لاجئات من الأقلية الأيزيدية/وكالة الصحافة الفرنسية
لاجئات من الأقلية الأيزيدية/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

عندما بدأت ميسون علوان، 53 عاماً، بجمع التبرعات من أقاربها ومعارفها لمساعدة العائلات النازحة - سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وغيرهم – من المدن التي كان قد سيطر عليها داعش، تقول إنها لم تفكر إلا  بواجبها كمسلمة تؤمن بمفاهيم الدين الإسلامي الصحيحة.

لا للمعاداة والكراهية والعنف

تقول ميسون، وهي ربة بيت وتعيش مع ولدها وزوجته وأطفاله الثلاثة ببغداد، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "حرصنا على مساعدة ضحايا داعش من مختلف الأديان والمكونات وسيلة لتصحيح صورة الإسلام".

ويبدو أنّ ميسون، مثل غيرها من النساء اللواتي يحرصن على مساعدة المحتاجين منذ العام 2014 من دون التوقف عند خلفياتهم الدينية، تشعر أنّه لا توجد علاقة بين الإرهاب والإسلام. "لا بد أن نفعل ما أمرنا به ديننا الإسلامي عند الشدائد: حب الناس والتسامح ومساعدة الجميع. لا للمعاداة والكراهية والعنف".

التهديد المصاحب لمعاداة دينية

تسبّب تنظيم داعش، وقبله تنظيمات إرهابية أخرى، بتشويه صورة الإسلام عبر اقترافها جرائم كثيرة من قتل وسبي ونهب باسم الدين. وقد استهدف التنظيم ضحاياه بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والمذهبية، فقد هجّر الآلاف من الشيعة والسنّة والمسيحيين والأيزيديين ومكونات دينية وعرقية أخرى.

"ما يحدث في المجتمع من سلوكيات تُظهر التعصب الديني أو الطائفي. ترسم بدقة صورة سلبية عن الدين الإسلامي"، حسبما يشير ضياء صادق، 34 عاماً.

ويقول ضياء، الذي يدير محلاً لبيع الأحذية الرجالية ببغداد، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إن "القليل من الناس يحرصون بجدية على نشر قيم التسامح والاعتدال التي تعدّ من أهم مفاهيم الدين الإسلامي".

ويضيف "خلي يروح هذا الشيعي أو السني أو المسيحي، لازم نسه أصله... هذا ما نسمعه دوماً بعد حدوث أي مشكلة بسيطة بين طرفين. حيث تتأزم بسرعة وتدخل مرحلة التهديد المصاحب لمعاداة دينية أو طائفية حتى وإن لم تربطها علاقة بالدين".

ويشير ضياء إلى أن صورة الإسلام السلبية لا يمكن تصحيحها أو تغييرها "ما لم تتحسن علاقاتنا الاجتماعية ونبتعد عن العنف ومعاداة الأديان والطوائف الأخرى".

"نحن نعاني من اتساع ثقافة العنف في الحوار الذي ولد القطيعة فيما بيننا. للأسف نادرا ما تجد حوارات هادئة. كلها متشنجة"، حسب الشاب.

التعايش السلمي

تشويه صورة الإسلام دفع ببعض الشباب إلى اتباع أساليب جديدة بهدف تحسين هذه الصورة، يقول فاضل علي ، 28 عاماً، في إشارة إلى تزايد حملات التعايش السلمي.

ويضيف "نحارب هذه الصورة من خلال زيارة الكنائس ومشاركة أبناء المكون المسيحي أفراحهم وأتراحهم والوقوف معهم ضد التهديدات التي يتعرضون لها".

ويشير فاضل الذي يعمل في مطعم لبيع الأكلات السريعة بسوق البياع في بغداد، إلى أن حملاتهم لا تشكل شيئا مهماً. "من يقوم بها أفراد قلة نسبة إلى الأذى النفسي والمادي الذي تتعرض له المكونات الدينية غير الإسلامية باسم الإسلام. المجتمع الإسلامي بالعراق بحاجة لثورة ضد الإرهاب والعنف "، حسب الشاب.

ازدراء الأديان

أما سناء غيدان، فترى أن الوسيلة الوحيدة لتصحيح صورة الإسلام السلبية هي أن تُفعّل بعض القوانين التي تحاكم وتحاسب وفق تهمة (ازدراء الأديان) أو الذي يتعمد الإساءة إلى أبناء المكونات الدينية المختلفة أو إلى رموزهم أو طقوسهم أو عاداتهم. وتقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن "القوانين وحدها من ستصحح صورة الإسلام المشوهة أو السلبية".

وترى سناء، وهي مدرسة متقاعدة، أنّ "ضعف القوانين القضائية كان من أسباب تشويه صورة الإسلام".

وتقول إن الذين يتعرضون للأذى أو للاعتداء "يلجؤون لجماعاتهم من نفس الدين أو الطائفة أو العشيرة لغرض حمايتهم بسبب ضعف أجهزة الدولة وغياب قوانينها".

وتشير إلى أن هذا الأمر ساهم في زيادة العنف والكراهية بين المكونات الدينية، "ولأن أغلبها قد تم استهدافها من قبل إرهاب داعش باسم الإسلام، فإن هذا الدين سيبقى متهماً إذ لم تسرع الحكومة وأجهزتها المعنية بوضع قوانين تفرض على الجميع احترام الأديان كلها".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.