أبقار تبحث عن طعام في أحياء الموصل الشرقية/وكالة الصحافة الفرنسية
أبقار تبحث عن طعام في أحياء الموصل الشرقية/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

يتمثّل التحدي الأكبر للعراق بالتخلص من داعش، لكن هذا ليس التحدّي الوحيد. فمرحلة ما بعد التحرير هي تحت المجهر منذ الآن، لكي يتمكن السكان والنازحون من العودة واستعادة حياتهم الطبيعية.

وإذ تستمر في الفترة الحالية العمليات العسكرية للقوات العراقية المشتركة ضد تنظيم داعش في محافظة نينوى (شمال العراق)، يحاول الأخير استهداف الأحياء المحررة بهجمات صاروخية عشوائية وسيارات مفخخة.

حكومة نينوى المحلية بدورها وضعت خططا، بعضها آنية بالتزامن مع العمليات العسكرية، وأخرى لمرحلة ما بعد اكتمال التحرير.

"كل آليات الدوائر البلدية بدأت تعمل إلى جانب القوات الأمنية من أجل إصلاح البنى التحتية، وهناك صورة إيجابية وتسهيلات كبيرة من قبل القيادات الأمنية"، يقول عضو مجلس محافظة نينوى حسام الدين العبار لموقع (إرفع صوتك) موضحا "في أولويات الخطط الموضوعة معالجة انقطاع الماء وفعلا باشرت الدوائر البلدية بإصلاح الأنابيب التي دمرت".

ويتابع العبار أن خطوط الضغط العالي الناقلة للتيار الكهربائي من سد الموصل إلى المدينة تعرضت إلى التدمير بسبب العمليات العسكرية. وبالتنسيق مع القطعات العسكرية تم معالجة هذه الخطوط وبدأ التيار الكهربائي بالعودة إلى بعض المناطق.

وفي الجانب الصحي، افتتح مجلس المحافظة خمسة مراكز طبية في أحياء الانتصار وكوكجلي والسماح والزهور والزهراء، بحسب العبار الذي أشار إلى أن هجمات التنظيم على الأحياء المحررة تؤدي إلى سقوط ضحايا بشكل يومي، وبسبب صعوبة نقلهم إلى مستشفيات إقليم كردستان سيكون هناك  تأهيل لمستشفى الحمدانية بالتنسيق مع وزارات الصحة والهجرة والمهجرين.

ويلفت العبار إلى أنه تم اختيار مدارس عدة من قبل لجنة التربية في الحكومة المحلية بإشراف مديرية تربية نينوى من أجل البدء بالدوام الرسمي.

جهود حكومية ... تطوعية!

ويؤكد العبّار "الدعم ضئيل من الوزارات قياسا بحجم المعاناة"، موضحا "الميزانية التشغيلية للدوائر صفر. لحد الآن كل الجهود المبذولة هي جهود تطوعية سواء من الأجهزة الحكومية أو اللجان المشكلة في المناطق".

وعن خطة ما بعد تحرير المحافظة، يقول عضو مجلس محافظة نينوى "الخطة المدنية التي وضعتها الحكومة المحلية قسمت كل جانب (الأيمن والأيسر) في الموصل إلى أربعة قطاعات، يضم كل قطاع دوائر خدمية متكاملة".

ويتوقع العبار معوقات سياسية قد تواجه عملية إعادة الاستقرار إلى الموصل، موضحا "هناك أجندات سياسية لما بعد التحرير وهناك دعوات لتقسيم المحافظة لكن نحن في مرحلة إيقاف لنزيف الدم، وبعد الاستقرار سيكون الخيار لأبناء المحافظة".

بغداد غير قادرة على تأهيل الموصل؟

بدوره، يؤكد عضو مجلس النواب عن محافظة نينوى ماجد خلف شنكالي "هناك ما هو أهم في أولويات خطط ما بعد التحرير، وهو مسألة المصالحة المجتمعية بين أبناء المجتمع في نينوى"، مضيفا أن "حل ملف المكونات التي تضررت من تنظيم داعش يجب أن يأخذ الأولوية لأنه هو من سيؤدي إلى الاستقرار الأمني".

ويلفت شنكالي إلى اجتماعات لأعضاء مجلس النواب عن نينوى أفضت إلى الاتفاق على تشكيل لجان من أهالي هذه المناطق للمباشرة بتنفيذ المصالحة.

ولا يخلو طريق اعادة تأهيل مناطق الموصل من الصعوبات، وفي مقدمتها غياب التخصيصات المالية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

ويوضح شنكالي "مرحلة ما بعد داعش ستحتاج إلى دعم دولي كبير لأن الحكومة العراقية المركزية بإمكانياتها الحالية غير قادرة على إعادة تأهيل محافظة نينوى"، مضيفا أن الأزمة المالية وما رافقها من انخفاض في أسعار النفط وتكاليف حرب داعش اضافة إلى ملفات الفساد في المؤسسات الحكومية، وضعت البلاد في وضع لا تحسد عليه.

المجتمع المحلي ومخاطر الانتقام؟

ملف المصالحة المجتمعية هو ما أكد عليه مجلس العشائر العربية في نينوى في وقت سابق، حيث عقد مؤتمر أعلن فيه الاتفاق مع القبائل الأيزيدية والقوميات والمذاهب الأخرى على عدم الانتقام العشوائي أو الانتهاك على أساس القومية أو الدين، مقابل عدة نقاط، أبرزها:

  • البراءة من كل شخص انتمى أو شارك أو بايع داعش.
  • إسقاط الجنسية عن عناصر التنظيم ومصادرة أموالهم. وإذا لم تقم الحكومة المركزية بذلك سيتم الطلب من حكومة نينوى بتنفيذه.
  • المطالبة بترحيل عوائل عناصر داعش وبلا عودة، لأن بقاءهم سيؤدي إلى تصاعد حالات الانتقام وزيادة المشاكل.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.