مدنيون فارّون من الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
مدنيون فارّون من الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

أربيل – بقلم متين أمين:

رافق مراسل موقع (إرفع صوتك) قوات الجيش العراقي ومكافحة الإرهاب وقوات البيشمركة والحشد الشعبي في غالبية عملياتها العسكرية لتحرير مناطق مدينة الموصل من إرهابيي داعش. وفي الحلقة الثانية من المقال التي تستتبع حلقته الأولى، ينقل كذلك أصوات الموصليين الذين نجوا من حكم داعش.

"كان هناك قناص من التنظيم متواجدا في منزل جارنا وقد فتح لنفسه فتحة في جدار المنزل يقنص من خلالها القوات الأمنيةيصفون العيش "، يقول المواطن جاسم محمد من منطقة شقق الخضراء والذي عاش تحت حكم داعش على مدى أكثر من عامين.

الهرب من داعش

يروي جاسم كيف استخدم التنظيم المدنيين كدروع بشرية قائلاً إن مقاتل داعش كان يحمل حزاما ناسفا ليفجر نفسه بين الناس. "كان مختبئا بيننا كي لا تستهدفه القوات العراقية فكنا نحن دروعا بشرية".

استمر ذلك الوضع على مدى عدة أيام عاش فيها أهل الحي رعباً غير مسبوق. وما كان من جاسم وعائلته إلا أن تظاهروا بأنهم يريدون الذهاب إلى المنطقة باتجاه الجانب الأيمن الخاضعة لسيطرة داعش ليسمح لهم بالخروج. بعد أن وافق، أوهموه بأنهم متجهون نحو الجانب الأيمن ومشوا لمسافة بسيطة إلى هناك قبل أن يتواروا عن نظره ويستديروا ويدخلوا المناطق المحررة. "أبلغنا بعدها عن موقعه، فاستهدفته القوات الأمنية".

بدوره، يشتكي المواطن محمد عمر  من حي المصارف في الجانب الأيسر من الموصل في حديثه لموقع (إرفع صوتك) من الأوضاع المعيشية الصعبة. ويقول "ليس هناك مياه للشرب منذ عدة أيام، وأطفالنا جائعون بينما يتواصل القصف من قبل مسلحي داعش الذين يقصفون الأهالي بقذائف الهاون".

ويرجو أن تتقدم القوات الأمنية إلى الأمام لتأمين هذه المناطق، "فمفخخات داعش وانتحاريوه يهاجمون المدنيين".

المشاكل

وتوضح المواطنة خالدة جميل من حي القاهرة المشاكل التي يعاني منها السكان، قائلة "فرضوا علينا قوانينهم المتمثلة بلبس الخمار والكفوف، والمخالفات منا كن يتعرضن وأزواجهن للتعذيب من قبل التنظيم والغرامة التي تصل إلى 100 ألف دينار (حوالي 85 دولار أميركي) والجلد".

وتشير إلى أنّه الآن بعد أن حررتهم القوات الأمنية، الأوضاع أفضل بكثير "لكن لدينا مشاكل مع الخدمات وقلة الأغذية ومناطقنا ما زالت عرضة لهجمات داعش الذين يتواجد عناصره في المناطق غير المحررة القريبة منا".

الاختباء في المنازل

"كنا نختبئ في المنزل تحت الدرج وفي الحمام خشية أن يستهدفنا التنظيم بسيارة مفخخة أو بقذائف الهاون التي كانت تتساقط بكثافة على الحي"، يقول يوسف إدريس من حي الزهور لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف أن القوات الأمنية دخلت منزلهم وأبلغتهم بأنهم تحرروا من داعش ولا داعي للخوف بعد اليوم. وأشار إلى أنهم كذلك وزعوا عليهم الطعام وقالوا لهم إنهم قد ينقلونهم إلى المخيمات بسياراتهم حتى تهدأ الأوضاع إن أرادوا، وهكذا كان. "كانت المنطقة تشهد سقوط قذائف هاون، فقررنا الخروج منها ونحن الآن نعيش في أمان بالمخيم".

من جانبه، نقل المواطن حميد عثمان من حي البكر صورة عن آخر ما نفذه التنظيم من خطوات في منطقته. ويقول لموقع (إرفع صوتك) إن التنظيم أتى بالعجلات المفخخة إلى داخل الأزقة وأدخل عددا منها إلى البيوت وزرع العبوات الناسفة، وشن حملة إعدامات جماعية في صفوف المعتقلين لديه أمام أعين السكان لكي يخيفهم ويمنعهم من مساعدة قوات الجيش.

ويتابع الرجل "لكنه فشل لأن القوات الأمنية تمكنت من إنقاذنا وقضت على المسلحين ودمرت خططهم. نتمنى أن تعود الحياة إلى مناطقنا ونعيش بسلام".

الأمل بغدٍ أفضل

ويؤكد المواطن محمد خالد من حي القادسية الأولى لموقع (إرفع صوتك) أن الأهم بالنسبة لهم هو كونهم تخلصوا من التنظيم الذي كان يتدخل في كل أمور حياتهم، وجوّعهم خلال هذه المدة.

"أنا موظف ولم أستلم راتبي منذ أكثر من عامين ونصف، وكانت حياتنا في ظل داعش أشبه بسجن كبير فقدنا فيه كل شيء".

ويتابع أن تحرير منطقته أعاد له ولباقي السكان الأمل، متمنيا أن يكون الغد أفضل.

"التنظيم أبلغ الأهالي أن الجيش العراقي والقوات الأمنية ستقتلهم لكنهم رأوا عكس، فالقوات الأمنية عاملتهم بشكل جيد وقدمت لهم من طعامها ووفرت لهم الحماية والخدمات الصحية".

وفي الوقت ذاته، يرى المواطن صابر محمود من حي المصارف أن حماية الأراضي المحررة هو الواجب المهم بالنسبة للجميع.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "اليوم تخلصنا من داعش وجرائمه وعملياته اللاإنسانية والمهم أن نحافظ على أرضنا كي لا تكون مرة أخرى حاضنة للإرهابيين الذي أفسدوا حياتنا وأعمالنا وأدخلوا ثقافتهم الوحشية إلى مدننا وفصلونا عن العالم الخارجي".

ويتابع الرجل "حتى السجائر أصبحت ممنوعة لنا وكانت مباحة لمسلحي التنظيم. من كان يتواجد في الشارع أثناء الصلاة كان يعاقب بأشد العقوبات، لذا كنا ندخل بيوتنا ونغلق الأبواب هربا من رؤية مسلحي داعش!".

*الصورة: مدنيون فارّون من الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.