حي الإعلام في الجانب الأيسر من مدينة الموصل/إرفع صوتك
حي الإعلام في الجانب الأيسر من مدينة الموصل/إرفع صوتك

أربيل - بقلم متين أمين:

"خجول وقلق وليس بالمستوى المطلوب"، هكذا يصف موصليون الخطاب الديني الداعم لعملية تحرير مدينتهم من تنظيم داعش التي تقترب من دخول شهرها الثالث. فعلى الرغم من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم، إلا أن عددا من رجال الدين والمراقبين السياسيين يرون أن غالبية رجال الدين المسلمين الموصليين لم يلعبوا دورا فاعلا في دعم القوات الأمنية العراقية في حربها ضد داعش.

يرى عضو منتدى علماء الدين في محافظة نينوى الشيخ محمد الشماع أن "غالبية رجال الدين الموصليين في سبات ولا يأبهون لما يجري" على الساحة العراقية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "لا أرى أي جهود أو حركة لغالبية رجال الدين". ويحذر الشماع رجال الدين من الصمت وعدم محاربة التنظيم، متسائلا "إن لم يتصدوا الآن ولم يتكلموا فما فائدتهم بعد ذلك؟ وماذا سيستفيد منهم الناس؟".

ويسلط الشماع الضوء على منتدى علماء دين نينوى الذي هو عضو فيه، ويحتضن هذا المنتدى نخبة من علماء الدين الموصليين في إقليم كردستان العراق. ويشير إلى أن المنتدى هو نتاج جهود فردية، شُكل بعد سقوط الموصل بيد داعش من قبل نخبة من علماء الدين الموصليين لمحاربة تنظيم داعش فكريا من خلال جهد إذاعي وتلفزيوني وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

"لم نترك شيئا إلا وأوضحناه للناس لكشف انحرافات الفكر الداعشي".

ويُشير الشيخ محمد الشماع إلى أن دور علماء الدين في مرحلة ما بعد داعش في الموصل يتمثل في بيان الحقائق وتنوير الناس وكنس الفكر الداعشي من عقول الناس. "لا بد من اقتلاع هذا الفكر المنحرف الشاذ وهذا يحتاج إلى عمل مضنٍ وجبار".

يتحملون المسؤولية؟

وبحسب المراقبين السياسيين والمثقفين الموصليين، فإن الخطاب الديني المتشدد ورجال الدين المتطرفين يتحملون إلى حد ما شهدته المدينة من عمليات إرهابية خلال السنوات الماضية، والفكر المتطرف الذي تبناه عدد من رجال الدين المسلمين في المدينة اشترك في تسهيل عملية سيطرة داعش عليها لأكثر من عامين ونصف، على حد وصفهم.

يعتبر المراقب السياسي الموصلي عبد الكريم الكيلاني أن تجاهل دور رجال الدين في هذه المرحلة التي تشهد تحديات كبيرة خطأ فادح لأن تأثيرهم على الرأي العام كبير جدا. ويقول الكيلاني لموقع (إرفع صوتك) "كان ولا يزال الخطاب الديني خجولا وقلقا وليس بالمستوى المطلوب بالرغم من وجود عدد قليل من رجال الدين الذين كان لهم دور إيجابي في دعم العمليات العسكرية ونبذ التطرف وتبني خطاب معتدل نوعا ما".

مكونات دينية مختلفة

مدينة الموصل كانت تحتضن كافة المكونات الدينية والقومية والمذهبية في العراق قبل أن تُحتل من قبل تنظيم داعش في 10 حزيران/يونيو عام 2014. أقدم التنظيم ومنذ اللحظة الأولى لاحتلال المدينة على ضرب التعايش بين هذه المكونات من خلال حملة إبادة جماعية وتدمير استهدفت جميع المكونات. وكانت الأقليات الأكثر تضررا من حملات داعش.

وبحسب شهادات الموصليين، مارس التنظيم خلال أكثر من عامين ونصف من احتلاله للموصل عمليات غسيل أدمغة شملت كافة سكان المدينة، والجرائم التي حدثت بسبب احتلال التنظيم لمحافظة نينوى أحدثت شرخا كبيرا في النسيج المجتمعي.

لذا تحتاج المرحلة القادمة وبحسب رأي الناشط المدني المسيحي غزوان إلياس إلى ترسيخ ثقافة قبول الآخر بين مكونات الموصل المختلفة وإعادة الاستقرار إليها. ويقول إلياس الذي يترأس جمعية الثقافة الكلدانية في بلدة القوش التابعة لمحافظة نينوى، لموقع (إرفع صوتك) إن "لغة الحوار وقبول الآخر وقبول جميع الثقافات واعتبارهم مواطنيين عراقيين لهم تاريخهم وأصالتهم هي اللغة المطلوبة والمرجوة حتى تُعاد الموصل ونينوى ككل إلى سابق عهدها".

ويُعبر إلياس عن تفاؤله بمرحلة ما بعد داعش في الموصل، متمنيا أن تكون هناك طروحات أخرى تختلف عن التي كانت والموجودة حاليا في الموصل. "نحن لسنا بحاجة إلى شعارات ومؤتمرات، بل نحتاج لتصفية الماضي نهائيا".

ويضيف إلياس أن المكون مسيحي مؤمن بوجود الآخر ويتقبل الحوار معهم وفي المقابل يتمنى من الآخر أن يتقبله ويتقبل كل المكونات الأخرى. ويختتم حديثه بالقول "الكل تأذى والكل تألم والكل مجروح من التشدد والتعصب الديني، لأن التعصب الديني لا يخدم أحدا".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.