الأردن – بقلم صالح قشطة:
مع كل ما تعرضوا له من اضطهاد وتنكيل وتهجير قسري من أراضيهم، لا يرى المسيحيون المهجرون من العراق سبيلاً للعيش بسلام وأمان، إلا بهجرة تتيح لهم تحقيق آمالهم وأحلامهم بغد أفضل، بعيداً عن بطش وإرهاب تنظيم داعش وغيره من قوى الإرهاب.
جون كرمليسي، البالغ من العمر 25 عاما، نزح من بلدته (كرمليس) القريبة من الموصل، إلى منطقة ماركا الواقعة شرق العاصمة الأردنية عمّان، التي يرى فيها محطة آمنة يمكنه الانطلاق منها هو وعائلته نحو الغرب، في هجرة قرروا أن تكون نهائية.
وفي حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) يقول كرمليسي إنّه من المستحيل أن يفكر بالعودة إلى بلدته. "لا أحد منا يفكر بالعودة بتاتاً، بيوتنا دمرت، ولم يتبقَ لدينا ما نعود لأجله".
ويوضح الشبا أن والديه لا يزالان في أحد مخيمات اللجوء في أربيل، وقد أتى إلى الأردن ليتمكن من تأمين طريق هجرتهم.
"مجرد مشركين وكفار"
وعلى حد تعبيره "المسيحيون بالذات تم تهجيرهم لأن الإرهابيين يستندون بفتواهم إلى الآية التي تقول (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)، ونحن بنظر داعش ومؤيديهم مجرد مشركين وكفار".
ويتابع كرمليسي "لدي الكثير من الحقائق التي لا يمكنني البوح بها حالياً حرصاً على سلامتي، لكن كل ما أريده هو الهجرة بعيدا عن الوطن العربي كله!"، متمنياً أن تكون وجهته إلى أستراليا، أو أميركا.
ورغم شعوره بالأمان في الأردن، إلا أن غياب العنصر المادي يهدد استقراره، ويحدّ من آماله بتحقيق حياة كريمة. وعلى الرغم من شعوره بالأمان في الأردن، لكن الشاب يشكو من كونه ممنوع من العمل. "أعمل بشكل غير قانوني في مطعم أتقاضى منه شهرياً 200 دينار أردني (ما يقارب 300 دولار أميركي)، مقابل 10 ساعات من العمل يومياً، ولو لم أعمل فقد يكون مصيري العيش في الشارع".
السعي للهجرة
من جهته، يتحدث الأب زهير وديع، وهو رجل دين عراقي نزح من قره قوش بالقرب من الموصل إلى العاصمة الأردنية عمّان، إلى موقع (إرفع صوتك) عن مسيحيي العراق، الذين يقول إنّهم باتوا جميعهم يسعون للهجرة، ولا شيء واضح أمامهم، فكل منهم ينتظر مصيره وقبوله من إحدى الدول التي قدم لها طلباً للهجرة.
وقد ينتظر اللاجئ فترة لا تتجاوز بعض الأشهر، وقد تمتد هذه الفترة لسنوات كما هو حال الكثير. وحسب الأب زهير، أستراليا هي الجهة الأكثر استقبالاً للاجئين المسيحيين من العراق مؤخراً.
وبحسب رجل الدين، فإن الانتظار والاعتماد على الحظ يسببان قلقاً كبيراً في حياة اللاجئ. "تحرير مناطقنا ليست سبباً كافياً لتجعلنا نعود لوطننا، فماذا يفعل من رأى بيته محروقاً أو مدمراً، ماذا عليه أن يعود ليفعل؟"، يقول الأب زهير موضحاً أن البعض من أبناء مناطقهم يغادرون العراق بحثاً عن الهجرة حتى اليوم.
من يحمي المسيحيين؟
ويؤكد الأب وديع أن خروجهم في البداية كان بسبب إرهاب داعش، ويطرح عدداً من التساؤلات التي تمنعهم من العودة، كمن سيحميهم إذا عادوا؟ فهو يرى أن داعش لا يقتصر على أشخاص معدودين، بل هو فكر يتنامى، وكم يحتاج هذا الفكر من الوقت لكي يعود إلى الصواب؟.
ويقول مستنكراً "نحن لا نريد أن نعود لمناطقنا لنواجه نفس المشاكل مرة أخرى في المستقبل".
ويشير الأب إلى أن منطقهم في العراق أصبحت فارغة من المسيحيين تماماً، ولا تزال الخطورة موجودة، "والمعارك لا تزال قائمة في الجوار على مقربة من بيوتنا"، منوهاً إلى أن هذا يشمل الموصل والقرى والبلدات المحيطة بها، فالخوف موجود حتى اللحظة، وهم لا يملكون أية ضمانات للعودة والعيش بسلام. "هذا ما يجعلنا نبحث عن مكان آخر نواصل فيه حياتنا"، يقول الأب.
وعلى حد تعبيره، فهناك مخطط لإفراغ العراق من المسيحيين "لا أدري إن كان مخططاً منظماً أو غير منظم، لكني أرى أن هناك مخططاً موجوداً، وهذا المخطط يمتد ليشمل الأيزيديين والصابئة أيضاً، وليس بإمكان أي شخص أن يجزم لمصلحة من يتم ذلك!".
ويرى الأب أن هذا المخطط لا يقتصر على العراق فحسب، بل يشمل سورية التي يراها تواجه ذات الظروف، ومصر التي شهدت تفجيراً في إحدى الكنائس مؤخراً. ويختم حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) بقوله "المشكلة تكمن في الفكر، وكمؤسسة دينية لا يوجد لدينا أي إمكانيات لمواجهة هذا المخطط، فكيف أستطيع إقناع من يواجه الإرهاب والجيوش بأن يغامر بحياته وأن يبقى في بيته؟".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659