عراقيون في شارع المتنبي/وكالة الصحافة الفرنسية
عراقيون في شارع المتنبي/وكالة الصحافة الفرنسية

بغداد – بقلم دعاء يوسف:

"الكل صار يتحدث باسم الدين، الصغير قبل الكبير. لقد أثّر الخطاب الديني المتطرف بشكل كبير على حرياتنا الشخصية والعامة، ولا سيما على النساء"، تقول ليلى اسماعيل، 26 عاماً.

الزي الإسلامي

تعاني ليلى من أفكار أخيها المتشددة وتقول إنه لم يكن هكذا، لكنه تغير بعدما تعرف على مجموعة من الشباب المتدينين. "صار يضيّق عليّ ويتدخل بحياتي الخاصة، بل ويكره النساء ودائما ما يصفهن بـ(الكاسيات العاريات) لأنهن لا يرتدين حجاب الرأس"، حسب قولها لموقع (إرفع صوتك).

وألقت الشابة، وهي حاصلة على شهادة كلية التربية للبنات باللائمة على الخطاب الديني الموجه وخاصة في المناطق الشعبية. وتقول إن أخيها يسعى إلى تدمير حياتها بسبب أفكاره الدينية المتشددة، فهي لا تستطيع العمل أو حتى الخروج من دون موافقته المسبقة. وإن خرجت فلا يمكن أن تكون وحدها ، فضلاً عن محاسبته الشديدة على ما ترتديه من ثياب قد لا تمثل الزي الإسلامي بنظره.

طلبة الجامعات

أما أحمد كاظم، 22 عاماً، فيقول إنّ "الكثير من الناس يترددون في الحديث عن مدى تأثير الخطاب الديني على حياتهم المدنية، خوفا من تبعات هذا الأمر".

ويضيف أحمد، وهو طالب مرحلة ثالثة – كلية آداب، أنّ مما يزيد من مخاوف واسعة حول التهديد الذي يتسبب به الخطاب الديني هو أن تظهر بين الحين والآخر مقاطع مصورة لأحد رجال الدين أو السياسة وهو يؤشر لحالة مدنية ما، ويبدأ بتوعد من لا يمتثل لتعاليم الشريعة الإسلامية.  

ويشير في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إلى أن هذا النوع من الخطاب الديني يحرض على العنف والقصاص لكل من يعتقد أنه لا يطبق تعاليم الشريعة في الميادين كافة. "هي حملة تتبناها الأفكار المتشددة لإنهاء المدنية في البلاد".

ويتساءل الشاب عن الفرق بين هذه الدعوات وخطابات داعش الإرهابية؟

مقرات الأحزاب الدينية

وتفرض بعض مناطق العاصمة بغداد قيودا متمثلة بتعاليم دينية متشددة. وتضع الكثير من النساء اللواتي يضطررن دخول تلك المناطق حجاب الرأس رغم عدم رغبتهن ، بما في ذلك بشرى علي، التي تدير محلا لبيع الملابس النسائية في سوق شعبي ببغداد.

وتقول بشرى، 43 عاماً، وتنتمي إلى الإسلام المعتدل، لموقع (إرفع صوتك) "يجب أن أرتدي ما يناسب توجهات أهالي المنطقة وأفكارهم. قد أتعرض لسماع كلمات بذيئة أو تهديدات".

وتضيف "الكثير من المناطق تضم مقرات لأحزاب دينية وهي التي تتحكم بطبيعة الحياة داخلها وتفرض على الأهالي ما يناسبها من ممارسات دينية".

وتشعر بشرى بالقلق إزاء قوة الخطاب الديني المتشدد، وعما قد يكون لذلك من تأثير على الحريات العامة.

صراع سياسي

أما عباس الخفاجي، 45 عاماً، فيعتقد أنه من الصعب القول إن الخطاب الديني يهيمن بقوة على الحياة المدنية في العاصمة بغداد، "وما نراه أو نسمع عنه هي محاولات غير ناجحة لفرض الخطاب المتشدد".

ويضيف عباس الذي يعمل في بيع العقارات ببغداد، في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّ الخطاب الديني السائد في المنطقة الآن لا يتوافق أو لا يتطابق مع طبيعة العراقيين. "مهما حاولوا نشره لن ينجحوا؛ لأنهم سيصطدمون بطبيعة الفرد العراقي وحبه للحياة المدنية".

ويشير إلى أن أساليب داعش التي تبنت الأفكار المتطرفة نبهت الناس على خطورة الخطاب الديني المتشدد، لذا يعتقد الكثير منهم أن ما يحدث هو صراع سياسي بالدرجة الأساس وليس لنشر تعاليم الدين الإسلامي.

​يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.