من اعتصام في الأنبار/ وكالة الصحافة الفرنسية
من اعتصام في الأنبار/ وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم علي قيس:

بصوتٍ عالٍ وجملٍ أقرب إلى الشعر تتخللها كلمات وأسماء مقدسة، يتلو رجل الدين خطبته تاركا أثرها ورسالتها في عقل المتلقي وقلبه. وهنا يسجل رجل الدين نجاحه في إيصال الرسالة التي قد تكون سلاحا ذا حدين، فقد تكون دعوة إلى الوئام بين المجتمع أو إلى التطرف والتشدد ونبذ الآخر.

في العراق وبعد عام 2003 وحيث كانت رئاسات الحكومة من نصيب المكون الشيعي، شاعت في الشارع السني وجهة نظر تتهم رجال الدين المعتدلين من طائفتهم على أنهم مرتزقة موالون للحكومة. بينما توجهت الأنظار إلى من يعتمدوا لغة التطرف في الخطب الدينية التي صارت إحدى وسائل التصعيد الطائفي والحض على استخدام العنف ضد الطائفة الأخرى.

يقول المدير العام في ديوان الوقف السني الشيخ قتيبة عماش "وجهة النظر هذه تم تسويقها من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة والتي تتخذ من صراعها مع أي سلطة أو نظام متكأ لتقوية نفوذها، فيتم بث الإشاعات المناوئة للصف المعتدل وحملة الفكر المعتدل"، ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "هذه النظرية حققت في فترة من الفترات نجاحا وفوائد لحساب الجماعات الإسلامية المعارضة للأنظمة".

طاعة ولي الأمر واجبة؟

ويشير عماش إلى أن العلماء وكافة النخب في المجتمعات "مأمورون بطاعة ولي الأمر ما لم يأمر بمعصية"، مضيفا "القرب من الحكومة يساعد في تقديم النصيحة لولي الأمر، وهو أفضل من التصدي له وفي هذه الحالة لن نقدم فائدة للمجتمع".

وحيث يؤكد المدير العام في الوقف السني أن الفكر المتطرف هو دخيل على الثقافة الإسلامية، فالتشنج في الخطاب والابتعاد عن الآخر والغاء القواسم المشتركة مع النظير في الخلق والشريك في الوطن هي ليست من ثقافة أهل السنة، لكنه يشير إلى أن "سياسات تكميم الأفواه المعتمدة من قبل بعض الأنظمة ساهمت في صنع مثل هذه التوجهات".

ويتابع "طالما يتم الحديث عن أن الخطاب الديني هو سبب ظهور داعش ويتم تجاهل السياسات القمعية للأنظمة وتكميم الأفواه والحزبية الضيقة وعدم قبول الآخر سياسيا"، موضحا "عندما نطالب الخطاب الديني بالاعتدال فهو لا يعني تحميلنا له مسؤولية التطرف".

ويشدد عماش على أنه لا يزال لرجال الدين المعتدلين من السنة تأثيرا على شارعهم، موضحا "يبقى في كل الظروف الفكر الوسطي والخطاب التوجيهي غير المتشنج هو السائد والمقبول، وهو الذي يحقق النفع للأمة وفيه مصلحة للشعوب".

حوار مقبل بين الحرمين السني والشيعي

ويؤكد الشيخ عبد الحسن الفراتي الذي يعرّف نفسه بكونه "أستاذ الحوزة العلمية في كربلاء" على أنه ورغم الاستراتيجية التدميرية التي جاء بها داعش إلى العراق، إلا أنه تحول إلى وسيلة تقارب بين الخطوط والتيارات الإسلامية المعتدلة، ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "الآن ومع قرب تحرير مدينة الموصل فإننا مقبلون على تودد وتقارب وتناغم في الحوار ومشروع قد يعبر قضية التسوية كما يشاع في الأوساط السياسية".

ويتابع الفراتي "الكثير من الأخوة السنة الذين تخلصوا من الفكر التكفيري الآن لديهم وقفة طيبة في الحوار مع إخوتهم الشيعة، وهم يعيدون النظر في قضية التخلص من داعش وتمدداته في المستقبل العراقي".

ويشير أستاذ الحوزة العلمية إلى إقبال رجال الدين من المذهبين للجلوس على طاولة الحوار للحديث عن آليات تجاوز الخطابات المتشددة، موضحا "نحن مقبلون على حوار بين الحرمين السني والشيعي للخلاص من تبعات داعش الثقافية والسياسية والاجتماعية".

ويلفت الشيخ الفراتي إلى تغييرات في الخطاب الديني بالمناطق المتعددة الطوائف مثل ديالى وكركوك وأطراف الموصل والبعض من مناطق الأنبار وبابل، موضحا "الخطاب السني الآن يعيش أزمة كبيرة لأنه يحترم ولاية الحاكم ما دام لا يعارض الدين، في حين يوجد شق جديد وبدفع من الخط التكفيري السلفي نحو معارضة الحاكم في العراق لأنه شيعي".

وفي ختام حديثه إلى موقعنا، شدد على ضرورة عقد مؤتمر موسع لحسم الموقف من التطرف "لأنه سيؤدي إلى حدوث فواجع كالتي حصلت في الأنبار والموصل".

ويختتم الأستاذ في حوزة كربلاء حديثه داعيا إلى "عقد مؤتمر موسع لرجال الدين السنة يحسم الموقف من التطرف ويوقف نهج مسك العصا من الوسط لأنه سيؤدي إلى حدوث فواجع كالتي حصلت في الأنبار والموصل".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.