بغداد - بقلم دعاء يوسف:
وسط العاصمة العراقية بغداد وتحديداً في حديقة القشلة بشارع المتنبي حيث يكثر الزوار، تنظم مجموعات كثيرة من الشباب صباح كل يوم جمعة حملات استشارية وتوعوية وتثقيفية في مختلف المجالات.
تضميد الجراح
وتطوع علي وليد الطالب في المجموعة الطبية لطب الأسنان مع مجموعة من أصدقائه وهم طلبة في كلية الطب، لتوعية الناس بمخاطر الكثير من الأمراض وتقديم بعض العلاجات المجانية.
ويتحرك هؤلاء الشباب باتجاه شرائح المجتمع المختلفة لطرح مبادرتهم التي تقوم على عدد من المبادئ أهمها تحسين نظرة المجتمع السلبية تجاه الأطباء واتهامهم بالجشع المادي وعدم اهتمامهم بالمرضى، والتأكيد على الدور الإنساني لكل مهنة، ولكل مواطن عراقي.
ويقول علي لموقع (إرفع صوتك) "نسعى لنشر الأفكار التي تدعو الناس إلى مفاهيم الحب ودعم رغبتنا في التعايش السلمي وخاصة بعد تراجع قدرة داعش".
رغم أن الكثير من هذه الحملات لم تتبناها جهات حكومية أو رسمية، إلا أن الكثير من الشباب تطوعوا للترويج لها والمشاركة فيها، باعتبارها مبادرات وطنية تحارب في توجهاتها وإن كان بعضها غير معلن عنه الإرهاب والتطرف الفكري والديني.
ويضيف علي، الذي كان يقف بقرب خيمة أشبه ما تكون بغرفة للاستشارات الطبية، "نحاول أن يكون لنا التأثير الحيوي على أفكار الذين نلتقي بهم لخلق مزيد من المبادرات المضادة للتطرف الذي تدعمه فكرة عدم التعايش السلمي كالتفرقة العقائدية والعنصرية والطائفية".
ولقيت مبادرة إجراء الفحوصات الطبية للناس بصورة مجانية نوعاً من القبول والترحيب، إذ وجد متّى حنا، وهو من أبناء المكون المسيحي، ومن الذين استفادوا من هذه المبادرة فيها محاولة لدمج شرائح مختلفة من المجتمع دون النظر إلى انتماءاتهم الدينية أو الفكرية.
ويقول متّى، 43 عاما، ويعمل سائق سيارة أجرة ببغداد، لموقع (إرفع صوتك) إنّ هذه المبادرة تحمل أفكاراً سلمية "وتعتبر - وإن كان الطريق طويلا - خطوة نحو تضميد الجراح".
الصراعات الفكرية والطائفية
أما المجموعة الأخرى من الشباب المتطوعين، فتقوم بممارسة بعض الأعمال الحرفية مثل صناعة الحلي أو كتابة عبرات وطنية مثل "كلنا العراق" على أغلفة الهواتف النقالة مقابل مبالغ نقدية يتم تجمعيها للتبرع بها للعائلات النازحة والمحتاجة.
ويقول ماجد صلاح، 25 عاماً، وهو أحد المتطوعين، لموقع (إرفع صوتك) "نحاول استغلال مهارات الشباب المتطوعين لمساعدة فئات مختلفة من المجتمع العراقي".
وفي باحة المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي، اتخذت هذه المجموعات أمكنة للعمل. ويقول ماجد إنّه بعد إضعاف قدرة داعش، سيواجه العراقيون صعوبة في العودة كما كانوا قبل ظهور الإرهاب، "وخاصة مع وجود رغبة في الانتقام والعنف الذي تجذر في سلوك أفراد المجتمع".
"لذا فالحل بالنسبة إلينا هو تقديم مبادرات للمساهمة في إخراج المجتمع من مأزق استمرار الصراعات الفكرية والطائفية".
العلاقات الاجتماعية
ويبد أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد من تحرير مدن ومناطق الكثيرة كانت تحت سيطرة داعش وتراجع قدرة التنظيم وعودة عشرات الآلاف إلى بيوتهم قد دفعت الناس إلى التفكير بصورة جدية في كيفية الحفاظ على هذه المكتسبات ومنع انتشار أو عودة مثل هكذا تنظيمات.
يدرك الحاج خليل الدايني، 57 عاماً، أن منع انتشار التنظيمات الإرهابية ليس بأيدي المواطنين، بل بيد الحكومة وقد يحتاج الأمر إلى عمل كبير وربما إلى قوانين وتشريعات جديدة.
لكنه يعود ويؤكد في الوقت نفسه أن للمواطن دور يتمثل بأسرته.
"المطلوب مني كأب ورب أسرة اليوم هو إعادة النظر بتربية أبنائي وتعليمهم وفق مفاهيم إنسانية ليس لها أبعاد طائفية لمواجهة أي تطرف قد يطرأ في المستقبل".
ويتابع الحاج خليل "أنا الآن أركز في نصائحي لهم على ترسيخ مفاهيم نبذ العنف والكراهية في علاقاتهم مع الأصدقاء والناس".
ويصف الرجل كيف قد استغلت التنظيمات الإرهابية هذه الخلافات، وكيف تساقط المئات من دون تمييز بين جندي يحارب ضد داعش وبين مدني لا ذنب له إلا أنه كان يعيش في مدينة سيطر عليها الإرهاب.
ويشير إلى أن سوء العلاقات الاجتماعية لأسباب مذهبية وتزايد الخلافات والصراعات فيما بين الناس لها صلة كبيرة بما حدث للعراقيين.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659