د. نهى الدرويش
د. نهى الدرويش

مشاركة من صديقة (إرفع صوتك) د. نهى الدرويش:

حين نبحث عن حلول لمشكلات الصراع التي يعاني منها مجتمعنا التعددي، ينبغي أن لا نهمل جانبين رئيسين هما: التجارب الأخرى للمجتمعات التعددية، والرؤية المستقبلية لمجتمعنا.

لقد أفرز لنا الواقع أن مكافحة الإرهاب صارت هدفا مصيريا مشتركا بين السنة والشيعة في العراق. ورغم أن التوحد حول هذا الهدف استغرق وقتا طويلا وضحايا كثر، إلا أن التاريخ يقول لنا أن الشعوب التي اختارت السلام لم تتوصل إليه إلا بعد تجارب صراع مريرة.

والسؤال الذي لابد أن نبحث عن جواب له هو: هل ستنجح التهديدات والمخاطر دوما في توحيدنا وطنيا بعد أن تصارعنا عقائديا؟

وحين نستنجد بمخرجات تجارب المجتمعات التعددية الأخرى التي نجحت في تحقيق السلام والمحافظة على استدامته فيها، تبرز أمامنا تجربة المجتمع الأميركي في تجاوزه الحقبة الكنسية التي أنهكت المجتمع الاوربي. إذ تمكنت من خلال مجموعة الآباء المؤسسين من انتاج منظومة فلسفية – قيمية جامعة للأمة الأميركية المتعددة الأصول العرقية والإثنية، مستندة إلى علَوية مبادئ حقوق الإنسان ومفهوم الديموقراطية. وبذلك نجحت في تحقيق المساواة – في صورها الممكنة وليست المطلقة- باعتمادها على حداثة وخصوصية مفهوم المواطنة في أميركا. وهكذا حققت نسبة عالية من السلام والوئام المجتمعي فيها، ونجحت في لم شتات تنوعها الإثني والعنصري والنوعي والقومي تحت مظلة القيم المشتركة للأمة الأميركية. فانطلقت من خلال قبول واحترام الآخر المختلف كقيمة عليا نحو بناء السلم المجتمعي، وأنهت بذلك عصر التمييز والصراع والحرب الأهلية متوجهة نحو التنمية السريعة والتقدم العلمي والتكنولوجي لتصل الآن إلى مرحلة الرفاهية الفردية. أميركا اليوم تعتبر كل ما يهدد قيمها الديموقراطية هو تهديدا لأمنها القومي في أعلى مستوياته.

الأسئلة التي ينبغي لنا طرحها بجرأة ومناقشتها بعمق فكري وموضوعي، هي:

هل يمكننا استلهام قصة نجاح بناء الأمة الأميركية ذات التركيبة المجتمعية التعددية في بناء أمة عراقية ذات قيم إنسانية وطنية مشتركة؟ هل يمكننا تجاوز كل التمييزات والأحقاد التاريخية وإعادة بنائها وتطويرها وتحسينها بما يحقق مصالح الأجيال القادمة؟ أم سنورث أحقادنا وتمييزاتنا الراديكالية وصراعاتنا الثقافية والفكرية إلى أجيالنا البريئة ليصبحوا ضحايانا مثلما نحن ضحايا لأسلافنا؟ وهل نمتلك الإرادة الإشراقية لنؤسس لقيم تعايش سلمي عجز أجدادنا أن يورثوها لنا فصرنا ندفع ثمنها دما وألما وتمزقا إنسانيا.

ماذا يريد العراق أن يكون؟ هل يريد أن يكون بلداً إسلاميا راديكاليا يسعى نحو الماضي ليضمن هيمنة الأصولية والسلفية في المعتقدات الدينية والعشائرية ؟ ام بلدا يسعى  نحو المستقبل ليعيد بناء الماضي ويحسن ويطور منطلقاته التاريخية والحضارية والدينية والاجتماعية والثقافية؟ أم بلداً متكلسا في الحاضر ترنو عيونه نحو الماضي بحسرة من دون القدرة على نقده أو محاولة إعادة بنائه على وفق المعطيات الكونية الحالية؟

متى نفهم الآخر؟ متى نحترم الآخر؟ متى يكون الآخر المختلف عنا صديقا وليس عدوا… لقد وصلت المجتمعات المتحضرة إلى مرحلة متطورة من السلم والوئام النفسي والاجتماعي حتى مع الحيوان، وصارت الكثير من الحيوانات تعيش مع البشر في المنازل ولها حقوق تضمنها قوانين ونقابات ومنظمات تدافع وتحمي حقوقها من عنف الإنسان..

الحرب على الإرهاب لابد أن تنتهي… فهل سنتفرق بغياب التهديد والخطر… أم سنمضي نحو المستقبل بما يوحدنا ويكرس بيننا السلم والتعايش الآمن: قيمنا الإنسانية المشتركة؟

نحتاج أن نعي مقولة الناشط الأميركي مارتن لوثر كنغ: يجب علينا أن نتعلم العيش معاً كأخوة أو نهلك معاً كما الحمقى.

نبذة عن الكاتبة: د. نهى الدرويش، أكاديمية وناشطة مدنية عراقية. 

لمتابعة نهى الدرويش على فيسبوك، إضغط هنا.

 الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.