أبناء العشائر يتخذون مواقعهم في إحدى ضواحي الفلوجة خلال مواجهات مع مسلحي داعش/ وكالة الصحافة الفرنسية
أبناء العشائر يتخذون مواقعهم في إحدى ضواحي الفلوجة خلال مواجهات مع مسلحي داعش/ وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

خلال السنوات التي تلت احتلال العراق عام 2003، صارت العشيرة لبنة أساسية في بناء المجتمع العراقي، وأصبحت داعما لأبنائها وتمدهم بالقوة، وتتبنى أفعالهم في الصراعات المحلية، من أجل فرض السيطرة والهيمنة.

وهذا الواقع المتحرك بقوة، حتى مع استعادة الدولة العراقية السيطرة على مفاصل الحكم، يشكل خطرا في المحافظات التي تحررت من سيطرة داعش، بسبب تورط عدد من أبناء عشائر تلك المناطق بجرائم قتل وتهجير واغتصاب ارتكبوها بحق مواطنين من نفس مناطقهم وعشائرهم.

نحن مع الحكومة إذا أخذت بثأرنا

"ما حصل بعد عام 2014 من استباحة لدماء وأعراض الناس، هو أشد مما شهدته الأنبار (غرب بغداد) منذ دخول القاعدة في عام 2003"، يقول شيخ عموم عشيرة الجغايفة في محافظة الأنبار عواد الجغيفي لموقع (إرفع صوتك)، مضيفا "إذا كانت الحكومة قوية وقادرة على محاسبة المتورطين فنحن معها، وعليها أن تستمع إلى الشهود من الناس وشكاويهم".

ويتابع "وإذا لم ينصف القضاء حقوق الناس ستتحول القضية إلى عشائرية. وإذا تحولت إلى عشائرية لن تنتهي المشاكل".

ويقول الجغيفي وهو من أهالي قضاء حديثة غربي الأنبار "لا أعتقد أن هناك عشيرة ستدافع عن شخص انتمى لداعش، عن ماذا تريد أن تدافع؟ الدماء التي سفكت أو الأموال التي سرقت أو البيوت التي هدمت"، لافتا "عندما وقفوا مع الأجنبي القادم من خارج البلاد ضد أبناء عشيرتهم أو مناطقهم (في إشارة إلى الإرهابيين من غير العراقيين) هذا يعني أنهم لم يعترفوا بالعشائر، لذلك لا يمكن للعشيرة أن تحميهم".

ويؤكد شيخ عموم عشيرة الجغايفة وجود الكثير من العائلات التي تبرأت من أبنائها، والتي تعيش بشكل طبيعي في قضاء حديثة، في الوقت الذي يقاتل فيه أبناؤها إلى جانب التنظيم في أماكن أخرى.

ويبدي الجغيفي تخوف شيوخ العشائر من أداء القضاء  في التعامل مع عناصر التنظيم، موضحا "لدينا معلومات أن عناصر التنظيم بدأوا يخرجون من السجن في الرمادي ويتم مسح أسمائهم من الحاسبة (الكومبيوتر الذي يوثق أسماء المنضمين لداعش) مقابل مبالغ مالية".

القانون يوحد الجميع؟

أما في محافظة صلاح الدين (شمال العاصمة)، فقد شكلت عشائر المحافظة بعد أحداث الموصل في 2014 "مجلس شيوخ عشائر صلاح الدين"، الذي يضم 65 عشيرة من جميع طوائف وقوميات المحافظة.

"وضعنا في صلاح الدين يختلف عن الأنبار، نحن هنا لا نريد أن نؤسس لمشكلة عشائرية دائمة لما بعد داعش"، يقول المتحدث باسم المجلس مروان جبارة لموقع (إرفع صوتك)، مضيفا "نريد التأسيس لمرحلة جديدة يكون فيها القانون موحد للجميع".

ويوضح جبارة أن المجلس عقد أكثر من اجتماع لمناقشة مرحلة ما بعد داعش، موضحا أن عشائر المجلس اتفقت على عدة نقاط، يوضحها بقوله:

- تم الاتفاق على عدم تجريم العوائل أو معاقبتها أو ترحيلها إذا تبرأت من أبنائها المنتمين للتنظيم.

- على الحكومة العراقية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني وضع برامج للعوائل التي انتمى أفراد منها إلى داعش يكون أشبه بمشروع المناصحة المعمول به في السعودية ودول أخرى لإعادة تأهيلهم.

- عدم دمجهم في المجتمع ممكن أي يدفعهم للانضمام إلى الجماعات المتطرفة ولأن يشكلوا قوة خارجة عن القانون.

عشائر نينوى: محافظتنا الأكثر تعقيدا

أما الوضع في محافظة نينوى (شمال العراق) فيبدو أكثر تعقيدا من المحافظات الأخرى، لأنها تضم ديانات وطوائف وقوميات متعددة، تعامل معها داعش ببشاعة أكبر.

"داعش عندما دخل الموصل وتحديدا سنجار، انتهك أعراض أبناء الديانة الأيزيدية"، يقول المتحدث باسم مجلس العشائر العربية في نينوى مزاحم الحويت لموقع (إرفع صوتك) ، متابعاً "نحن كمجلس شيوخ عشائر عقدنا مؤتمرا بحضور رئيس مجلس المحافظة بشار كيكي أعلنا فيه البراءة من كل شخص انتمى أو شارك أو بايع داعش".

ويتابع الحويت أن مجلس شيوخ العشائر طالب بتسقيط الجنسية عن عناصر التنظيم ومصادرة أموالهم، قائلاً "وإذا لم تقم الحكومة المركزية بذلك سنضغط ونطالب حكومة نينوى بالتسقيط ".

وأشار إلى أن المجلس طالب أيضاً بترحيل عوائل عناصر داعش وبلا عودة، "لأن بقاءهم سيؤدي إلى تصاعد حالات الانتقام وزيادة المشاكل".

ويلفت المتحدث باسم مجلس العشائر العربية في نينوى، إلى أن المجلس اتفق مع القبائل الأيزيدية والقوميات والمذاهب الأخرى على عدم الانتقام العشوائي أو الانتهاك على أساس القومية أو الدين، مقابل القصاص من عناصر داعش وترحيل عوائلهم.

ويحذر الحويت من أن "تكون الأيام المقبلة أصعب من الأيام الماضية"، بسبب حالات الانتقام التي قد تحصل بين أبناء الديانات وبين القرى وحتى بين الإخوان من أهل القومية الواحدة أو الدين الواحد.

*الصورة: أبناء العشائر يتخذون مواقعهم في إحدى ضواحي الفلوجة خلال مواجهات مع مسلحي داعش/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.