سيدة عراقية تدعو إلى تغليب المواطنة على الطائفية/وكالة الصحافة الفرنسية
سيدة عراقية تدعو إلى تغليب المواطنة على الطائفية/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم حسن عبّاس:

كان كعادته القديمة يتجوّل في السوق. رفع رأسه عن بسطة كان يتفحّص معروضاتها ليجد بجانبه ذاك الشخص المشتبه بأنه قتل أسرته وأحرق منزله. مشهد خيالي، لكنه سيتكرّر على أرض الواقع كثيراً بعد أن تضع الحرب أوزارها. ماذا سيفعل هذا الشخص؟

خلّفت الحروب الدائرة في الدول العربية انقسامات حادة في المجتمعات، تأخذ أشكالاً مختلفة بحسب كل دولة.

ففي بعض المدن التي كانت أحياؤها مقسّمة على أساس طائفي حيث حيّ للمسيحيين أو الشيعة في مدينة ذات أغلبية سنّية أو حيّ للأكراد في مدينة ذات أغلبية عربية... نشأت عداوات بين الجيران القدامى بحيث صار كل شخص ينظر إلى جاره المختلف عنه طائفياً على أنه عدوّ يتربّص به ويريد قتله.

وفي بعض المدن التي لا تعرف التنوّع الطائفي أو القومي والتي سيطرت عليها لفترة الجماعات المتطرّفة نشأت عداوات مشابهة وإن كان شكلها مختلفاً. ففيها صارت بعض العائلات موصومة بتأييدها للمتطرّفين وأخرى صارت متهمة بارتكاب مجزرة بحق عائلة أخرى...

كل هؤلاء الناس كانوا قبل الحروب يلتقون في المساحات المشتركة، وأبرزها الأسواق في المدن العربية. ففي الأسواق نرى تجاراً من مختلف الانتماءات وكذلك الأمر بالنسبة للزبائن.

ولا ننسى أن بعض أحياء المدن العربية كانت قبل الحروب الأخيرة مختلطة طائفياً، وهنا سيكون الوضع أكثر تعقيداً، لأنه لا مجال للتقوقع بهدف عدم الاختلاط بالآخر.

مشاكل كثيرة

وأكّد رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي أن "مشاكل معقّدة ستواجه العراقيين والسوريين بعد الحرب".

وعدا المشاكل الطائفية التي خلّفتها الحرب بين السنّة والشيعة والعلويين والمسيحيين وغيرهم من الطوائف وبين العرب والأكراد وأبناء باقي القوميات في سورية، أشار الهاشمي لموقع (إرفع صوتك) إلى وجود مشكلة إضافية في العراق وهي مشكلة العشائرية، فقد خلّفت الحرب صراعاً بين العشائر واتهامات متبادلة.

لكنّه رأى أن المشهد العراقي يختلف عن المشهد السوري. ففي العراق هنالك دعم دولي ضد الإرهاب، بينما في سورية هنالك انقسام دولي حول دعم الأطراف المتقاتلة، ما يُنتج مشهداً أكثر تشعباً.

ولذلك، اعتبر أن "هنالك فرصة لمصالحة مجتمعية بعد تحرير الموصل"، مضيفاً أنه "إلى الآن، لا يبدو أن الطبقة السياسية واعية لحجم التحدّيات، ولا تزال تلعب على وتر الطائفية".

الأحياء التي ستبقى مختلطة

في العراق، لم تكن الأحياء الطائفية موجودة في المدن وكانت تربط المواطنين علاقات مشتركة وتجمعهم الأسواق ورابطة الزواج، شرح الهاشمي. وتابع "بعد 13 سنة من الفوضى، نمت المناطق ذات الصفاء الشيعي أو السنّي أو الكردي أو التركماني". وبرأيه، "سيؤثر ذلك على فكرة المواطنة وعلى بناء دولة المواطن والمؤسسات".

"من الصعب عودة الأمور إلى ما كانت عليه"، يحسم الهاشمي قصة عودة التنوّع والحياة الطبيعية إلى المدن والبلدات العراقية بعد انتهاء الحرب.

وبرأيه، فإن نشأة الصراعات بين العائدين مسألة شبه محسومة. ولكن الصراع ليس فقط بين المجموعات المتنوّعة طائفياً ودينياً وقومياً. ففي محافظة صلاح الدين العراقية نشب صراع سنّي-سنّي بين العائدين.

وفي الرمادي، وهي مدينة أغلب سكانها من العرب السنّة، عاد الأهالي ونشب صراع بين أطراف مختلفة والبعض طالب بحاكم عسكري وبعض آخر طالب بطرد عائلات متهمة بتأييدها سابقاً لداعش، قال الهاشمي متسائلاً "فكيف في الموصل حيث طوائف وأديان وقوميات مختلفة؟".

وتوقّع الهاشمي أن تفقد المحافظات العراقية تنوّعها مستعيداً تجربة محافظة البصرة التي كانت مختلطة ولكنها تحوّلت إلى محافظة شيعية بسبب أحداث العنف التي اندلعت بعد عام 2003.

كما ضرب مثل مدينة تلعفر التي هُجّر سكّانها الشيعة بعد سيطرة داعش عليها وقال "هؤلاء تهجّروا إلى كربلاء والنجف وعلى الأرجح لن يعودوا بعد تحرير مدينتهم لأنهم لن يشعروا فيها بالأمان وقد بدأوا بترتيب حياتهم بشكل جديد"، لافتاً إلى أن "للهجرة الداخلية الطائفية مفاعيل سلبية على بنية الوطن والمواطنة".

دور للسياسيين

برأي الهاشمي، "لعبت الطبقة السياسية دوراً في تحشيد الجمهور وتنمية النزعات الطائفية".

في العراق، يتوقّع الهاشمي أن تنشأ محافظات سنية وأخرى كردية وأخرى مسيحية، فهذه هي النتيجة الطبيعية للتحريض الطائفي والحرب الطائفية على مدار سنوات. ولكن هذا لن يكون وصفة جيدة للاستقرار إذ لا بد من إعادة بناء مفهوم المواطنة العابر للطوائف والقوميات.

واعتبر أن الحل يكمن في "إعادة مفهوم المواطنة والاعتدال وفك الطبقة السياسية ارتباطها بالخارج وعملها لمصلحة العراقيين لا مصالح دول إقليمية".

كما أشار إلى ضرورة أن يعمل السياسيون على اتباع سياسات "تخلق وعياً مجتمعياً" وهذا دور يجب أن يقوم به أيضاً الناشطون في المجتمع المدني.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.