*الصورة: لاجئون عراقيون يتحدثون قرب خيمة في مخيم الخازر غرب مدينة أربيل/وكالة الصحافة الفرنسية
*الصورة: لاجئون عراقيون يتحدثون قرب خيمة في مخيم الخازر غرب مدينة أربيل/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم خالد الغالي:

“في الأسبوع الماضي سقطت أمطار غزيرة في محافظة صلاح الدين وتسببت في أضرار كبيرة بمخيم النازحين. سقطت الخيام الموجودة على الأطراف. لا يكاد هنا يوجد طعام أو ماء. بعض النازحين يسكنون في المحلات وفي البيوت القديمة وحتى في الحظائر”، بهذه الكلمات يصف الجندي العراقي أكرم شاكر المساري أحوال النازحين في منطقة ربيظة في ناحية العلم بمحافظة صلاح الدين (وسط).

ويضيف أكرم “هذه بداية الأمطار فقط، لا أدري كيف سيكون حالهم عندما ينتصف الشتاء”.

جبال حمرين

على طول جبال حمرين تنتشر نقاط مراقبة الجيش العراقي ومليشيا الحشد الشعبي. ستة جنود تقريبا في كل نقطة. يربط جزء من هذه الجبال بين منطقة ربيظة  وبين قضائي الحويجة في محافظة كركوك ومدينة الموصل في محافظة نينوى الذين يسيطر عليهما داعش. وهي طريق النجاة الوحيد في المنطقة أمام العائلات النازحة.

“تستقبل نقاطنا 250 عائلة على الأقل يوميا”، يقول أكرم شاكر المساري، وهو جندي عراقي مرابط بإحدى هذه النقاط.

في كل ليلة تغامر عائلات عراقية بحياتها للوصول إلى القوات العراقية. وتلزمها سبع ساعات على الأقل، بدءا من لحظة دخولها إلى الجبل وحتى وصولها إلى أقرب نقطة مرابطة للجيش العراقي أو الجيش الشعبي. لا تكاد المسافة تتجاوز 12 كيلومتر، لكن صعود الجبل مشيا ووجود أطفال ونساء وشيوخ كبار بين النازحين يبطئ سيرهم، من دون نسيان خطر مهاجمتهم من عناصر داعش في أية لحظة.

تعبر الغالبية العظمى من العائلات ليلا، لكن بعضها يغامر في واضحة النهار. “لدينا مناظير ليلية ونهارية. بمجرد رؤية أية عائلة من بعيد نهرع للوصول إليها في أقرب وقت ممكن”، يقول الجندي العراقي الذي لا يتجاوز عمره 22 سنة، في اتصال بموقع (إرفع صوتك).

ويوضح أكرم شاكر المساري أن القوات العراقية وضعت على طول منطقة عبور العائلات علامات لتوضيح الطريق التي يمكن للنازحين أن ينفذوا منها، حيث أن المنطقة مليئة بالألغام ويستحيل التقدم فيها إلا مشيا.

طريق الموت

طريق النجاة ليس سهلا، فعلى العائلات أن تتحمل مغامرة السير ثلاثة أيام داخل مناطق داعش للوصول إلى الجبل، ثم سبع ساعات للوصول إلى القوات العراقية.

ووضع داعش بدوره نقاط مراقبة في جبال حمرين. “يستخدم مقاتلوه الدراجات النارية لملاحقة العائلات وإجبارها على العودة، وهم لا يترددون في قتل من يقدرون عليه”.

ويحتدم السباق بين الجيش العراقي ومقاتلي داعش حول من يصل أولا إلى العائلات، ما يفتح المجال أمام الدخول في صدامات. لا تتعدى أحيانا اشتباكات لساعة، فيما تمتد لمعارك طاحنة لأكثر من سبع ساعات أحيانا اخرى.

ينجح الجنود في افتكاك العائلات في أغلب الوقت، لكنهم يتراجعون أحيانا “نتيجة الغطاء الذي ينفذه داعش بسبب إطلاق النار الكثيف”، يقول أكرم. ويوضح “يقع هذا في الحالات التي يتمكن فيها داعش من الوصول أولا إلى بعض العائلات فيستخدمها دروعا بشرية. حينها، لا نستطيع الدخول في الاشتباكات”.

معارك حمرين

يتذكر أكرم معركة شرسة وقعت قبل أيام فقط بين أفراد من القوات العراقية والحشد الشعبي ومقاتلي داعش. يقول الجندي العراقي “هربت عائلات بشكل جماعي من ناحيتي العباسي والرياض بقضاء الحويجة. لكن ترصدها مقاتلو داعش، ولحقوا بها بدراجات نارية”.

وصلت العائلات، التي يفوق عددها 30، إلى الجبل مع بداية الليل. واكتشفها مقاتلو داعش مع حلول الصبح، ولم يتبق أمامها سوى كيلومترين للوصول الى القوات العراقية.

تسابق أفراد من نقاط المراقبة العراقية والحشد الشعبي لنجدتها، وجرت بينهم وبين مقاتلي داعش معركة دامية لساعتين ونصف.

“شارك في المعركة رجال من أربع نقاط مراقبة. كنا 16 فردا”، يقول أكرم.

في النهاية، تراجع مقاتلو داعش ونجح الجنود في تحرير العائلات. لكن ذلك لم يتم دون أن تخلف المعركة ضحايا: قتل سبعة من أفراد العائلات وجنديان وأصيب أربعة، وأرجع داعش إلى منقطة سيطرته حوالي 30 فردا.

في نقاط المراقبة، يوزع الجنود أغذية وملابس وغطاء على النازحين قبل نقلهم في الصبح إلى مركز الشرطة في منطقة ربيظة (ناحية العلم).

يستخدم الجنود كل تصل إليه أيديهم لنقل النازحين إلى المركز المذكور: سيارات الشرطة والجيش والحشد وحتى المواطنين.

لكن الخطر لم يزل بالكامل، فاحتمال أن يتسلل عناصر من داعش مع العائلات يبقى قائما.

“حدث مرة أن فجرت سيدة نفسها داخل سيارة كبيرة تنقل العائلات من الجبل إلى المركز. قتلت 18 شخصا، بينهم أربعة من رجال الشرطة”، يتذكر أكرم.

في مركز ربيظة، يتحقق رجال الشرطة والاستعلامات من هويات النازحين قبل توزيعهم على منازل الأهالي أو المخيمات أو حتى القاعات والمساجد والمحلات التجارية.

*الصورة: لاجئون عراقيون يتحدثون قرب خيمة في مخيم الخازر غرب مدينة أربيل/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.