أحد حقول النفط في شمال العراق/وكالة الصحافة الفرنسية
أحد حقول النفط في شمال العراق/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

يهدد الإفلاس اقتصاد عدد من دول الشرق الأوسط بينها العراق خلال السنوات المقبلة، بسبب اعتمادها على النفط في إدارة وتمويل ميزانيتها المالية.

ويصنف صندوق النقد الدولي العراق وليبيا واليمن على أنها دول هشة بسبب النزاعات الإقليمية، محذرا من أن "معظم البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط (بينها العراق) وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان سوف تستنفد احتياطاتها الوقائية المالية في أقل من خمس سنوات".

ويضيف في تقرير له صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أن الصراعات التي يشهدها العراق وليبيا واليمن أدت إلى انهيار في النشاط الاقتصادي وتصاعد الضغوط على المالية العامة، داعيا في الوقت نفسه تلك الدول إلى التأقلم مع انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية.

الخبير الاقتصادي العراقي باسم انطوان يرى أنه اذا استمرت سياسة بلاده المعتمدة على الريع النفطي سيكون اقتصاده مهددا وغير مستقر، موضحا في حديث لموقع (إرفع صوتك) "النفط أصبح سلعة سياسية اقتصادية تتحكم بها (منظمة) أوبك والسعودية، لذلك على العراق أن يبدأ تنويع الاقتصاد عبر قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، وخلق فرص عمل عبر منح القطاع الخاص دورا مميزا في رفد الاقتصاد".

ارتفاع أسعار النفط ليس حلا؟

ويضيف أنطوان "هناك بشائر ارتفاع أسعار النفط التي قد تخدم 10 في المئة في تحسين الاقتصاد ولكنها ليست حلا، فالاقتصاد ينهار بسرعة ولكن لا يتحسن بسرعة؛ بل عبر مراحل".

ويتجاوز الاحتياطي النفطي في العراق 143 مليار برميل وهذا مؤشر جيد في اعادة ثقة المستثمر بالاقتصاد العراقي، بحسب الخبير الاقتصادي الذي أضاف "من الضروري الاستفادة من الأخطاء السابقة وبناء اقتصاد يعتمد على الكفاءات والنخب من ذوي الاختصاص في وضع خطط للتخلص من أحادية الاقتصاد والنهوض به".

وفي الوقت الذي أنهكت فيه الحرب ضد الإرهاب الاقتصاد العراقي بسبب تكلفة العمليات العسكرية، إلا أن الفرصة قائمة لرفد اقتصاده بعائدات ضخمة عبر الاستثمار، سيما وأن العراق أصبح "ساحة استثمار جيدة إذا استحسن استخدام الأدوات الاقتصادية وخلق جهاز نظيف بعيد عن الفساد الذي نخر جسد الاقتصاد العراقي".

العراق: خطة خمسية لا تعتمد على النفط

وزارة التخطيط بدورها، بدأت العمل في النصف الثاني من عام 2016 على وضع خطة خمسية، تعتمد على تفعيل القطاعات الاقتصادية من غير النفط في تنمية الاقتصاد العراقي.

"رب ضارة نافعة"، يقول المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي لموقع (إرفع صوتك)، لأن انخفاض أسعار النفط بشكل مفاجئ دفع الحكومة للتفكير بشكل جدي في البحث عن معالجات ليست آنية فقط، بل مستقبلية. "فبدأت وزارة التخطيط وبالتنسيق مع كل وزارات الدولة الأخرى المعنية بوضع الخطوط العريضة والعامة لخطة تنمية جديدة لسنوات 2018 – 2022".

وحيث أن مشكلة الاقتصاد العراقي لا تقتصر على أحاديته في الإيرادات المعتمدة على النفط، بل تتعدى ذلك إلى الاعتماد على القطاع العام بكل تفاصيله، وهذا تحد ساهم في خلق الأزمة.

يوضح الهندواي "هناك جدية حكومية كبيرة للذهاب إلى تلك القطاعات وخصوصا الانتقال نحو القطاع الخاص وتقليل هيمنة القطاع الحكومي على التنمية والاقتصاد".

ويتابع المتحدث باسم وزارة التخطيط أن العمل بالخطة الخمسية سيبدأ في النصف الثاني من 2017، مضيفا "اعتمدنا في إعداد هذه الخطة على الخبرات الدولية بمشاركة صندوق النقد الدولي، للاستفادة من رؤيتهم الأكثر وضوحا بالنسبة لاقتصادات العالم وأين تتجه الناجحة منها".

ويمتلك العراق قطاعات قادرة على تنشيط الاقتصاد، ويمكن الاستفادة منها في تفعيل مفاصل التنمية لتكون بديلة عن النفط، كالزراعة والصناعة والسياحة.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.