مصطفى العذاري، بريشة الفنان العراقي أحمد فلاح/عن فيسبوك
مصطفى العذاري، بريشة الفنان العراقي أحمد فلاح/عن فيسبوك

بقلم حسن عبّاس:

فنّانو كاريكاتير عراقيون كثيرون قرّروا الإضاءة على مشاكل مجتمعهم، وأبرزها التطرّف بأشكاله المختلفة، بالأسلوب الذي يبرعون فيه: الرسوم الكاريكاتيرية. وقد نجحوا في إثارة سجالات هامة على صفحاتهم.

كيف يقيّم هؤلاء الفنانون تجاربهم في ما خص رسوماتهم التي تحمل رسائل ضد التطرّف؟ ما رأيهم بتفاعل الناس مع رسوماتهم؟ ما أكثر ما علق في أذهانهم من واقع تجربتهم خلال الفترة الماضية؟ وكيف ينظرون إلى أدوارهم في المستقبل؟

ناصر إبراهيم... لا تراجع

يعتبر الفنان العراقي ناصر إبراهيم أن الكاريكاتير "أقوى من النص من حيث التلقي والسهولة في اختصار الفكرة ونشرها".

وقال لموقع (إرفع صوتك) إن "تفاعل الجمهور مع الرسومات يفوق التصور"، لافتاً إلى أنهم "ليسوا فقط متابعين لرسوم محاربة التطرف بل مطالبين بهكذا رسومات"، ومعتبراً أن "رأي الجمهور وتفاعلهم هو ما يمدّنا بالطاقة للاستمرار".

لا يحبّ إبراهيم المفاضلة بين رسوماته. "كلهم مثل أولادي"، يقول.

لكن هنالك رسومات أثارت سجالات أكثر من غيرها، نظراً لارتباطها بموضوع سجالي يحتلّ مساحة واسعة من اهتمامات الناس.

يتذكّر رسمه بعيد اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتّر على يد متطرف، ويقول إنه "أثار سجالاً لا يمكن نسيانه".

اغتيال ناهض حتّر، بريشة الفنان العراقي ناصر إبراهيم

​​

أكثر ما لفت انتباه إبراهيم في التعليقات على الرسم المذكور هو كيف أن "البعض يؤيد أو يلتمس الأعذار للقتل".

أما أكثر ما أحبّه بين رسوماته رسمان، الأول عن الفتاوى والنصوص التي تبيح القتل "وهي أم المشاكل "، برأيه.

فتاوي القتل، بريشة الفنان العراقي ناصر إبراهيم

​​

والثاني هو عن "سذاجة البعض في فهم دينهم، وهو نتاج استغفال المتطرفين لهم"، كما علّق.

سذاجة فهم الدين، بريشة الفنان العراقي ناصر إبراهيم

​​

"إننا في حرب ولا بدّ أن ننتصر"، قال إبراهيم عن نيّته للاستمرار في عمله في المستقبل مؤكداً "أكيد سأستمر، وبقوة، وضد كل أنواع التطرف بدون استثناء، وذلك حتى يتوقف قتلنا أو نُقتل".

أحمد فلاح... تأثير في زمن الكسل

بدوره، اعتبر الفنّان العراقي أحمد فلاح أن "الصورة اليوم لها سحرها، وسهولة تلقيها"، مشيراً إلى أن "الصورة تصل بسرعة، وهي سهلة لأنها لا تحتاج إلى جهد كبير في التلقي مثل النص".

لكنّه قال لموقع (إرفع صوتك) "إن الصورة والنص يسيران جنباً إلى جنب، ولا يمكن أن يلغي أحدهما الآخر".

يؤمن فلاح بإمكان أن تُحدث الصورة "فارقاً في وقت الكسل هذا أكثر من نص"، ويؤكد أنها "تجعل الإنسان يفكّر ويشكك باليقينيات التي يصدرها المجتمع"، ويضيف أن "خلخلة الصورة لهذه اليقينيات تظلّ دائماً بحاجة إلى النص من أجل أن يشرح ويفرد الوقائع ويحللها، فالصورة ليس باستطاعتها الشرح والتحليل مثلما يفعل النص".

تشهد رسومات فلاح التي تحارب التطرّف والتي يصفها بأنها "تدعو إلى الاعتدال والاهتمام بالإنسان بوصفه إنساناً بمعزل عن هويته"، تفاعلاً كبيراً.

وعن ذلك قال "أخذ التفاعل يكبر خلال العام الأخير، لا سيما وأن نقد الإسلام المتطرف والإسلام السياسي أخذ بالاتساع في الشارع. وبات جليّاً أن الرسامين والكتاب والمدونين الداعين إلى الاعتدال ونبذ التطرف يؤتي عملهم أكله".

إلا أنه أكّد "أن المهمة ليست سهلة، وهناك مشاق عديدة في المستقبل بانتظار كل مَن يعمل ضد المشاريع والأفكار المتطرفة".

من أعماله التي يحبّها جدّاً رسم "يشبّه بعض سياسيي الإسلام السياسي بصدّام حسين". وعنه يقول "هو من بداياتي. لقد أثار سجالاً طويلاً، وأجج بعض الجهات المسلحة ضدي ودفعها إلى تهديدي، إلا أنه أيضاً وجد رواجاً كبيراً".

تسلّط الدين وتديّن التسلّط، بريشة الفنان العراقي أحمد فلاح

​​​

أما أكثر كاريكاتير رسمه مؤخراً وأحبّه فهو "لوحة الشهيد مصطفى العذاري وهو يساعد النازحين". وقد رسمها بعد تحرير الفلوجة.

مصطفى العذاري، بريشة الفنان العراقي أحمد فلاح

​​

وقال "لقد ضحّى الرجل بنفسه من أجل الخلاص من التطرّف والظلام، وهذا ما تحدّث عنه والده، ولا أعتقد أنه كان يريد أكثر من مساعدة سكّان المدن، فكيف بالنازحين الذين وضعته معهم في لوحة واحدة؟".

والعذاري هو جندي عراقي ألقى عليه داعش القبض في الفلوجة وأعدمه عام 2015، ونشر صور قتله.

"سأظل أرسم لأني أعتقد أنه واجب"، يؤكد فلاح استمراره في ما يقوم به، ويقول "التطرّف لم ولن ينتهي، إذا كان اليوم تطرّفاً إسلامياً، فإنه في المستقبل قد يكون عنصرياً، أو جندرياً. نحن نعيش في بلد تدمّر فيه كل شيء، وهو يحتاج إلى النقد والسخرية لإعادة ترتيب نفسه والخلاص من الظواهر الرجعيّة".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.