بغداد – دعاء يوسف:
"كيف يمكن لأم مثلي فقدت ابنها على أيدي تنظيم داعش أن تنظر إلى الذين انضموا إلى هذا التنظيم؟"، هذا هو السؤال الذي تطرحه صبرية حارث، 54 عاماً، التي قتل داعش ابنها وهو من المنتسبين لقوات الأمن العراقية في العام 2014 في محافظة الأنبار. ونزحت الأم بعد ذلك إلى بغداد.
كانت بداية حديث صبرية لموقع (إرفع صوتك) عن حاجتها إلى قدرة خارقة لنسيان ما حدث لولدها والاقتناع بفكرة أنها من الممكن أن تحسن نظرتها إلى الذين تورطوا مع داعش أو انضموا إليه.
لا يمكن تجاوز ونسيان ما حدث
وتشير صبرية، التي كانت تنظر إلى صورة لابنها حملتها بين يديها أثناء حديثها، إلى أنّه لا يمكن تقبل وجود العناصر الذين دعموا داعش أو انضموا إليه، بوصفهم أبرياء، بينما تستمر حوادث التفجيرات الإرهابية وعمليات القتل في كل أنحاء البلاد.
وتقول إن نسيان ما جرى على أيدي هذا التنظيم صعب، لسبب بسيط هو أن الناس فقدت الكثير.
"في نهاية المطاف لقد قتلوا ابني. لا يمكنني تجاوز ما حدث بسهولة".
قضايا الانتقام والثأر
النسيان حتّى لمن لم يتعرضوا لخسائر مباشرة بسبب داعش لا يبدو أمراً سهلاً. ويرى المواطن قاسم حسين، 51 عاماً، أنّ الوضع في المجتمع العراقي يحتاج إلى بعض الصراحة.
ويشك الرجل الذي يعمل في وظيفة حكومية بأن بعض الذين هربوا مؤخراً من المدن التي تشهد معارك التحرير من سيطرة داعش إما ساعدوه أو انضموا إليه. ويخشى من الوثوق بهم حتى وإن كانوا ضحايا!
ويعبر قاسم لموقع (إرفع صوتك) كذلك عن مخاوفه من الانتقام والثأر "فتركيبة المجتمع العراقي عشائرية، ولا يخلو تاريخه من قضايا الانتقام والثأر سواء كانوا ضحايا أو ممن تورطوا بارتكاب الجرائم".
هل يمكن الوثوق بهم؟
أما سهاد عادل، 35 عاماً، وهي أيضاً موظفة حكومية، فتقول إن مسألة استيعاب من انضموا إلى داعش في المجتمع غير عادية، "فبعض الذين انضموا إلى التنظيم هم من فئات المجتمع العراقي نفسه، ما أدى إلى إحداث شرخ كبير".
وترى أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، وسيكون الأبرياء من أبناء المدن التي كانت تحت سيطرة داعش هم من سيدفع الثمن.
ولا تتوقع سهاد أن يتقبل المجتمع العراقي فكرة التعامل مع العناصر الذين انضموا إلى مثل هكذا تنظيمات، متسائلة "هل يمكن الوثوق بهم بعد كل عمليات الدمار والقتل؟ هل فعلا سيتغيرون؟".
حوادث التفجيرات الإرهابية
وقد ارتكب داعش الكثير من الجرائم في العراق من قتل وسبي واستهداف للأقليات ولسائر المدنيين في تفجيرات إرهابية استهدفت أماكن سكنية وتجارية، مكبّداً المجتمع العراقي الكثير من الخسائر "الإرهاب في كل شيء. لذا فإن الحل هو في إحالة كل من انضم إلى التنظيم ومن ساعده أو تستر عن الجرائم التي ارتكبت بحق الأبرياء إلى القضاء"، يقول حكيم صالح، 47 عاماً، في حديث لموقع (إرفع صوتك).
ويعتقد حكيم الذي يعمل كسائق سيارة أجرة أنّ مشاعر العداء بدأت في الآونة الأخيرة تتصاعد في المجتمع تجاه أهالي المدن التي كانت في قبضة داعش بسبب استمرار حوادث التفجيرات الإرهابية.
"الناس حالياً ينظرون إلى أهالي تلك المدن على أنهم جزء لا يتجزأ من الذي يحدث في البلاد، وهذا ما أسمعه من ركاب سيارتي. يجب أن تتوقف حوادث التفجيرات الإرهابية ليتغير هذا الواقع".
ويضيف حكيم أنّ عدم إلقاء القبض على العناصر التي ربما كانت قد انضمت لهذا التنظيم لا يخلو من مخاطر على غيرهم من الأبرياء الذين لم يتورطوا مع داعش، مستشهداً بأن هذا التنظيم قد ظهر بعد انتهاء دور القاعدة بأعوام.
الدمار الذي لحق بتركيبة المجتمع
لا يتوقع الخبير في علم الاجتماع ضياء محمود أن يضمّد المجتمع العراقي جراحه بسهولة. ويرى أنّ غالبية أفراد المجتمع يعتقدون أن المدن التي كانت تحت سيطرة داعش قد ساهمت في تدميره.
ويقول محمود لموقع (إرفع صوتك) إن المجتمع العراقي قد يظهر بأنه متسامحاً، لكن هذا الأمر ليس دقيقاً، "فالكثير من الحوادث التاريخية تشهد بعنف ردود فعله، خاصة عندما تسنح له الفرصة المناسبة".
ويشير إلى أن توجهات الجهات الحكومية ومؤسساتها المسؤولة "واضحة بأنها غافلة عن الأوضاع الاجتماعية المأزومة التي صنعها المناخ الإرهابي".
"معارك تحرير المدن من سيطرة داعش ليست سوى معارك صغيرة قياساً بحجم الدمار الذي لحق بتركيبة المجتمع. ونهاية هذا التنظيم لا يعني أن المجتمع بخير، فالجراح التي أحدثتها هذه الحقبة من تاريخ البلاد ليست تقليدية".
*الصورة: عراقيون يرفعون علم بلدهم/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659