ما ملامح العراق بعد انتهاء داعش عسكرياً؟/إرفع صوتك
ما ملامح العراق بعد انتهاء داعش عسكرياً؟/إرفع صوتك

بقلم علي عبد الأمير:

مع أنّ معركة تحرير الموصل من قبضة داعش، وقبلها معارك تحرير مناطق في محافظات صلاح الدين، ديالى والأنبار، هي سلسلة عمليات عسكرية صرف، إلا أن الحديث عراقيا وإقليميا ودوليا، يكاد يجمع على أن حلا مستديما لأوضاع البلاد لن يكون غير حل سياسي يأخذ بالاعتبار مسارا سلميا بدا العراق بعيدا عنه منذ عقود طويلة، وهو مسار يبدو من الصعوبة أن يعمل بفعالية، إن عثرت عليه القوى المتصارعة في البلاد واتفقت عليه.

العراق الموحد.. هل بات حلما بعيدا؟

ومع شبه إجماع على أن معركة الموصل هي لحظة تاريخية عصيبة يعيشها المجتمع العراقي، وربما تشكل نتائجها تحولا حاسما في أوضاع البلاد، لكن الآراء تختلف في طبيعة التحول ومساراته، فأستاذة علم الإجتماع د. منى العينه جي تعتقد أنّ "فكرة أن يكون التحول (بعد معركة الموصل) إيجابيا ويعود المجتمع إلى ما كان عليه، هي أضغاث أحلام، حيث لا يمكن اختزال كل الأحداث بمجرد تصالح واتفاق الفاعلين الكبار أو تغيير رأيهم  بحثا عن حل وطني. فالمجتمع  فرض عليه أن يكون مؤسسا على  أحقاد جاهلية مع سبق الإصرار على قتل الرابطة الوطنية".

وتؤكد العينه جي في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) أن "المكونات (الطائفية والقومية) لن تتقبل الاندماج بالآخر من جديد وبسهولة، بعد أن مورست عليها قاعدة الانغلاق أو مبدأ السياج الفاصل الكلي".

وإلى جانب عقائد الفصل الطائفي وإدارة البلاد منذ غزو العراق عام 2003 وفقا لأسس المواجهات الدامية والعميقة بين المكونات العراقية، كانت هناك "الفجوة التي تزداد عمقا كل يوم بين المجتمع والحكومة وإضاعة الصدقية مع خسائر الأرواح وتهجير وهروب ملايين العراقيين وقمعهم والاستخدام المفرط للقوة، وما لا يقدر من حالات القتل وهو ما تسبب بالآلام والخراب للنفوس".

وتشير الأكاديمية العراقية إلى أن كل ذلك تم  تعليقه "على شماعة التبريرات الواهية  التي لا تؤهل لغفرانها، وبدلا من البحث عن فرص للتقارب بين المجتمع والجهات المسؤولة تمّ إيجاد التشكيلات المسلحة من جميع الأطراف ثم شرعنتها  قانونا، مما وسّع الفجوة وعمّقها وزاد من نماذج العنف والعنف المقابل. الجروح نازفة بل ومستعصية على إيجاد علاج شاف لها".

قصة العراق ذاته وليس مجرد قصة داعش؟

إن انتهاء معركة الموصل وطرد تنظيم داعش من الأراضي العراقية لا يعنيان مطلقا انتهاء الأزمات السياسية التي بدأت تعصف بالمكونات العراقية الثلاثة الأساسية ما بعد 2003، وهذا ما يوضحه الكاتب والباحث الكردي هوشنك وزيري، مشددا في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) على أن "المنطق السياسي البديهي الذي يقول إن العدو المشترك يشرك الجميع في خندق واحد، فشل في العراق. فمع بدء اجتياح التنظيم للمدن العراقية السنية لم تستطع القوى العراقية أن تتوحد أمام هذا العدو الذي هدد جوهر الدولة".

ويعتقد وزيري أن ذلك عائد إلى قصة العراق المعاصر ذاته وليس إلى مجرد قصة التنظيم الإرهابي، فقد "تطرف العراق طوال تاريخه في إنتاج الكثير من العسكر والفعل العسكري وقلة قليلة جدا من السياسية والسياسيين، ولا تشذ السنتان الأخيرتان عن قاعدة كثرة العسكر مقابل صفر في السياسة والحوار".

والامتداد الوحشي لداعش، فرض مواجهة عسكرية مؤكدة مع التنظيم الإرهابي، وجعل الخيار العسكري أمرا مفروغا منه، وهو ما يشير إليه وزيري قائلا "لتحرير الأراضي العراقية شهد العراقيون الكثير من العمل العسكري، وهو شرعي بالتأكيد حين يتعلق الأمر بمحاولة هزيمة تظيم طائفي مقيت، لكن غير الشرعي في الأمر هو هذه الشحة المرعبة في آلية اشتغال الدولة ووظيفتها، عبر الفعل السياسي الذي يؤمن ببناء الحوار ومبدأ التعايش بين جميع المواطنين".

ويوضح وزيري "لم نرَ الكثير من الفعل السياسي، بموازة الحملة العسكرية الجارية، الذي قد يؤدي إلى التقارب والتلاحم بين الشيعة والسنة والأكراد، بل على العكس تماما هناك تحصينات جارية على قدم وساق من قبل العناصر الثلاثة لهوياتها على الصعيد الأيديولوجي، ولترسيخ حدود جزرها المعزولة على الصعيد المناطقي".

ويضيف "هناك من الكرد من يريد استقلال دولته اليوم قبل غد رافضا كل العرب، ومن السنّة من يريد استقلال إقليمه وإدارة نفسه بنفسه بعيدا عن الشيعة، وهناك من الشيعة من يريد بذريعة الأغلبية أن يمارس سلطة شمولية دينية رغما أنوف الكرد والسنّة جميعهم".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.