مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:
على الرغم من حالة الهدوء والاستقرار التي تصاحب معيشتها في مصر، خاصة بعد أن تأقلمت مع أهلها بمرور الأيام، إلا أن القلق والخوف على مستقبل ابنتها الوحيدة يجعلها لا تنام.
تحسن الأحوال في النصف الثاني من عام 2016 بعد أن تحررت مدن عراقية عديدة من الدواعش لا ينسيها المرارة الكبيرة التي حملها النصف الأول من العام نفسه، والذي استمرت فيه هجرة العراقيين وهروبهم من الحرب الدائرة في بلادهم. كما أنه لا يضمد جراح الغربة وآلام فراق الوطن.
قصة مأساوية
بنبرات صوتها المخنوق، وبدمعة محبوسة في عينيها لم تعد قادرة على النزول، فقد جفت دموعها بعد أن ظلت تنهمر لقرابة العامين حزنا على أعز ما تملك – ابنها وزوجها وبيتها – الذين فقدتهم جميعاً على أيدي تنظيم داعش، تحكي أم منصور، العراقية المقيمة بمصر، لموقع (إرفع صوتك) قصتها التي جرت وقائعها بمدينة العوجة بمحافظة صلاح الدين العراقية، وتحديدا بعد سيطرة الدواعش على المحافظة منتصف عام 2014 وفرض سيطرتهم وسطوتهم على المدينة.
"كنّا كسائر الأسر العراقية نعيش حياة هادئة"، تسترجع أم منصور، التي هي الآن على مشارف الـ50 من عمرها، الذكريات. كان زوجها يمتلك مزرعة صغيرة تدر عليهم ربحاً معقولاً يمكنهم من تدبير نفقاتهم الحياتية ونفقات تعليم أولادهم، إلى أن دخل تنظيم داعش المدينة.
"رأينا بأعيننا ممارسات داعش الوحشية، فتبدل حالنا!".
بدأت مأساة أم منصور بإصابة زوجها بجلطة في المخ أدت إلى إعاقته في اليد والساق نتيجة ارتفاع ضغط الدم عنده بشكل مفاجئ جراء حالة الغضب مما رآه وشعوره بالإحباط والعجز. فما كان لأحد من سكان العوجة أو غيرها تصرفاً تجاه أفعال الدواعش الإجرامية.
بداية الانهيار
"كانت هذه الحادثة بداية الانهيار ونقطة تحول كبير في حياتنا الأسرية"، تقول أم منصور، "إلى أن جاءت الطامة الأكبر حين داهم أعضاء التنظيم الإرهابي منزلنا وأخذوا زوجي عنوة دون الاستماع لتوسلاتي بأن يتركوه فهو معاق. لكنهم قاموا بالاعتداء عليه واختطافه. وحتى الآن لا أعلم شيئاً عنه وعن مصيره وما إذا كانوا قد قتلوه أم لا يزال على قيد الحياة".
تصمت أم منصور وتأخذ نفسا عميقاً ثم تحاول مواصلة الحديث وتتابع وفي صوتها حشرجة ونبرة مهزوزة "منذ عام ونصف وأنا أرتدي هذا اللباس الأسود، أتعلم لماذا؟"، تسأل مراسل (إرفع صوتك)، وتكمل دون انتظار الإجابة "حزنا على ابني الذي قُتل أثناء القصف وهو ذاهب للتسوق ليأتينا باحتياجات المنزل. لكن لم تأتنا الاحتياجات ولم يعد ابني بل جاءني أصحابه بخبر وفاته".
لم تتمالك أم منصور نفسها وأجهشت بالبكاء وطلبت عدم الحديث أكثر في مسألة وفاة ابنها. واحترمنا طلبها.
بعد أن هدأت، تابعت أم منصور حديثها مشيرة إلى أن تنظيم داعش كان يقوم بحملات إعدامات جماعية وعمليات خطف وحرق بيوت بداعي أن سكانها "مرتدون".
"كنا نحن كذلك في نظرهم، ومن هنا كنا أمام خيارين كلاهما مر فإما الموت وإما الهروب للنجاة".
ألبست أم منصور ابنتها (18 عاما) ملابس البنين لكي لا تتعرض للخطف والاغتصاب وخرجت بها باتجاه طريق تكريت متنقلين من مكان لآخر وهما مرعوبتان من ظهور أي داعشي. ثم تعرفا على شخص سهّل لهما طريق الهروب "وطبعا كله بثمنه إلى أن تمكنا من الوصول إلى بغداد ومنها إلى القاهرة".
أمنيتها... نهاية داعش
وفي مصر، التي اختارت اللجوء إلى مصر بعد اتصالات بمعارف وأصدقاء عراقيين كانوا قد سبقوها إلى مصر. وبمساعدة هؤلاء، تمكنت أم منصور من الحصول على عمل في إحدى العيادات الطبية تتدبر به أمرها وتنفق منه على ابنتها التي لم يبق لها حبيب غيرها في الحياة. وتقوم في عملها بتجهيز المريضات من النساء قبل أن يكشف عليهن الطبيب.
تشير أم منصور إلى أن كل ما حدث رغم بشاعته وقسوته "يهون في سبيل الوطن". فلم تمنع حالة الاستقرار والشعور بالأمان وسط المصريين الذين يشملونها بالرعاية من أن تراودها الأحلام في أن يكون عام 2017 عام القضاء التام على تنظيم داعش الإرهابي في كل الدول العربية للتمكن من العودة إلى وطنها "ففيه ذكريات الطفولة والصبا والشباب. وفيه أيضا ثرى الأهل والأحباب".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659