نازحون عراقيون فروا من المعارك في الموصل/ وكالة الصحافة الفرنسية
نازحون عراقيون فروا من المعارك في الموصل/ وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

حرص أبو أحمد الحيالي من أهالي حي التحرير (شرق الموصل)، ومن خلال ما كان يتقاضاه من مرتبه التقاعدي، على تجهيز منزله بالمواد الغذائية الجافة قبل بدء عمليات تحرير الموصل، تحسبا لفترة المعارك وما قد يرافقها من أزمة غذائية لا يمكن التنبؤ بمدتها.

كما سعى الحيالي مع عائلته المكونة من 14 شخصا، من ضمنهم أحفاده الذين أسرعوا مع انطلاق العمليات للتجمع في منزل العائلة الكبير، إلى خزن ما يمكن من مياه الشرب، لكن سرعان ما نفذ مخزونهم من المياه بعد أسبوع فقط من بدء العمليات العسكرية، بسبب توقف محطات التجهيز.

ومع مرور نحو 40 يوما على عمليات استعادة الموصل من قبضة داعش، بدأت معاناة أهالي حي التحرير من نقص المواد الغذائية والصحية بالتفاقم، فضلا عن غياب الاحتياجات الأساسية كماء الشرب والوقود والكهرباء.

يقول أبو أحمد لموقع (إرفع صوتك) إنّ عائلته تعيش ما يعيشه النازحون من معاناة. "ما نختلف به عنهم هم في خيام ونحن في منازل".

ويشير إلى أن ما تمكنوا من خزنه هه الحبوب، لكنها لا تنفع ما لم تتوفر مكملات طبخها، فلا ماء ولا وقود. "كيف لنا أن نعيش في ظل غياب الطعام وماء الشرب!".

وتسرع عائلة الحيالي إلى فرش الأواني في محيط المنزل مع بدء سقوط المطر، في محاولة لجمع ما يمكن جمعه من مياه للشرب والطبخ.

ويعلق أبو أحمد "نسرع تحت المطر رغم البرد لجمع المياه، ولا نعلم إذا مرضنا من هذا البرد من أين سنأتي بالعلاج؟"، مشددا على أن أوضاعهم الحياتية باتت صعبة للغاية.

الناس نفذت أموالها

في الحي ذاته، تفتح بعض المحال أبوابها لبيع ما بقي فيها من مواد، فيما يحرص سالم، صاحب أحد المحال التجارية، على أخذ عربته التي يجرها الحمار إلى منطقة كوكجلي، لجلب ما يتمكن من جلبه من مواد غذائية.

"ما تمكن سالم من جلبه اليوم كان تقريبا 50 كيلوغراما من الطماطم، والناس تجمهروا حول العربة للحصول على كمية من تلك الطماطم"، ينقل أحمد (الابن البكر للرجل) مشاهدته، مضيفا في حديث لموقع (إرفع صوتك) "الكثير من أهالي الحي لم يستطيعوا الشراء فقد نفذت أموالهم، والوضع لا يسمح بالبيع بالآجل، لا سبيل لنا سوى المؤسسات الحكومية".

ويعوّل أحمد على أن تتولى الحكومة زيادة ما يصل إليهم، عبر قوات الجيش، من مياه شرب ومواد غذائية، دون أن ينسى الحاجة للمساعدات المالية.

وفيما تصل قافلة تحوي مواد غذائية، يتدافع أهالي الحي إضافة إلى مواطنين قدموا من الأحياء المجاورة للحصول على سلة غذاء وسط ضجة وصراخ، فيتدخل أفراد القوات الأمنية لتنظيم صفوف المواطنين. لكن سرعان ما تنفد تلك المواد.

وتقول أم عمر التي نجحت في الحصول على وجبة غذائية بعد مشقة "أكثر من ساعة وأنا وسط التدافع حتى حصلت على صندوق يكفينا لأيام قليلة، لا أعرف ماذا سأفعل مع أبنائي الأربعة بعد نفادها".

وتضيف لموقع (إرفع صوتك) "لم نغادر منازلنا خشية المرور بظروف الجوع والعطش والبرد التي يمر بها النازحون في المخيمات، لكن يبدو أننا نازحون في منازلنا".

الجيش يقاتل ويقدم الخدمات

من جهته يرى المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول الزبيدي، أن القطعات المشتركة بجميع صنوف القوات الأمنية مستمرة بتقديم الدعم الطبي والإنساني للمواطنين.

ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن "الجيش يقع على عاتقه قتال التنظيم الإرهابي وهو في نفس الوقت يقدم الخدمات للمواطنين. أنا على يقين بأن أهالي الموصل بحاجة إلى حجم أكبر من الدعم، لذلك نطالب المنظمات الإنسانية والحكومة المحلية بأن تأخذ دورا أكبر في توفير تلك الاحتياجات".

وأوضح الزبيدي أنه بإمكان الحكومة المحلية ومن خلال مواردها المادية والبشرية الإسهام في حل أزمة مياه الشرب في أحياء الموصل، متعهدا بالمقابل توفير الحماية  لأجهزة الحكومة المحلية، مؤكدا "نحن مستعدون لتوفير كل الحماية للكوادر العاملة على إعادة تأهيل البنى التحتية في المناطق المحررة".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.