بقلم خالد الغالي:
7000 منزل مدمر كليا، 200 مدرسة مهدمة، 64 دائرة حكومية، 32 جسرا، المستشفى الوحيد خارج الخدمة، ومئات العبوات الناسفة. هذه هي الرمادي (وسط العراق) التي عاد إليها سكانها بعد تحريرها من يد داعش، في شباط/ فبراير 2016.
رغم كل هذا، فضلت 64 ألف عائلة السكن في أنقاض المدينة على البقاء في مخيمات النازحين.
"عاد ما لا يقل عن 85 في المئة من سكان الرمادي إلى منازلهم"، يقول قائممقام المدينة إبراهيم الجنابي في تصريح لـ(إرفع صوتك)، مشيراً إلى أنّه يتوقع أن يعود الباقون في الأسابيع القليلة المقبلة.
"نعمل حاليا على إسكان أهالي المناطق الشمالية الغربية للرمادي. ومع نهاية العام الحالي وبداية العام المقبل، يمكن أن نعلن عودة جميع النازحين".
المدينة الشبح
عانت الرمادي الويلات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث كانت مسرحا لمواجهات دامية بين الجيش ورجال العشائر نهاية سنة 2013، وهي المواجهات التي استغلها تنظيم داعش للاستيلاء على المدينة في أيار/مايو 2015 بعد أكثر من عام من المعارك.
"قاتلت الرمادي داعش لمدة سنة وستة أشهر، فانتقم منها بوحشية"، يشدد إبراهيم الجنابي. وفي نهاية سنة 2015، تطلب إخراج داعش من الرمادي عملية عسكرية واسعة خلفت أضرار بالغة، لتتحول عاصمة محافظة الأنبار إلى مدينة شبح.
تتجاوز نسبة الدمار في الرمادي 80 في المئة في أقل تقدير، حسب قائممقام المدينة إبراهيم الجنابي وإثنين من أعضاء مجلس محافظة الأنبار: صباح الكرحوت ورافع الفهداوي. وهناك أكثر من 40 ألف منزل مدمر جزئيا. لكن، بدون مساعدات دولية هائلة سيبقى الدمار سيد الموقف للسنوات القادمة. وتتطلب عملية إعادة إعمار الدور السكنية وحدها ثلاثة مليارات دولار، فيما يتطلب إصلاح البنية التحتية أكثر من تسعة مليارات دولار.
"لدينا خارطة لكل محافظة الأنبار. تم جرد كل ما يحتاج إلى إعادة الإعمار من مدارس ومستشفيات وجسور ومشاريع تنموية وعمرانية، غير أننا ننتظر وصول اعتمادات مالية. إعادة الإعمار مرهونة بالتخصيصات المالية من الحكومة الاتحادية والدول المانحة"، يقول عضو مجلس المحافظة صباح الكرحوت لـ(إرفع صوتك).
غير أن المساعدات التي تقدم للرمادي حاليا ضعيفة جدا. "الحكومة الاتحادية نفسها موازنتها شبه فارغة. بل إنها منذ ثلاث سنوات لا تملك موازنة استثمار، وأغلب الاعتمادات المالية تذهب لمحاربة داعش"، يوضح إبراهيم الجنابي. أما "مساعدات الأمم المتحدة فخجولة. لا يتجاوز الأمر إصلاح محطة ماء هنا ومحطة كهرباء هناك"، يضيف صباح الكرحوت.
في أعين قائممقام المدينة، لا يوجد في الرمادي "شيء اسمه إعمار". "هناك ترقيعات فقط"، يصرح قائلا. ويتساءل "ماذا ستفعل للرمادي 5000 أو 10 ألاف أو حتى 100 ألف دولار، تقدمها منظمة دولية"، مشيراً إلى وجود 64 ألف عائلة داخل الرمادي.
"نحتاج إلى 20 مليون دولار لإعمار مستشفى الرمادي، و50 مليون دولار للمدارس، و10 ملايين دولار للشوارع. جامعة الرمادي وحدها تحتاج إلى 50 مليون دولار. نحن نقبل كل ما يقدم لنا، هذا صحيح. لكن هذه المبالغ تساعد على الاستقرار فقط، وليس إعادة الإعمار".
مدينة الألغام
تسببت مئات العبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش في شوارع الرمادي في تأخير عودة أكثر من نصف مليون نازح إلى مدينتهم لعدة أشهر. وتطلبت عملية إزالة الألغام التعاقد مع شركة جوناس جلوبال الأميركية، إحدى أكبر الشركات المتخصصة في هذا المجال في العالم.
اليوم، يؤكد إبراهيم الجنابي أن أكثر من 95 في المئة من الألغام تمت إزالتها داخل مركز المدينة، موضحا أنه تم تفكيك أكثر من 6000 عبوة ناسفة. ويضيف الجنابي أن جوناس جلوبال انتهت تقريبا من تأمين المؤسسات الحيوية من مستشفيات ومدارس وجسور، متوقعا أن يبدأ العمل في تأمين الدور السكنية خلال أسابيع. لكن قائممقام الرمادي يقر أن محيط المدينة ما يزال مليئا بالمتفجرات، خاصة قطاعه الجنوبي الذي كانت داعش تتوقع أن تدخل منه القوات العراقية.
كلف تأمين المدينة غاليا. وخلال أشهر فقط سقط أكثر من 140 قتيلا أثناء عمليات تفكيك المتفجرات. "تستعين الشركات الأجنبية في أغلب الأوقات بأشخاص بدون خبرة. قتل 60 شخصا في شرق الرمادي وحدها أثناء إزالة الألغام"، يقول عضو مجلس محافظة الأنبار رافع الفهداوي.
في أعين إبراهيم الجنابي، يتحمل العالم كله مسؤولية ما وصلت إليه الرمادي. "العالم كله شارك في تدمير الرمادي. داعش هاجم المدينة بمقاتلين من كل الجنسيات، من فرنسا وبريطانيا وأمريكا وروسيا والصين. ومن الإنصاف أن تطلب الرمادي وقوف العالم إلى جانبها. وعلى كل الدول من باب الواجب الأخلاقي أن تأخذ على عاتقها مهمة مساعدة العراق"، يصرخ السياسي العراقي.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659