافظة بغداد أعدّت الخطط لها على أن تكون الأعمال بشكل تدريجي".

وأضاف "هناك أكثر من 200 مليار دينار مخصصة لأعمال البنى التحتية من ضمنها المياه والصرف الصحي وإعادة تأهيل الشوارع".

يرحب بعض سكان تلك المنطقة بهذه التغييرات، لكن آخرين ما زالوا يشتكون من نواقص عدة في الخدمات تؤثر على حياتهم اليومية. 

ويشعر أبو علي البهادلي وهو عامل يومي في مجال البناء بفرحة غامرة إزاء هذه التحسينات في حيّه. 

ويقول "مناطقنا كانت محرومة من الخدمات بشكل تام"، مضيفاً أن الوضع في السابق كان مختلفاً، "لا نستطيع أن نخرج إلى الشارع بسبب الوحول التي تسببها الأمطار". 

إلا أن جاره أحمد راضي البالغ من العمر 45 عاماً، لا ينظر إلى الأمور بالإيجابية نفسها ويشتكي من قلة الخدمات والماء والكهرباء.

ويقول راضي وهو موظف حكومي "أعطيني مسؤولا يبقى بلا ماء ساعة واحدة. يريدون أن يعبدوا الشارع قبل إنجاز الماء. لقد تعبنا".

ويتساءل الرجل "متى يكملون الرصيف؟ متى يقومون بوضع نظام تصريف للأمطار؟"، مضيفاً "تأتي من عملك متعباً، لا كهرباء ولا ماء، المجاري منتشرة، أريد أن أعرف إلى متى؟".